[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
بحلول الذكرى السابعة والأربعين للنهضة المباركة التي يمسك دفتها بحكمة راشدة، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، حفظه الله ورعاه، تلتقي مشاعر كافة من يعيش بأرض السلطنة من مواطنين ومقيمين رافعين الأكف تضرعًا للمولى جلت قدرته بأن يكلأ جلالته دائما بموفور الصحة والعافية والعمر المديد.
وفيما تحتفل البلاد بهذه المناسبة في الثالث والعشرين من يوليو الجاري لتحيي ذكرى سبعة وأربعين عاما من تواصل عمليات البناء والنهوض بالسلطنة وشعبها، تتحفز قريحة كل مراقب أمين لاعادة قراءة "النموذج "العماني في التنمية والتطوير خصوصا وانه اي النموذج التنموي يبلغ الآن سبعة وأربعين عاما من الدفع بمقدرات البلاد وشعبها نحو بلوغ آفاق جعلت منه حقا نموذجا جدير بالدراسة والتدريس.
وفي حين تحظى السلطنة باهتمام الباحثين بحضارتها العريقة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ لآلاف السنين لبلاد تعتبر إحدى أقدم دول المنطقة، متخذين تاريخ عمان وحضارتها كمرجع لدراسة تاريخ الحضارة الانسانية بالمنطقة على وجه العموم، لذلك فإن التركيز على حقبة تاريخية من سبعة واربعين عاما يمكن أن يكون بمثابة تسليط للضوء على جزء من حضارة عمانية ممتدة، حيث تميز ذلك الجزء بتفرده واكتسابه لخواصه الدالة عليه ليشكل في مجمله عنصرًا مكملاً لإنجازات الإنسان العماني القادر على إضافة الجديد من الإنجازات بشكل تراكمي عام بعد ومهما تعقدت أمامه المعيقات.. فكانت لهذا الإنسان الحظوة في أن يهبه الله بقيادة فذة رشيدة أضاءت بنظرتها الثاقبة الطريق لجيل هذه الحقبة موضوع القراءة ليستلهم انسانها من حكمة القيادة كل ما مكنه من أن تصبح تجربته في الإنجاز تموذجا يصلح ليحتذى به على مستوى المجتمعات المتطلعة للنمو والتطور.
ولقناعة الأكاديميين بأن بناء الأمم يحتاج إلى آلاف الحقب الزمنية ذات التراكمات الإنجازية في مختلف جوانب مكونات المجتمعات الإنسانية سواء من حيث البنيات الهيكلية السياسية والثقافية والاجتماعية الاقتصادية بتكاملية جزءيها الاقتصادي والاجتماعي معا منبثقا منهما مكونا بشريا متعدد الأجيال، إلا ان النموذج العماني في هذا السياق اثبت للأكاديميين أنفسهم خصوصيته كونه حظي بقيادة ملهمة تمكنت بكل اقتدار من تفجير طاقات مكونه البشري عبر ما يمكن تسميته بالفلسفة التنموية العمانية التي لم تتنكر إلى الماضي دون أن تظل محبوسة في إضاءاته التاريخية، كما انها لم تتمحور في الحاضر دون إغفال لأدق تفاصيل تحدياته، بل لم تتقاعس عن التطلع والإنطلاق نحو الحاضر دون أن تحرق المراحل في الوصول إلى الأهداف السامية التي ترجوها في المستقبل القادم، وبذلك اصبح بمقدور القيادة العمانية من بناء دولة" عصرية "فتية في حقبة قصيرة من الزمن تحسب بعشرات السنين فهو الإنجاز بعينه دون أدنى شك.
وبهذا الاتساق والتكاملية في التعاطي مع متطلبات النمو والتطور المرتكز على إرث تاريخي لاقتدار الانسان العماني على مواجهة التحديات التي كان أصعبها تحدي ركوب أمواج البحار المتلاطمة التي تمكن من تجاوزها ليلعب دور نقل الثقافة وتقنيات البناء ليبنى حضارات تاريخية راسخة في شواطئ نائية خارج جغرافيته، دون أن ينقطع عن بئته التي كانت حاضتنه الأم في مهده، فضمن بذلك القدرة على التواصل في الإنجاز عبر الأجيال، وبهذا نما وعي الانسان العماني بأهمية إعطاء كل جيل حقه في الرعاية والتنمية والتطوير، فتميز بذلك النموذج التنموي العماني بالتراتبية والتدرج من مرحلة إلى أخرى، ليضمن للعملية التنموية أسسا متينة ترتكز فيها كل مرحلة على أخرى.. ولذلك لم يكن مصطلح الاستدامة دخيلا على ثقافة التنمية العمانية رغم الحداثة العلمية لمصطلح الاستدامة. فقد اصبح بإمكان النموذج العماني للتنمية أن يستوعب بكل سهولة مفهوم الاستدامة الذي يعني حفظ حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية .. وهو نفسه المفهوم الذي يليه النموذج التنموي العماني حقه ويأخذ به في كافة عملياته التنموية بمختلف القطاعات الاقتصادية.
وبهذا التميز والتفرد في النموذج التنموي العماني الذي مضى عليه سبعة وأربعين عاما منذ انطلاقته نحو الحداثة والنهضة والارتقاء حري بالشعب العماني الآن أن يفخر بما حققه من طفرة تنموية محسوبة المقادير مع ضرورة حرصه على الاستمرار في الحفاظ على مكتسباته والمضي قدما للإضافة عليها يوما بعد يوم.

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]