العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على 16 سوريًّا ـ بزعم أنهم مسؤولون عن هجمات كيميائية ـ لا يمكن أن تكون ضمن السياق السياسي ولا حتى ضمن الاستهلاك الإعلامي، ذلك أنها عقوبات استندت إلى مزاعم واتهامات ملفقة، وتفتقر إلى الأدلة الموضوعية والمنطقية، وهي محاولة للقفز على حقائق الأشياء والأحداث التي تؤكد أن هذه الخطوة ـ إلى جانب أنها تغريد خارج السرب ـ هي إعادة لتدوير الزوايا والنبش في الدفاتر القديمة بحثًا عن الوسائل غير الأخلاقية التي يرفع صولجانها بين الحين والآخر معشر المتآمرين على سوريا للنيل منها، وإنجاز مخطط استهدافها، خاصة في ظل ما يشهده الميدان من تطور لافت يصب في مصلحة الدولة، وتأكيد دمشق وحلفائها أن سوريا قد تجاوزت مخطط التفتيت والتقسيم، بقوة صمود شعبها وجيشها وحلفائها وحكمة قيادتها.
لقد أكدت الوقائع الميدانية والسياسية منذ تدبير مسرحية الكيماوي في خان شيخون بمدينة إدلب، أن الهجوم بالسلاح الكيماوي كان إحدى الوسائل غير الأخلاقية التي لجأ إليها معشر المتآمرين على سوريا لاختبار الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب، ومحاولة الزج بالولايات المتحدة في عمل عسكري، بعد فشلهم في جرها إليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والاستفادة من نزعاته ليثبت أنه رئيس قوي جاء ـ كما قال ـ ليعيد هيبة الولايات المتحدة ومكانتها في العالم.
لذلك كان استباق تقصي الحقائق والتثبت من استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين أولًا، ومعرفة الجهة المنفذة ومصدر السلاح ثانيًا، ثم إفشال تشكيل بعثة تحقيق دولية، والاكتفاء بدلًا من ذلك بإصدار الاتهامات الباطلة وتوزيعها هنا وهناك، كان كل ذلك كافيًا لدحض جميع الروايات المفبركة ضد الجيش العربي السوري، فضلًا عن الاعترافات التي توالت فيما بعد من قبل بعض الأطباء، ومن خلال المشاهد للفيديوهات، علاوة على ذلك أن سوريا لا تزال تؤكد مرارًا وتكرارًا أنها لم تعد تمتلك أي أسلحة كيميائية بعد تسليمها ـ بمحض إرادتها ـ ترسانتها الكيميائية وبإشراف مباشر من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وبشهادة المنظمة ذاتها والدول التي شاركت في تدمير الترسانة أن سوريا أوفت بالتزاماتها حيال ذلك.
إن ما يثير الاستغراب حقًّا ويدفع باتجاه تأكيد النيات الخبيثة المبيتة ضد سوريا هو أن دول الاتحاد الأوروبي من أوائل الدول مع الولايات المتحدة التي رفضت الاستجابة لدعوة سوريا لإرسال بعثة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى خان شيخون وقاعدة الشعيرات الجوية، ثم تأتي هذه الدول لتوزع اتهاماتها الباطلة وتفرض بموجبها عقوبات ضد من تعتبرهم مسؤولين عن الهجمات الكيماوية في خان شيخون.
من الواضح أن هذه العقوبات رغم إثبات افتقار متخذيها إلى المعايير الأخلاقية في تعاملهم مع الأزمات الدولية، لا تخرج عن سيناريو استهداف العلماء السوريين كما حدث ذلك ضد العلماء العراقيين أثناء الغزو الأنجلو ـ أميركي، الذين نقلوا وطنهم إلى مصاف التقدم والتطور العلمي، ما انعكس على مستوى التنمية في جميع مجالاتها، وفي الجانب الآخر لهذه العقوبات لا يمكن وصفها إلا بأنها تستر على التنظيمات الإرهابية ودعم لها والتي موكول إليها مهمة إبادة الشعب السوري.