[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”إن التسابق بين قوى وأحزاب الائتلاف اليميني الحاكم في "إسرائيل" على توسيع دائرة جمهورها ونفوذها بين المستوطنين والمتطرفين يتم الآن بطرح الشعارات الكبيرة التي تستقطب الشارع "الإسرائيلي" المُنحاز بغالبيته لصالح قوى اليمين واليمين المتطرف، والمندلق في شهيته التوسعية، وذلك على حساب قضايا الشعب الفلسطيني وأرض وطنه ومقدساته وحقوقه.”

شَهِدَت مدينة القدس المحتلة، والمسجد الأقصى المبارك، في الأيامِ الأخيرةِ، سلسلة من الأحداث المُتتالية، التي لم تكن وليدة لحظتها، بل جاءت بفعل التراكمات التي صنعتها سياسات الاحتلال، إزاء المدينة، وإزاء المسجد الأقصى، الذي يَشهد يوميًّا ومنذ عدة أعوام اقتحامات مُتكررة من قبل مجموعات المتطرفين من غلاة المستوطنين الصهاينة، تحت حماية جنود الاحتلال وشرطته، وقد باتت ساحات المسجد وباحاته الفسيحة ميدانًا يوميًّا لدخول مجموعات المستوطنين وجنود الاحتلال المدججين بالسلاح.
لقد أدّت تلك الممارسات اليومية، لوقوع عدة أحداث كان منها رد الفعل الفلسطيني على يد ثلاثة شبانٍ من بلدة (أم الفحم) في الداخل المحتل عام 1948، الذين استشهدوا برصاص جنود الاحتلال في ساحات الأقصى المبارك، وقد قتل أيضًا اثنان من جنود الاحتلالِ وتمت إصابة جنود آخرين، وقد دفعت تلك الحادثة حكومة نتنياهو لمنع صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وهي المرة الثانية التي يتم فيها منع الصلاة في المسجد منذ الاحتلال الكامل لمدينة القدس عام 1967.
وفي جوهر الأمور، وصميمها، انتقلت حكومة نتنياهو في مسار مشاريعها اليومية لتحقيق التهويد الكامل لمدينة القدس ومحيطها، إلى تنفيذ خطوة عملية جديدة، حيث تم مؤخرًا، طَرح مشروع تعديل قانون "منع التخلي عن القدس المحتلة" من قبل كتل اليمين في الكنيست "الإسرائيلي"، وبتأييد ملحوظ من كتلة حزب الليكود بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. والمشروع إياه يعني في مضمونه وجوهره إصرارًا "إسرائيليًّا" على إفشال كُل فرص التسوية المطروحة، أو التي قد تُطرح بصيغة أفكار جديدة، وحسم قضايا المفاوضات النهائية على الأرض ومن طرف واحد.
ووفقًا للمصادر الحكومية "الإسرائيلية" بدأت اللجنة الوزارية "الإسرائيلية" لشؤون التشريع بالعمل على تعديل قانون "منع التخلي عن القدس"، ويشترط موافقة ثلثي أعضاء "الكنيست الإسرائيلي" على أي صيغة يتم الاتفاق عليها في أي مفاوضات نهائية قادمة بخصوص وضع القدس المحتلة.
مشروع القانون إياه، الذي تقدم به الوزير المتطرف من اليمين العلماني الصهيوني (نفتالي بينيت) وزير التعليم في حكومة نتنياهو وزعيم حزب "البيت اليهودي"، يأتي في سياق العمل من أجل تكريس السيادة "الإسرائيلية" الاستعمارية على كامل القدس المحتلةِ ومحيطها، وفي تحدٍّ صارخ للشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وفي إطار محاولات المستوى السياسي في "إسرائيل" لـ "مطمطة الوقت وتضييعه"، وإفشال أيِ جهود قد تؤدي لإقلاع قاطرة التسوية الغارقة في الأوحال منذ سنواتٍ طويلة، ووأد ما يسمى بمشروع "حل الدولتين" الذي تُعارضه عمليًّا قوى اليمين واليمين المتطرف في "إسرائيل".
وزير التعليم (نفتالي بينيت) قدم اقتراحًا جديدًا مُعدّلًا بشأن تعديل "قانون أساس القدس"، الذي يَهدِفُ أساسًا إلى وضع عراقيل لتقسيمها مستقبلًا. وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن الاقتراح الذي يعمل عليه (نفتالي بينيت) معًا مع الوزير (زئيف إلكين)، وفي أعقاب معارضة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يتيح إمكانية المناورة أكثر، إذا طلبت الحكومة من الكنيست المصادقة على اتفاق سياسي يشتمل على تقسيم القدس. ففي إطار التفاهمات الجديدة بين الوزير (نفتالي بينيت) والوزير (زئيف إلكين) تقرر أنه يكفي مصادقة (61) عضوا من أعضاء الكنيست على إلغاء هذا البند، الذي أُطلِقَ عليه مُسمى "بند تحصين القدس".
ويُذكر أن مقترح مشروع قانون "القدس الموحدة"، وإجراء الاستفتاء يعتمد بالأساس على المقترح الذي قدمه عضو الكنيست اليميني المتطرف (جدعون ساعر) عام 2007، وحظي بتوقيع العديد من أعضاء حزب الليكود في حينها، بمن فيهم نتنياهو الذي كان رئيسًا لكتلة المعارضة. ويشترط مقترح القانون الأول الذي قدمه حزب "البيت اليهودي" موافقة (80) عضو كنيست على أي قرار للانسحاب من الشطر الشرقي للقدس المحتلة. ويهدف مشروع القانون إلى عرقلة أي عملية سياسية قد تفضي إلى حل الدولتين، وبموجبها تكون القدس مقسمة بين "إسرائيل" والفلسطينيين. واعتبر الوزير (نفتالي بينيت) أن مشروع القانون سيمنع أي تقسيم للقدس، وكذلك سيمنع حتى تقسيمها بعد طرح استفتاء عام على تسوية سياسية تقتضي تقسيم القدس.
إن التسابق بين قوى وأحزاب الائتلاف اليميني الحاكم في "إسرائيل" على توسيع دائرة جمهورها ونفوذها بين المستوطنين والمتطرفين يتم الآن بطرحِ الشعارات الكبيرة التي تستقطب الشارع "الإسرائيلي" المُنحاز بغالبيته لصالح قوى اليمين واليمين المتطرف، والمندلق في شهيته التوسعية، وذلك على حساب قضايا الشعب الفلسطيني وأرض وطنه ومقدساته وحقوقه.
وفي السياق ذاته، من الجُهد "الإسرائيلي" المتواصل بشأن تحقيق التغيير الديمغرافي بمدينة القدس ومحيطها، وافق نتنياهو وحكومته على استئناف اقتحامات الوزراء وأعضاء الكنيست للمسجد الأقصى، بعد حظر دام لمدة عامِ ونصف العام، وبموجب القرار، سيسمح لأعضاء الكنيست اليهود اقتحام المسجد الأقصى، ما يعني السماح لعضو الكنيست المتطرف عن حزب الليكود (يهودا غليك) بمعاودة اقتحام المسجد الأقصى المبارك كما اعتاد في الفترات الماضية وتجييش جمهور المستوطنين والمتطرفين اليهود، وقد رد النواب العرب في الكنيست عن الحركة الإسلامية، من القائمة العربية الموحدة: مسعود غنايم، عبدالحكيم حاج يحيى وطلب أبو عرار، على ما صدر عن حكومة نتنياهو بسماحها لأعضاء الكنيست من دخول المسجد الأقصى، وقد جاء في ردهم "نحن كمسلمين وعرب لسنا بحاجة لموافقة من قبل الحكومة الإسرائيلية أو من رئيس الوزراء الإسرائيلي، للدخول لأقدس مقدساتنا في البلاد، ومن حقنا دخوله للصلاة فيه في أي وقت، ولا حق لليهود فيه ولو بمثقال ذرة، والمسجد الأقصى منطقة محتلة وعلى إسرائيل الانسحاب منها فورًا".
إننا نتساءل: ماذا يحتاج المجتمع الدولي أكثر من هذا الانتهاك لإرادة السلام الدولية وللقانون الدولي وللشرعية الدولية حتى يتحرك من أجل نصرةِ الحق والعدالةِ في فلسطين ..؟ وما هي الأثمان الإضافية التي ينتظر المجتمع الدولي من الشعب الفلسطيني دفعها جراء الاحتلال وتواصل الاستيطان حتى يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني المتواصلة منذ ما قبل نكبته الكبرى وحتى الآن..؟ وأين العالم العربي والعالم الإسلامي ككل من ما يجري..؟