محمد الرحبي: في فيلم بداية ونهاية شعرت أنني أعرف الشخصيات كأنني التقيتها في الحياة
عمر محروس: أنا المعتق في تابوت أسئلتي، لا شيء يشبهني، لاشيء يرضيني
بدر الجهوري: لطالما آمنت أن العظمة قدري إلا أني أرى سعادتي تكمن في سعادة من هم قريبون لقلبي
جوهرة الشريانية: هناك شخصيات كثيرة أشعر أنها تمثل واقعًا أعرفه
إدريس النبهاني: شخصيات العمل الأدبي هي أرواح تكاد تصرخ في دواخلنا قائلة أنا ذا
عبد العزيز العميري: الشعر الذي يلامس الآخرين هو أغنية البقاء، انه الناي الذي يبقى وكما
أحمد الجحفلي: عشت شخصية بروسلي يوما واشتريت كتب الكاراتيه وحاولت أن أتعلمها
إبراهيم السوطي: لا شيء يعجبني لا الراديو ولا صحف الصباح
استطلاع ـ خميس السلطي
دائما ما تسمح لنا أوقاتنا بأن نتابع نتاجا أدبيا معينا، مسرحية، فيلما، قصيدة، رواية، أو حتى قصة قصيرة، فعلى سبيل المثال ونحن نقرأ أي نتاج من هذه النتاجات الأدبية ونتابعها بشغف، تتمثل لدينا شخصية ما، وقد تكون هذه الشخصية هي "البطل" أو صاحب الدور الرئيسي في العمل الأدبي، وهذا ما يصادف أن تأتي كل تفاصيل هذه الشخصية أو بعضها لتمثلنا، بمعنى آخر، يحصل أن نجد ذاتنا الحقيقية في عمل أدبي ما، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، كيف يتوّلد لدينا هذا الحضور، متى نستطيع أن نجد أنفسنا في مثل هذه النتاجات الأدبية، بلا شك الإجابة هنا مع مجموعة من الكتّاب والأدباء ..

شغف وتعاطف

بداية يطلعنا الكاتب والقاص المسرحي محمد بن سيف الرحبي بقوله في هذا الجانب: هناك حالات تماس وتقاطع مع بعض الشخصيات الروائية أو السينمائية لكنني لا أتذكر شخصية معينة أحسست أنها تكاد تمثلني أو أنها تشبهني. ككاتب أشعر باستمرار بشغف آخر. غير حالة التشابه أو الاندماج مع البطل داخل العمل الأدبي ، فشغف كتابة هذه الرواية وصناعة الإحداث التي تسير فيها وإليها. وبالطبع تعاطفت مع شخصيات كثيرة كأنها حقيقية.. في فيلم بداية ونهاية شعرت أنني اعرف الشخصيات كأنني التقيتها في الحياة لأنني قرأت رواية نجيب محفوظ قبل ذلك، حزنت كثيرا لمصير كل منها.
ويشير الرحبي بقوله: كذلك رواية اللص والكلاب، وحكاية رجل شجاع لحنا مينه وشرق المتوسط لمنيف وبطل ثلاثية الراوي الليبي احمد إبراهيم الفقيه وغيرهم من أبطال الروايات الذين يشبهونني بطريقة ما، نحب القصص والروايات لأن في شخوصها ما يقربنا إليها.. شيء منا أو في أشخاص نعرفهم أو شخصيات نتعاطف معها وأخرى تشبه أحلامنا.. ما تحقق وما عجزنا عنه.

البحث عن الذات

في الإطار نفسه يحدثنا الشاعر عمر عبد الله محروس : في مرحلة مبكرة من الدراسة كنت أنا البطل في كل قصة أقرأها أو فيلم أو مسلسل أشاهده أو حتى كتاب أقرأه، نعم كنت أرى نفسي المؤلف في كل كتاب تمر عليه قراءتي، وأنا البطل في الفيلم الهندي ، والعاشق في المسلسل المصري، والفارس في المسلم البدوي، كانت تلك المرحلة هي مرحلة البحث عن الذات ، وفي مرحلة تالية كانت هناك تأثيرات دعوية وفكرية محددة وجهت القراءة والفكر باتجاه معين..فلم أعد أرى نفسي في كل كاتب أو بطل، بل أصبحت أبحث عن الكاتب أو البطل الذي يمثل في هذا التوجه الجديد، واستمر الوضع على هذا المنوال إلى ما بعد التخرج بقليل، والانخراط في العمل، وهو ما ساعد على الخروج من تأثير الفكر الواحد. ويؤكد محروس بقوله: هنا في هذا الوقت كانت هناك مرحلة جديدة وهي القراءة الباحثة عن الذات الواعية والموجهة للقراءة لا العكس.. في هذه المراحل كلها كانت هناك ذات حاضرة بقوة هي البطل في كل تلك المراحل هي الذات الشاعرة الجامحة المتمردة، ولعل نصي (الهلامي) يستجلي هذه الذات وفي آخر بيت منه قلت : أنا المعتق في تابوت أسئلتي، لا شيء يشبهني، لاشيء يرضيني!!"

نظرتان مختلفتان

أما المترجم والكاتب بدر الجهوري فله رأي مفصّل في هذا الشأن فيقول: أن تحلم بأن تكون ذا شأن، بأنك خلقت للعظمة، ثم تقودك رياح الحياة إلى ما لم تكن تريد.. ولكن هل ما وصلت إليه هو فعلاً ما لا أريد؟ أم أنه حلمك الحقيقي الذي لم تكن تراه إلا بعد أن عشته؟ نظرتان مختلفتان وجدت نفسي فيهما، ومن منظورين متشابهين مختلفين استحضرت عملين فنيين يشتركان تقريباً في الثيمة ولكن بنهايتين مختلفتين قد نقول أن إحداهما سعيدة والأخرى حزينة.
ويدلي الجهوري ببعض من متابعاته في هذا الشأن: مسرحية "موت بائعٍ متجول" التي كتبها المسرحي الأميركي آرثر ميلر عام 1949 متعددة الثيمات، إلا أن ما استوقفني هي شخصية الأب (ويلي لومان) الذي يحلم أن "العظمة قدره" متشبثاً بذكرى أخيه الأكبر (بين) المتوفي الذي كسب ثروةً كبرى بعد تجارته في إفريقيا، والذي يزور (ويلي) في خيالاته مكرراً عبارته "عندما كنت في السابعة عشرة من عمري دخلت الغابة، وفي الحادية والعشرين خرجت منها.. وكنت غنياً حينها". لطالما أراد (ويلي) أن يصبح مثل أخيه (بين)، فعمل في التجارة وقرر أن يصبح بائعًا متجولاً على أمل أن يؤسس شركته الخاصة. لكنه يتزوج ويرزق بابنين، وتتوتر العلاقة بينه وبين أبنائه، فيبقى مجرد بائعٍ متجولٍ معدوم، فيبتعد عنه حلمه شيئاً فشيئاً، إلا أنه يبقى متعلقًا به في خيالاته مستحضراً ذكرى أخيه. ثم بعد أن يؤمن أنها مجرد خيالات، وأن سعادته الحقيقية تكمن في إسعاد أبنائه، فيقرر الانتحار ليحظى أبناؤه بمبلغ التأمين فيكون قد أسعدهم بموته أكثر مما أسعدهم بحياته.
ويضيف الجهوري : أيضا فيلم "إنها حياة رائعة" الذي أنتجه وأخرجه فرانك كوبرا عام 1946 يتحدث عن الشاب الوسيم الذكي (جورج بايلي)، الذي يحلم بمغادرة قريته الصغيرة ليكتشف العالم، إلا أنه في كل مرة يحاول ذلك يجد نفسه مضطرًا للبقاء، مضطراً لتقديم التضحية تلو الأخرى لإسعاد من حوله متناسياً تحقيق حلمه، من إدارته لبنك والده، إلى توفير مبلغ الدراسة لأخيه، إلى محاربة السيد (بوتر) الذي يريد شراء كل العقارات في مدينته وبالتالي استعباد كل السكان، يتقدم العمر بصاحبنا ولا يغادر مدينته قط، ثم بعد أن يقع في أزمة مالية يصرخ بأعلى صوته "ليتني ما ولدت!". عندها يهبط ملك من السماء ويقرر أن يحقق أمنيته ويريه المدينة لو لم يكن (جورج) فيها. ينظر جورج للمدينة فيراها كئيبة قد استحوذ عليها (بوتر) وقد مات أخوه، وزوجته أصبحت عجوزًا عانسة، وغيرها من الكآبات التي حدثت لأن (جورج) لم يكن هناك. عندها يدرك أنه كان فعلاً يعيش حلمه الحقيقي. ويشير بقوله في الإطار ذاته: أرى نفسي منتقلاً بين (ويلي) و(جورج)، لطالما آمنت أن العظمة قدري، إلا أني أرى سعادتي تكمن في سعادة من هم قريبون لقلبي فلا أكترث للتضحيات، آملاً أن يكون حلمي الحقيقي ها هنا بينهم، يبقى الخوف من النهاية المأساوية الكامنة في التضحية الكبرى لإسعاد الآخر ونكران الذات.

ثيمات مشتركة

أما الناقد مبارك الجابري فيحاول أن يقرّبنا منه من خلال بعض التفاصيل فيقول: يبدو لي أنني أنا من أوجد الشبه بيني وبين الشخصيات التي أقرأها؛ لأننا في النهاية مفتونون بقراءة ذواتنا، أو بقول الذات، ثمة في دواخلنا الكثير من المغيبات التي تشتهي الخروج، حين نجد في الشخصيات التي نقرأها طرفًا من الشبه بنا نرمي عليها كل محمولاتنا، ونملأ البياضات التي يتركها لنا النص بما نجده في دواخلنا.. ويضيف الجابري أيضا: ثمة أيضًا مشتركات كثيرة بين النّاس، وكثير من الكُتّاب يتقنون اللعب على هذه المشتركات، فيجمعون بذلك قدرًا أكبر من القراء لأعمالهم؛ لأن القارئ عامة حين يجد الشخصية قريبة منه يرتبط بها بشكل أكبر ويتتبع كل حيثيات نموّها عبر النص، فهناك الكثير من الشخصيات التي علقت في ذهني لأنها تشبه شيئًا فيّ، أذكر مثلاً أنه تجذبني شخصيات إبراهيم الكوني المحتضنة للصحراء، فيها نداء أبدي لطهر الصحراء، وأجد شيئًا من ذاتي في (يونس مارينا) أصابع لوليتا و(ياما) مملكة الفراشة لواسيني الأعرج، أجدها في الخليط الغريب لـ(خوسيه أركاديو) في مئة عام من العزلة لماركيز، أما بالنسبة إلى الشعر فإن الذوات المتكلّمة في شعر سماء عيسى وإسحاق الخنجري تجذبني إليها بشغف، أقرأ فيها ذاتي وهي تبوح بالداخل، كما قلت لك، ثمة انجذاب دومًا إلى ما نظن أنه يشبهنا.

مشاهد متعددة

الشاعر أحمد الجحفلي يشير في الإطار ذاته قائلا: أولا يجب ألا ننسى أن الأعمال الإبداعية عادة هي نتاج حياة واقعية تتماهى في كنف الروتين اليومي ومن الطبيعي أن تتشابه الأدوار وقد تصل لدرجة التطابق وتلامس الشخصيات في نسق الحياة. لكن حين تحب شخصية في عمل ما وتتعلق بها لدرجة أن تجد نفسك فيها وتشعر أنك هي في شكلها وطريقة تصرفها فذلك يبدوا لي الحلم الذي تريد أن تكون عليه وهو ما قد يحصل لأي قاري او متابع لأي قصة على افتراض أنه شخص عادي، وحكاية تلبس البطل أيقظت فيه شعور تجربة حياة أخرى في اللاوعي وانتشلته لتضعه في مكانة لم تسمح له الظروف أن يعيشها على الأقل حاليا وأتت فرصته ليجرب وما أدراك أنها قد ترسم خط حياته مستقبلا. لربما يعمل من أجل أن يصبح ذلك الشاب الشهم الغني في القصة الفلانية الذي يعطف على الفقراء , وقد يعيش دور العاشق الولهان أو الشاب الوسيم المحبوب من بنات الحي أو بنات الجامعة أو الجدع والأبضاي صاحب المواقف المشهود لها في تصديه للأعداء.
ويطلعنا على حكايات أخرى رائعة: في صغري تمنيت أن أكون البطل في أعمال كثيرة قرأتها في قصص وروايات أو شاهدتها في مسلسلات بدوية او أفلام هندية ويظل جميل بن معمر وقيس أبن الملوح هما من اردت أن أكون ربما تشكل الشاعر فيّ حينها والعاطفة والتأثر بقصص الحب والغرام والجمال كان سببا وقد أثرت القصص العذرية في حياتي فعلا تخيل أنني قرأت في الابتدائية الإعدادية مجنون ليلي عشرات المرات، فأحيانا قد أجدني المنقذ أو العبقري أو الثائر في روايات وأعمال أخرى أو حتى المحقق كونان، حتى إنني عشت شخصية بروسلي يوما واشتريت كتب الكاراتيه وحاولت أن أتعلمها. لكن ما شدني أكثر هو قصة تحكي عن بطل فقير عاش في قرية سكانها فلاحون فقراء وهناك تاجر يتحكم في مقدرات القرية والجميع يعمل عنده وكان يأخذ خيراتها من زراعة ومواش ويترك للسكان الفتات ليظهر هنا البطل الذي أحدث زلزلة في القرية وهز عرش التاجر بل وأسقطه لاحقا، والقصة تدور حول لص أصبح حديث القرية لا يعرفه أحد لكن يحبه الجميع فقد ذاقوا طعم اللحم على يدية يسرق مواشي التاجر التي نهبت صلا من الفقراء ثم يذبحها ويوزع لحومها على الفقراء، كان يصعد على الأسطح ويرمي أكياس اللحم ويوقظ النائمون وهنا انتشر خبره وعاش بسببه الفقراء في بحبوحة لكنه يتم القبض عليه أخيرا وتعرف شخصيته التي لم يشك فيها أحد يوما وهنا تثور القرية وتنقذه ويتخلصون فعلا من التاجر، هذه القصة أثرت فيني كثيرا في صغري وتمنيت ان أكون ذلك البطل الذي يجلب السعادة للآخرين.

دورة حياة

أما الشاعرة جوهرة الشريانية لها رأي قريب مما سبق في هذا الموضوع المتناول فتقول: أعتقد أن جميع النتاجات الأدبية تدور حول واقع الحياة بقوالب مختلفة ، وأحياناً يضاف إلى بعض منها شيء من الخيال!! ، هناك شخصيات كثيرة أشعر أنها تمثل واقعًا أعرفه سواء كان هذا الواقع له علاقتي بي أم بغيري.
مضيفة بحديثها: ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الشخصية هي شخصية رئيسية في النتاج اﻷدبي. حيث أن بعض اﻷدوار البسيطة قد تنقل أحياناً موقفا واحدا يشكل دورة حياة كاملة لدى الطرف الآخر، وعندما أصادف مثل هذه اﻷدوار وهي تجسد بعضاً من واقع ألمسه، يتولد لدي شعور غريب .. أشعر بالفرح أحياناً، وأحياناً بالحزن، منبثقا من المشهد الذي يلمس تفاصيل الذكرى التي يستند إليها.

أرواح داخلية

القاص والمسرحي إدريس النبهاني يشير في هذا القول: إن روح الأدب والفكر الإنساني هي كائن متصل بتفاصيل الحية الإنسانية بجميع جوانبها وما نقرأه من شخوص متمثلة في كثير من الأعمال الأدبية المختلفة أو ما نشاهده من شخصيات تمثل من خلال أعمال مسرحية أو درامية أو سينمائية هي بحد ذاتها تجسيد لفلسفات إنسانية بحته ولأرواح تكاد تصرخ في دواخلنا قائلة أنا ذا هو ما تقرأه أو تشاهدها وبالتالي فإن التعاطف مع هذه الشخصيات يكون حاضرا في ذواتنا ليصل بنا في كثير من الأحيان حد التصديق أن ما نقرأ أو نشاهد هو نحن ولا غيرنا حيث أن مثل هذه المشاعر والأحاسيس تكون حاضرة بصدق يتمثل في الفرح الذي نعيشه في حياتنا وفي البكاء والغضب ومختلف المشاعر لدرجة أن يصل إيماننا به أن نتهم الكاتب أو المشتغل على العمل الأدبي أو الفني بسرقة تفاصيل واقعنا المعاش في أدق التفاصيل.

التمازج النفسي

أما الشاعر عبد العزيز العميري فيحاول هنا ألا يشخص بشكل دقيق عندما تحدث: يحدث أن يكتبك أحدهم كما لو كنت أنت من يتحدث بنفس التفاصيل الصغيرة؛ وحده الكاتب أو الشاعر المبدع القادر على أن يكون لسان الآخرين أن يكون في حالة التجلي هو أو هم؛ كم من المرات تمر بنا قصيدة مثلا فنردد مع ذواتنا لو لم يكتبها فلان لكتبتها، وكم من المرات نتمنى لو كنا نحن من كتب رواية معينة أو قصيدة ما؛ هذا التمازج النفسي ﻻيكون اﻻ عندما نجد أنفسنا في نصوص اﻻخرين؛ فالشعر الذي يلامس الاخرين هو أغنية البقاء، انه الناي الذي يبقى وكما يقول نزار قباني "الشعر هو حركة توحيدية، لا حركة انفصالية وأنه همزة وَصْل، لا همزَةُ قطع. ويضيف في مجمل حديثه: أنه فنّ الاختلاط بالآخرين، لا فنّ العزلة" وكذا هو العمل اﻻدبي ايا كان شكله، الشاعر أو الكاتب الناجح هو من يكتب الآخرين وكلما زاد عدد اولئك الذين يجدون ذواتهم في اي عمل أدبي دل ذلك على قيمة كاتبه وقيمة هذا المنجز اﻻدبي.

تقمص للشخصيات

الشاعر إبراهيم السوطي له رأي أيضا في هذا الجانب فيفيد بقوله: كثيرا ما أحاول أن أتقمص الشخصيات بهدف الاندماج والعيش في العمل الذي أتناوله ومحاولة إيجاد حل أفضل. ولعل أكثر المواقف دقةً في هذا الموضوع ذلك الذي حدث لي قبل بضع سنوات حيث كنت موظفا في القطاع الخاص وقد وصلت صباح يوم السبت وأنا حاقد على كل شيء حتى على مكان عملي، فانطلقت إلى المسئول وأخبرته أنني بحاجة ماسة إلى الإجازة ولم يوافقني إلا بعد إلحاح شديد، وبعد أن خرجتُ ما كان لي إلا أن أجد في أقرب وقت ممكن سيارة تقلّني من مسقط إلى منطقة المزارع مباشرة حيث أقطن ولم أستطع إلا أن أركب سيارة أجرة ولم أتردد في الركوب فهو أخبرني أنه لن ينتظر حتى يجد زبائن ويكفيه واحد ليرافقه.
كان يعلم أنني أحب الشعر وأتلذذ به لذلك سارَعَ في إخباري أنه لديه مقطع صوتي لقصائد جميلة للشاعر محمود درويش وقد أخبرته أنه لا بأس بسماعه، وكان بداية المقطع (لا شيء يعجبني).
كنت أستمع
يقول مسافر في الباص
لا شيء يعجبني
لا الراديو ولا صحف الصباح
ولا القلاع على التلال
أريد أن أبكي

ويشير الشاعر السوطي أيضا: كنت أستمع وأنا أشعر لا إراديا أن لي ذات المعاناة التي تسردها القصيدة وأنا أتذكر كيف ومنذ الصباح وبعد جهد طويل لم أجد شيئا ليعجبني ففي الطريق مع زميل لي إلى العمل وهو يستمع إلى أخبار الصباح عبر الإذاعة كالعادة ، أذكر تماما كيف لم يعجبني حتى المذياع والأخبار عبر المذياع ووصلت مكان عملي وأنا أراهم يقلبون الجرائد الصباحية والمجلات وأنا ما زلت لا شيء يعجبني. ويضيف السوطي حديثه: كنت أستمع وأنا أتقمص كل شخصية في القصيدة ملت وضجرت كل شيء حولها فلم يُعحبْها، وكان الطريق طويلا جدا لكي أستمع إلى القصيدة مرارا وقصيرا جدا لكي أجوب عوالمها وأعيشها وأنا لا أزال أطلب من السائق إعادة المقطع، غير أنني أذكر جيدا بعد أن نزلت كنت أسأل نفسي كثيرا هل أنا حقا أنا في القصيدة؟ فسائق التاكسي لم يكن عصبيا والسفر لم يكن متعبا.

مشاركة الذات
القاصة إشراق النهدية لها رأي مثيل أيضا فتقول: الكتابة أيا كانت هي نتاج تجارب ومحصلة للحياة التي نعيشها. ولعل الكاتب استوحى فكرة كتابته من الواقع وبالأخص من خلال مراقبة الآخرين ورصد الإحداث والوقائع الحادثة في الوسط الاجتماعي. فلا عجب أن نرى بعض المشابهة على صعيد الأحداث او الشخصية او حتى الفكر والشعور. وتؤكد بقولها: نجد التشابه الكبير بين بعض الشخصيات التي نقرأها او نشاهدها على التلفاز وبين ذواتنا الدفينة او مشاعرنا التي نخفيها. هذا الحضور يجعلني سعيدة خاصة عندما اكتشف ان احدهم يشاركني التفكير أو الرأي أو العقلية. ويبهرني مدى وقع حقيقتي على نفسي والقراء أو المشاهدين. كما اني أحاول ان أتفهم مدى تأثير الشخصية من خلال معرفه تفاعل القراء أو المشاهدين مع شخصيتي خاصة عندما يتسنح لي مراقبه نفسي كفرد منفصل عن ذاتي.