” إن علاقة الصداقة الحقيقية والواقعية والخالية من الشوائب تضفي على الحياة رونقاً جميلاً، ولكن ليست العبرة بكثرة الأصحاب وإنما بأكثرهم حباً ووفاء حتى وإن كان بعيداً. وقد كتب الأديب طه حسين يقول إن الأصدقاء ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا نستغني عنها، وطبقة كالدواء لانحتاج إليها إلا أحيانًا، وطبقة كالداء لا نحتاج إليها أبداً.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كثيرة هي العوامل والتسميات التي تربط أو تفرق بين البشر وتحمل عناوين عديدة، ولكن تبقى الصداقة هي الأقوى بين العلائق الاجتماعية، ربّما يعود ذلك الى المسببات الإنسانية المثمرة لذلك لابد أن يكون من أركانها الصدق. بحيث إن من أركان الصداقة "الصدق والتصديق" لأنها ومن دون شك تشمل معاني البوح والشعور بالثقة والمساندة والمشاركة والتعاطف والتراحم والشعور بالارتياح والمودَّة طالما مبنية على أرضية صحيحة وخالية من العلاقات العابرة أو المصالح الضيقة.
يختلف مفهوم الصداقة باختلاف المجتمعات، فلكل مجتمع تعريف خاص به وبلا ريب أن آلية اختيار الصديق سابقاً اختلفت عواملها وحقائقها عن الوقت الحاضر وأصبح هذا الاختيار يخضع لاعتبارات متباينة من مجتمع وثان ومن زمن وآخر. فمثلاً في السابق كان الاختيار يتم على أساس الجيرة والمناطق المتجاورة، فكان الأصدقاء من الحي الواحد وتتوارث أولادهم وأحفادهم هذه الصداقة والأخوة، أما في الوقت الحاضر وخاصة في عصر الإنترنت والتقدم والحضارة أصبح الاختيار يمتد إلى خارج الحدود الجغرافية، والعلاقة مع الجار تكاد تكون سطحية أو رسمية أحياناً في ما كثرت الزمالات والعلاقات وندرت الصداقات.
الجميع في هذه المرحلة يحتاج إلى الطاقة الإيجابية في حياته، حيث لا يمكن للحياة أن تستمر من دون تلك الطاقة وما تولده من مشاعر التفاؤل والتفكير الإيجابي وقوة الإرادة والعزيمة والاصرار لدى الفرد على تحقيق أهدافه وغاياته والتي تدفعه إلى الإنتاج والعطاء والسيطرة على المشاعر الداخلية بطريقة إيجابية، وأي طاقة في الحياة يستلزم شحنها باستمرار لأن الأجسام بحاجة الى التجديد باستمرار وشحن الطاقة الداخلية، فكل فرد في جوهره يتكون من الطاقة كما العالم والكون، وأن إحدى وسائل الحصول على الطاقة هي الصداقة الإيجابية ومن منظور علم النفس الصداقة تؤدي إلى وظيفتين أساسيتين هما خفض مشاعر الوحدة ودعم المشاعر الإيجابية. وليس بالضرورة أن يكون لدى الفرد أصدقاء كثيرون ليشعر بالشعبية والشهرة فالأسد يمشي وحيداً والخروف يمشي مع القطيع وطبعاً أن ثمة فارقاً في التشبيه.
إن علاقة الصداقة الحقيقية والواقعية والخالية من الشوائب تضفي على الحياة رونقاً جميلاً، ولكن ليست العبرة بكثرة الأصحاب وإنما بأكثرهم حباً ووفاء حتى وإن كان بعيداً. وقد كتب الأديب طه حسين يقول إن الأصدقاء ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا نستغني عنها، وطبقة كالدواء لا نحتاج إليها إلا أحيانًا، وطبقة كالداء لا نحتاج إليها أبداً.
إن من أهم شروط الصداقة التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل، وكذلك تشابه الميول والاتجاهات، وربما كان للأخلاق الحسنة مفعول السحر في الحفاظ على الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح الشخصية والتي تسمو عن السلوكيات الخاطئة.
على المرء أن يختار بعناية ودقة الأشخاص الذين يتعامل معهم حتى لا يؤثروا على طاقته الإيجابية، فالأصدقاء الذين يمتلكون طاقة سلبية يؤثرون على مستويات الطاقة الايجابية لديه، فعليه أن يختار من يتسم بالحيوية والإيجابية ليتأثر إيجابياً معه ، فهذا النوع من الأصدقاء لهم تأثير على الآخرين للأفضل وبشكل إيجابي.حيث إن الفرد يتأثر كثيراً بالأشخاص المحيطون به، فهو عبارة عن ناقل للطاقة وبإمكانه إصدار طاقة إيجابية أو سلبية وكذلك يتأثر بالطاقة الإيجابية أو السلبية معاً.
ولكن السؤال ما الذي غير الناس وأربكهم وتركهم لا يهتمون بالصداقة ولا الصديق ؟ أهي المادة أم الانتهازية التي تفرضها أحياناً طبيعة الحياة اليومية في هذا الواقع الذي بات الناس نسبياً يفضلون المصالح والماديات على المحافظة والتمسك بالتقاليد الموروثة والمتعلقة بثروة العلائق الاجتماعية والصداقات الذهبية التي نفتقد لها ؟

سهيلة غلوم حسين
كاتبة كويتية
[email protected] انستقرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1