[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

بداية .. يشكل الالتزام بالمواعيد الكبرى أمرًا حاسمًا في معايرة دور الاستحقاق الوطني، ويستمد استثنائية لا يمكن تجاهلها بحكم الظروف التي كانت الإرادة الوطنية الجامعة هي العامل المفصلي في حسم اتجاهاتها، وأدوارها والطرق الموصلة إليها، لتعطينا هذه الإرادة حجم ومدى القوة بامتداد الجغرافيا المتسعة، ثم العقل الذي يقف وراء الإرادة ودوره الأهم في توجيه القوة.
هكذا كانت بداية الثالث والعشرين من يوليو عام 1970، اليوم الذي تفجرت فيه فيوض الإرادة والقوة أمام العقل الذي نجح في توجيهها وتوظيفها في بناء الدولة العمانية العصرية الحديثة، ما شكل تكاملًا وطنيًّا أوجد مداميك النجاح في مختلف المجالات. فقد كانت اللحظات الأولى التي سال أثناءها مداد الكلمات الوطنية، وصدحت بها حنجرة القيادة الحكيمة هي اللحظات التاريخية التي لا تزال خالدة في الفكر والتاريخ والوجدان، وهي الوعاء الذي تشكلت في محاضن صدقه ووفائه الإرادة والعقل لينتجا معادلة وطنية واحدة هي "إرادة العقل وعقل الإرادة" التي استطاعت أن تقود سفينة الوطن بكل حكمة واقتدار، وأن ترسو على شواطئ الأمن والاستقرار، وأن تبهر الآخرين بثباتها وعنفوانها رغم الأمواج العاتية التي قذفت بسفن وتتربص بأخر، وأن تبهر قيادتها العالم أجمع، فيرى هذا العالم فيها محل الحكمة والصدق والحق والخير والعدل، وخير الشريك والشقيق والصديق.
ومع كل يوم من عمر هذه المسيرة المظفرة التي قطعتها سفينة الوطن يتسابق الجميع كخلايا نحل يتوزعون على امتداد رقعته الشاسعة لرفع مزيد من لبنات هذا الوطن، وللدفاع عن حياضه ومكتسباته، فأنَّى يلتفت المرء يجد من فسيفساء هذه النهضة المباركة فسحةً من ضوء وبقعة من عطاء .. في رصد صادق وأمين لواقع هذه النهضة يشير وبوضوح إلى عظمة ما قدمته من عطاءات وإنجازات ومكتسبات ستبقى شاهدة على العصر.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر وتطويرًا لفكر النهضة المباركة في مجال الممارسة الديمقراطية كان قرار التحوُّل إلى الشراكة الفعلية والحقيقية والمشاركة الجمعية أعطى الحراك التنموي ديناميكيته، ووضع قطار التنمية الشاملة والمستدامة على سكته، في ترجمة واقعية غير متكلفة ولا متزلفة للفكر الحكيم والرؤية السليمة والسديدة والواضحة للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث تحلق هذه الشراكة بكل فخر عبر أجنحتها المؤسسية والراسخة والمتمثلة في مجلس عُمان بجناحيه الدولة والشورى، وعبر القطاعين العام والخاص، فتلاقت الأفكار قويها وضعيفها، وانصهرت في قرار واحد، لكنه قرار لا ولن يخدم طرفًا دون آخر، ولن يحقق مصلحة فريق دون آخر، وإنما هو قرار مُوجَّه ومُسيَّر نحو مصب واحد ألا وهو مصلحة الوطن التي بها تتحقق مصالح الجميع دون استثناء.
لسنا في وارد تعداد ما تحقق وما أنجزته النهضة المباركة، فهذه السطور المتواضعة لا يمكنها سرد منجزات ومكتسبات تبدو لناظرها أن عمرها يتجاوز سبعة وأربعين عامًا، ولكننا بصدد التأكيد على مكانة هذا الوطن العزيز وأهمية الحفاظ على أمن سفينته واستقرارها، وبقائها شامخة تسر الناظرين، وهنا لا بد من إعادة رسم الصورة الوطنية في بدايات النهضة المباركة أمام الأجيال الحديثة وعرض مشاهدها التي أرَّخت لحظات التلاقي والتلاحم والعزم والإرادة مدفوعة بالحب والتضحيات لإعادة أمجاد عمان وإظهار وجهها الحضاري الجميل، وهندسة بنائها ليجمع بين الماضي والحاضر. وإذا كانت هذه الصورة الوطنية الرائعة قد حجزت موقعها في ذاكرة العمانيين الفردية والجمعية،وفي صفحات الحدث البشري على امتداد وجودها، فإن من الأهمية بمكان أن تحجز موقعها في ذاكرة هذه الأجيال، أجيال عصر التقنيات الحديثة والتواصل الاجتماعي، والغزو الثقافي والاستعماري، وغزو الإشاعات، وما يصطلح عليه بحروب الجيل الرابع، من بث الإشاعات والفتن والأكاذيب والفبركات؛ لاستهداف المكونات الاجتماعية لزعزعة الثقة بينها، وإشاعة أجواء الخيانة وغيرها ليكون بداية عملية التمزيق ضمن مخطط استهداف الأوطان المستقرة. ويجب أن تأخذ أهمية التذكير والتنوير والتبصير بمكانة الوطن وسلامته واستقراره والحفاظ على مكتسباته ومنجزاته مكانتها،حين تشاهد هذه الأجيالأوطانًا شقيقة وصديقة وقد سقطت وأسقطتها أيدي أجيالها، أجيال التقنيات الحديثة والتواصل الاجتماعي، وذلك حين جرفتها الهجمات المتوالية من الإشاعات والفتن والتخوين، وخدعتها الأفكار والشعارات البراقة، فإذا بهذه الأجيال تجد ذاتها في مخيمات الشتات واللجوء، وتجد ذاتها تبحث عن أوطانها التي ضيعتها وأسقطتها، وتجد نفسها مدانة بجرائم الإرهاب، بعدما نجح المستعمر في خداعها وتظهيرها للعالم بأنها أجيال "حرية وثورة"، وأنها المؤهلة ولا غيرها لإقامة واحات الديمقراطية في بلادها، على غرار الواحات الديمقراطية الغربية، ونسيت هذه الأجيال أن الديمقراطية من بين مفرداتها الحرية والاستقلال والسيادة، وبالتالي تعني زوال المستعمِر وصده، ومنعه من التدخل في الشأن الداخلي، وهذا ما لن يسمح به المستعمِر. فوطننا هذا نعمة يجب شكرها، وشكر النعم يبدأ من الحفاظ عليها، فهو أمانة في أعناق هذه الأجيال والأجيال القادمة، والعبر من حولنا كثيرة. ‏

[email protected]