[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”مصر في عهدك لم تكن مدانة للخارج بدولار واحد سوى من بعض المبالغ المستحقة كثمن أسلحة سوفياتية سلحت بها مصر, بعد أن قمت بكسر احتكار الغرب وإسرائيل للسلاح. انفتحت مصر على الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية فوردت كل هذه الأطراف الأسلحة لمصر, ليس ذلك فحسب بل قامت الدولة الاشتراكية الأولى في العالم بتمويل بناء السد العالي, بعد أن امتنع الغرب بكل دوله, وكذلك البنك الدولي عن تمويل بنائه.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الذكرى 65 لقيام الثورة في 23 تموز/يوليو 1952 ما أحوجنا إليك في ليالي أمتنا المظلمة! نفتقدك أيها البدر, الذي أعاد للأمة العربية كبرياءها وكرامتها بعد حقبات طويلة من الاستعمار القديم والحديث. لم تكن رئيسًا لمصر فقط وإنما زعيمًا للأمة العربية, اتسع قلبك لأحلامها من المحيط إلى الخليج. استنفرت فيها طاقاتها المخبأة والكامنة وناضلت من أجل امتلاكها لثرواتها وزمام أمرها. كنت أيضا عالميا فاتسعت أحلامك لكل المناضلين والمقهورين في آسيا وإفريقيا وأميركا الللاتينية. في زمنك كانت القاهرة محجا لكل المناضلين من ارنستوتشي جيفارا إلى أحفاد باتريس لومومبا وأحمد بن بلة وكل قادة الثورة الجزائرية. سطع نجمك في الدول النامية فأسست مع نهرو وتيتو وبندرنايكة كتلة عدم الانحياز, التي ابتدأ تنظيمها في مؤتمر باندونغ عام 1955 واستمرت حتى اللحظة. احتضنت القضية الفلسطينية مبكرا وأنت الذي حاربت الصهاينة في الفالوجة, ونتيجة للخيانات بدأت التفكير في الثورة وفجرتها ورفاقك في 23 يوليو 1952.لا نقول مثلما يؤمن البعض"بأن القائد يولد قائدا بالسليقة" ولكن قيادتك تعمدت بالتجربة وما امتلكته من "كاريزما", بنضالاتك على الصعيد المصري والآخر العربي والكفاح التحرري حيثما كان، وعلى الصعيد العالمي.
مبكرا تآمروا عليك في مصر وحاولوا اغتيالك فيما يعرف بحادثة المنصة (وهي غير حادثة قتل السادات) لكنهم فشلوا واستمررت في خطابك. جمعوا جيوشهم بعد أن قمت بتأميم قناة السويس لتصبح مصرية خالصة. حشدوا قواتهم في العدوان الثلاثي: البريطاني - الفرنسي- الصهيوني, وأشعلوا حرب السويس على مصر في عام 1956. لم تهتز شعرة في رأسك, وقفت مع الشعب المصري والأمة العربية وكل الشرفاء على صعيد العالم ,وخاطبت هؤلاء كلهم من على منبر الأزهر, وانهزمت إسرائيل وحلفاؤها في محور العدوان. آمنت بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج وكانت الوحدة بين مصر وسوريا في عام 1958.لكن المتآمرين واصلوا خططهم السوداء, وكان الانفصال في عام 1961. مصر في عهدك لم تكن مدانة للخارج بدولار واحد سوى من بعض المبالغ المستحقة كثمن أسلحة سوفياتية سلحت بها مصر, بعد أن قمت بكسر احتكار الغرب وإسرائيل للسلاح. انفتحت مصر على الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية فوردت كل هذه الأطراف الأسلحة لمصر, ليس ذلك فحسب بل قامت الدولة الاشتراكية الأولى في العالم بتمويل بناء السد العالي, بعد أن امتنع الغرب بكل دوله, وكذلك البنك الدولي عن تمويل بنائه. أقمت قاعدة تصنيعية كبيرة, وصادرت الأراضي من الاقطاعيين ووزعتها على الفقراء, فأصبحوا أحرارا بعد معاناة طويلة من العبودية. الطبابة والتعليم من رياض الأطفال حتى الجامعة, كلها كانت بالمجان في عهدك، هذا بالإضافة إلى دعم الدولة للسلع الرئيسية. تزداد حاجتنا إليك أيها الخالد على ضوء العدوان الصهيوني الحالي على القدس والأقصى.
قبل بوم واحد من ذكرى ثورة يوليو (منذ عام 1987) وفي 22 يوليو/تموز منذ نفس العام, أطلقتْ رصاصات حاقدة على رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي في لندن, الذي ارتبط اسمه بشخصية "حنظلة". هُجر ناجي مع عائلته من قرية الشجرة في فلسطين المحتلة عام 1948 , ونشأ في مخيم عين الحلوة في لبنان. بدأ رحلته مع الرسم داخل زنزانة المعتقل الصهيوني, فملأ جدار غرفة السجن بالرسوم,ثم نقل تجربته إلى جدران المخيم, فشاهدها في إحدى المرات غسان كنفاني خلال زيارة للمخيم, ونشر أحدها في العدد 88 من مجلة "الحرية" في 25 سبتمبر/أيلول 1961 , لتبدأ رحلة ناجي ورفيق دربه "حنظلة" على صفحات الجرائد. تميزت رسوم ناجي بالجرأة والصراحة, وملامسة هموم الناس وتوجهات الشارع العربي, واخترقت جدران الخوف التي أحاطت معظم الأنظمة العربية بها شعوبَها, فرسم ساخرا جميع الأنظمة, بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية, وكان يدرك خطورة ذلك. انتقد الاحتلال والقمع والاستبداد, وكانت رسومه المشهورة وراء اغتياله. نشأ ناجي فقيرا معدما, وهو بطبعه إنسانا بسيطا, دمث الأخلاق والمسلكية, تنقل في الصحافة بين لبنان والكويت ولندن, يرسم ساخرا من قائد أو زعيم , ومتندرا على واقع مؤلم, أو مشرحا لسياسات العدو الصهيوني.. شهيدنا البطل.. كم نفتقدك؟.
بالنسبة لفن القيادة, فهي تكليف لا تشريف. القيادة التي لا تحسن فهم نبض شعبها, يجدر بها أن تستقيل من مهاما, وتسلم مسؤولياتها إلى قيادة أخرى, متوائمة مع ما يريده شعبها. في مرحلة التحرر الوطني, فإن إنجاز الجبهة الوطنية العريضة يصبح مسألة ملحة, على قاعدة احترام الآخر ليقول رأيه كما يريد, ولا تجوزمحاولة منعه من قول هذا الرأي! القيادة ليست استعراضا للعضلات, ومن المفترض أن لا تكون كيدية, قصيرة النظر في سماع الرأي الآخر. يتوجب على القيادة الابتعاد عن ضيق الأفق والانطلاق من الحسابات الرعناء! القيادة مسؤولية وطنية, وهذه تتوجب أن تكون خلفيتها, وإن ابتعدت عن هذا الفهم, فهي ستظل هزيلة, ولن تحسن الدفاع عن شعبها, ولن تكون قادرة على مجابهة الأعداء. نقول ذلك بشكل عام. القيادة يتوجب عليها احترام ما يصدر عنها.