[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”لقد اشتعلت معركة البادية في أوارها، منذ عدة أسابيع، وهي جبهة الحدود (العراقية ــ السورية ــ الأردنية) المشتركة. وقد دخلت فعليًّا، مرحلة حساسة جدًّا عند حساباتِ مُختلف الأطراف، مع محاولات السيطرة على ما هو أهم في هذه الجبهة، أي طريق (دمشق ــ بغداد)، أو ما يسميه الكثيرين طريق (دمشق ـ بغداد ـ طهران)، لأنها تتيح ربط الأراضي الإيرانية بالعراقية والسورية فعليًّا.”

باتت البادية السورية (بادية الشام)، وهي المنطقة الجغرافية الواقعة شرق سوريا على الحدود المُشتركة مع العراق، وصولًا إلى الجنوب الشرقي في منطقة الحدود مع الأردن، باتت تحظى بأهمية استثنائية راهنًا في مسار تحوّلات الوضع العسكري على الأرض السورية، حيث تُقدر مساحة تلك المنطقة بنحو 60 ألف كيلومتر مربع.
فقد كَثُرَ الحديثِ، مؤخرًا، عن معركة البادية السورية، التي يتوضح يومًا بعد يوم، أنها تُمثّل صراعًا دوليًّا وإقليميًّا لرسم مناطقِ نفوذ جديدة، ذات أبعاد جيوعسكرية واقتصادية، حيث تتدافع الأهمية الميدانية والاستراتيجية لما يجري في البادية السورية من معارك كر وفر، بين الجيش النظامي السوري وحلفائهِ من جهة والأطراف المقابلة له. وتنبع الأهمية من خلال التالي:
أولًا: أن منطقة البادية السورية واسعة المساحة تقريبًا، وتَضُم أراضي من المناطق الشرقية لمحافظات السويداء، وحمص، وريف دمشق، وصولًا إلى جنوب وشرق محافظة دير الزور، وهي مناطق غنية بوجود النفط والغاز. حيث يَقَع في تلك المنطقة ما يقارب من نحو (70%) من آبار الغاز وحتى النفط السائل المُستثمر في سوريا.
ثانيًا: أن تلك المساحات من المناطق السورية ِإياها، متواصلة ومتلاصقة بحدودها وعلى امتداد نحو (700) كيلومتر من الحدود مع العراق ــ عدا عن الحدود المُلاصقة لمحافظة الحسكة أقصى شمال شرق سوريا ــ، وتحديدًا مع بادية العراق، التي تتبع بغالبية مساحتها لمحافظة الأنبار، والتي تُعتبر موئلًا هامًّا لتنظيم "داعش". فتنظيم "داعش" انطلق من محافظة الأنبار العراقية في بداياته، واتخذ منها ومن تلامسها مع الحدود السورية مركزًا لإطلاق تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، وتمدد منها إلى محافظة نينوى العراقية وعاصمتها الموصل، والتي أعلن منها قيامه كتنظيم، وبالتالي في الدخول إلى سوريا بدءًا من منتصف العام 2014.
ثالثًا: إن تلك المناطق، كانت وما زالت من نقاط العبور الأساسية للمجموعات العسكرية المُختلفة، غير السورية، التي ازدلفت نحو الأراضي السورية، وتوحدت في عملها مع تنظيم "داعش" ومع جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام). كما هي ممر عبور للجزء الأكبر من الدعم اللوجستي بالعتاد والسلاح، والذي كانت وما زالت تتلقاه من مصادر مختلفة.
رابعًا: تمتاز تلك المناطق في البادية السورية، بقلةِ عدد السكان في الكثافة الكيلومترية المُربعة الواحدة، وقلة عدد الحواضر من مُدن وقرى وتجمعات سكانية، حيث كانت في بدايات الأزمة السورية مجرّد مناطق شاسعة لا تمثل عبئًا أو ثقلًا استراتيجيًّا من الناحية العسكرية، لكنها باتت تُعتبر الآن مفصلًا هامًّا من المفاصل الشديدة الأهمية في مفاعيل وموازين القوة العسكرية على الأرض في تلك المناطق الحساسة التي تشهد تشابكات إقليمية ودولية هائلة.
خامسًا: إن قلة عدد السكان وعدم وجود تضاريس جبلية مُعقّده في تلك المناطق، يعطي سلاح الجو لأي طرف كان فعالية كبيرة في إصابة الأهداف، وفي تقرير مصير الزحف على الأرض لقوات المشاة، سواء الراجلة منها، والميكانيكية المحمولة على عربات مصفحة كعرباتِ (ب م ب) الروسية الصنع، والتي اشتهرت في ميدان الصراع العسكري في سوريا.
سادسًا: إن تلك المنطقة، تُشَكِّلُ مفتاحًا جغرافيًّا واقتصاديًّا للتواصل مع العراق ومع الأردن بذات الوقت، وحتى مع تركيا عبر جبهة شمال دير الزور، وانطلاقًا من نقاط التواصل هذه، انطلقت معادلات الضغط والمكاسرة العسكرية في تلك المنطقة.
لقد اشتعلت معركة البادية في أوارها، منذ عدة أسابيع، وهي جبهة الحدود (العراقية ــ السورية ــ الأردنية) المشتركة. وقد دخلت فعليًّا، مرحلة حساسة جدًّا عند حساباتِ مُختلف الأطراف، مع محاولات السيطرة على ما هو أهم في هذه الجبهة، أي طريق (دمشق ــ بغداد)، أو ما يسميه الكثيرون طريق (دمشق ـ بغداد ـ طهران)، لأنها تتيح ربط الأراضي الإيرانية بالعراقية والسورية فعليًّا، في حال تَمكّن الجيش السوري وحلفاؤه عليها من جهتي الأراضي العراقية والسورية. حيث يتوقع أن يكون الهدف الإضافي هو التوجه للوصول إلى محافظة دير الزور، وهو ما تم عمليًّا خلال الأيام الأخيرة كما تُشير المُعطيات المتوافرة على الأرض.
وعليه، نحن الآن أمام مفصل مُستجد وهام، من مفاصل الصراع على الأرض السورية، وعلى الرمال المتحركة للبادية السورية والبادية العراقية المُتصلة، ويتوقع أن ترتفع من حين لآخر، خلال تلك المعركة التي ما زالت مُستمرة، وتيرة استخدام السلاح الجوي، وأسلحة الدبابات على أراضي تلك المساحات الشاسعة من البادية، حيث يتواصل خروج وتسرب مجموعات من تنظيم "داعش" من محافظة الرقة باتجاه مناطق البادية الملاصقة لمحافظة دير الزور، ومع وجود مجموعتين عسكريتين أساسيتين في البادية بالقرب من الحدود الأردنية، هما مجموعة أسود الشرقية ومجموعة مغاوير الثورة، عدا عن وجود قوات أميركية في مناطق قريبة جدًّا، وقد تموضعت في موقع (التنف) الحدودي العراقي السوري والقريب جدًّا من الحدود الأردنية المشتركة مع سوريا والعراق.
في هذا السياق، لا بد أن نَلحَظ بأن مناطق التهدئة في الجنوب السوري، والمُتصلة مع مناطق البادية عند حدودها الجنوبية الشرقية، وتحديدًا إلى الشرق من محافظة السويداء، ستعكس حالها وواقعها على عموم مناطق البادية السورية مع سيادة التهدئة وتخفيض التوتر. ففي حال نجاح التهدئة بشكل عملي في تلك المنطقة من (الجنوب السوري) فإن صوت المدافع قد يَخِفُ قليلًا في مناطق البادية السورية المشار إليها والواقعة إلى الشرق من محافظة السويداء جنوب سوريا.
ومع هذا وذاك، إن اتصال الجيشين العراقي والسوري وتلاقيهم على مساحات حدودية واسعة في مناطق البادية المشتركة، يُقرّر بأن معركة البادية السورية باتت في مراحلها الأخيرة تقريبًا، وأن هدنة تخفيض التوتر يُمكن لها أن تنجح في مناطق ثانية في مراحل تالية، في عموم الجنوب السوري الهادئ نسبيًّا، وبعد أن تم التوقيع على تفاهمات تخفيض التوتر في غوطة دمشق الشرقية، وبما يفتح الطريق أمام الحلول السياسية المرجوة، باعتبارها الطريق الذي لا بد منه لخروج سوريا من أزمة طاحنة كادت أن تودي بالجميع.