(1)

أقفُ عَلى حافةِ المَشهدِ
أُسابقُ اللحظةَ
وأفراحَ الطفولةِ
والماءَ المنسكبَ منْ
على جَوانِبِ السَّاقيةِ
أنا والأرضُ كتابٌ مَفتوحٌ
عَلى طَرَفِ الذَاكرةِ
أنا والفجرُ طِفلان
عَلى غُصنِ الفَرحِ

(2)
أوعيةٌ تَركها المزارعونَ
غُرابٌ يَنقرُ إحدى الأوعيةِ
ويطيرُ
تَسقطُ حَباتٌ مِنَ الرُّطبِ
ألمحُ مُزارعاً وعلى كتفِهِ حَبلاً
وفرحُهُ يُسابِقُ قَلبَهُ
يَعاودُ الغُرابُ نَقرَ الوعاءَ
يَنقلبُ الوعاءَ
ويحلقُ الغُرابُ على غُصنِ الأملِ

(3)

فِي حَلقةٍ دائريةٍ
أطفالٌ يُغنونَ حَولَ شَجرةِ نَخيلٍ
يَتراكضونَ خَلفَ حَباتِ
الرَطبِ المتساقطِ
يَتضاحكونَ فَتُسبِقْهُم بَراءتُهمُ

(4)
عَذوقُ البَلحِ تَتدلى
من على أشجارِ النَّخيلِ
للريحِ بابٌ آخرٌ
بواسطةِ الحِبالُ
المزارعونَ يَسقطونَ عُذوقَ البلحِ
على البُسْطِ المفروشةِ أسفلَ النَّخلةِ
النسوةُ يملأنَ الأوعيةَ بالرطبِ
الغُرابُ يَجرُ الأوعيةَ فِي طابورٍ

(5)
في دَاخلِ البُيوتِ
عَددٌ مِن نِسوةِ الحَارةِ
دُخانٌ يَصعدُ مِن مَنافذِ المَطابخِ
نِسوةٌ تُروِّضُ جَسدَ الرِّيحِ
وأخرى تَفتحُ باباً لجسدِ السَّماءِ

(6)
عَلى عَتبةِ أبوابِ المَنازلِ
فَتياتٌ يَقفنَ عَلى نَواصي أقمارِهِنَّ
يَفتحنَ نَوافذَ قُلوبِهنَّ
يُقدمنَّ كَؤوساً مِنَ اللبنِ
لفتيانٍ يَحملونَ أوعيةً مِنَ البَلحِ
تَلفُ الفَتياتُ جِرارِ اللبنِ
عَلى صُدورهنَّ
يُرددنَ غِناءً
كَأمٍّ تَضمُ طِفلَها عَلى صَدرِها
كَأميراتٍ يَمتطينَ جِياداً تَحملُها الريحُ

(7)
مِنْ نَافذةِ مَنزلٍ ما
تُطلُ اِمرأةُ مُزارعاً
مُصاباً بالشَّللِ أثرَ سُقوطِهِ
مِنْ عَلى قِمةِ نَخلةٍ فِي الموسمِ الماضي
النَّساءُ يُزغردنَ وهُنَّ
يَنزِّلنَ الأوعيةَ
شَماريخُ البَلحِ تَتدلى
مِنْ عَلى رؤوسهنَّ
لامستْ أطرافُها أحلامَهُنَّ البَعيدةَ

(8)
فِي زاويةٍ مِنْ المَنزلِ
المرأةُ تَنظرُ إلى أدواتِ الحَصادِ
التي كَانَ زوجُها يَستخدمُها
عَناكبٌ نسجت خُيوطَها على الأدواتِ
تَحملُ المرأة ُالأدواتِ
لتمسحَ الغُبارَ عنها
تُحاولُ أنْ تُسجِّلَ فَرحاً
وتُخفي حُزناً دَفيناً
تُحاولُ أنْ تَزهوبأدواتِ زَوجِها
لكنها تَحملُ قَلبَها على كَفِّها
(9)
تَطلُ ثَانيةً مِنَ النَّافذةِ
تَقاطعٌ لِصوتِ الرِّيحِ
يَغلقُ النَّافذةَ
المرأةُ يلبسُها ثَوبُ اليأسِ

(10)
النِّساءُ يَشتلنَ الرَّطبَ الهامدَ
على البسطِ فِي فناءِ البيتِ
صافيةً كَانت السَّماءُ
صَوتُ نَعيقٍ للغِربانِ
مُعلناً اِنتهاءَ مَوسمِ الحَصادِ
غُرابٌ يُحلِّقُ بِشمروخِ ذَاكرتِه ِ

هاشم الشامسي