[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. كلما ازداد الإنسان علما وثقافة وأدبا وتعمق في مجالات المعرفة وتوسعت خبراته في الحياة سهل عليه التحكم في النفس وامتلك عوامل القدرة والمكنة على تقييم سلوكها وفهم طبيعتها والتنبؤ بوسوساتها واستشراف النتائج الطبيعية المترتبة على الاستسلام لمطالبها وسهل عليه توجيهها وقيادتها إلى شاطئ النجاة، مخطئ من يحتكم إلى النفس في جميع شئونه، في قراراته وسلوكياته وأعماله،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مخطئ من يلقي بنفسه في خضم بحر الحياة تتقاذفها تيارات الأهواء والأضواء والشهوات وأمتعة الدنيا الهزيلة من دون أن يتعهدها بالاصلاح والتقويم والتهذيب، فيقوم اعوجاجها ويصلح ما فسد من طباعها ويهذب أخلاقها بالتربية الصالحة وتغذيتها المتواصلة بالعلوم والمعرفة والمطالعة والنظر في قصص وتاريخ وأدب وسير الأمم والشخصيات المؤثرة بأعمالها وإنتاجها في شقيه الخير والشر من علماء وساسة ومفكرين وأدباء وأهل الصناعة الذين تسلط عليهم الأضواء ويحسدهم ضعاف النفوس .. دارسا ومستفيدا ومستمتعا وباحثا وكاشفا عن حياتهم في منعطفاتها ومساراتها، عوامل التأثير والتأثر، ومناهجهما العلمية والفكرية، ففيها من الدروس والعبر والتجارب ما تكفي لتقويم النفس واصلاحها وردعها وإعادتها كلما انحرفت إلى جادة الصواب، تحمل تلك السير والقصص وصفحات التاريخ صورا ومشاهد كثيفة للطبيعة الإنسانية في قوتها وضعفها، أسرار الفشل وأسباب النجاح المحكوم بالنتائج في نهاياتها لا في بداياتها وفوراتها القصيرة، وتأثيرات الشهوات والمال وتقلد المناصب ومحاولات الإنسان ثني النفس وصرفها ولجمها كلما استطاع إلى ذلك سبيلا باذلا جهده لتحقيق التوازن بين احتياجاتها الروحية ومتطلباتها المادية والترفيهية ... فكلما ازداد الإنسان علما وثقافة وأدبا وتعمق في مجالات المعرفة وتوسعت خبراته في الحياة سهل عليه التحكم في النفس وامتلك عوامل القدرة والمكنة على تقييم سلوكها وفهم طبيعتها والتنبؤ بوسوساتها واستشراف النتائج الطبيعية المترتبة على الاستسلام لمطالبها وسهل عليه توجيهها وقيادتها إلى شاطئ النجاة، مخطئ من يحتكم إلى النفس في جميع شئونه، في قراراته وسلوكياته وأعماله، وهي أي النفس تفتقر إلى مهارات السباحة في بحر الحياة المتلاطم الأمواج، إن لم تبلل جوانحها نفحات إيمانية، ولم تتغذ من لطائف الأدب الظليلة، ولم يتسن لها النزهة في بساتين الثقافة الواسعة وأزهارها الفواحة، ولم تتذوق العمل في بيئة القيم والمبادئ الكفيلة بتهذيبها وضبط سلوكها ولجم طموحاتها الواسعة وصونها من الزوابع ومن المتاهات والحافظة لتوازنها العام في النظر والتعامل مع الحياة، مخطئ من ينقاد إلى نفسه انقيادا تاما وهو يراها تسير به في دروب موحلة تكثر فيها الأشواك والأوساخ والحفر والشراك وهو مجرد من أسلحة المقاومة والوقاية التي يدفع بها شر النفس ويقيها من المخاطر، مخطئ من يستجيب لصوت النفس ويسير خلف دعواتها وهو غافل عن نواياها وعن أهدافها منشغل عن مراقبة سلوكها وفهم طبيعتها منصرف عن إدراك أسباب قوتها وضعفها وكأنه غير معني بآثار ونتائج جموحها وطموحاتها وجنوحها وكأنها لن تأتي عليه آثارها في نهاية المطاف وكأنها لن تفضي إلى هلاكه . تضعف النفس أمام اغراءات المال وتوهن العزيمة الإنسانية أمام نكهة المناصب وأمام جميع الأبواب والمداخل والصيغ المرتبطة بالمظاهر والوجاهات والشهوات الدنيوية التي قد تضع الإنسان في مواقع مميزة لبرهة من الزمن سرعان ما ينطفئ وهجها، ومن أجل تحقيق ذلك التميز الدنيوي السريع تنشب الصراعات وتدور المعارك ويتفانى الناس للحصول عليها بطرق وأساليب وممارسات لا تليق أحيانا بالإنسان ومكانته التي تبوأها على هذه الأرض بنعمة إلهية ولأهداف عليا تبتغي امتحان الإنسان واختباره، أهداف تتجاهلها النفس في غمرة ذلك الصراع وينسيها وهج المال وشهوات المنصب ما تتضمنه الأوامر والتعليمات الإلهية للإنسان من محددات ومضامين وتحذيرات تبتغي صلاحه وهدايته وتبصره بما يضره ويصلحه في الحياة، أكتب هذه الخواطر عن النفس والحياة وحال الإنسان بينهما وصراعه المزدوج وأنا أرى إخوانا لنا وأصدقاء وأحبة يبتعدون تدريجيا عن أنظارنا وعن حياتنا تاركين الغصة والألم في قلوبنا لأحوالهم التي تتغير ومثلهم الكبيرة التي تتراجع ومصالحهم التي تنتقل سريعا من العام إلى الخاص بل والخاص جدا وتختلف ممارساتهم وسلوكياتهم من السؤال عن الإخوان والأصدقاء الذين طالما أشركوهم في شئونهم وأمورهم والتعامل معهم بحب وتواضع والتجاوب مع همومهم ومشاعرهم بصدق والاحساس بآلام الآخرين والحرص على قضاء حوائجهم، حيث كانت القلوب مفتوحة والأبواب مشرعة والابتسامة صادقة لا تكلف فيها، والتعاملات تسير طبيعيا وفي بساطة تتسم باليسر وتلفها الطمأنينة، نعم نشعر بغصة وألم ونحن نراهم يضيعون منا في حمأة التكالب والصراعات والتنافس على المادة والمناصب وارتكاب الممارسات غير المسئولة لتحقيق المصالح الفردية وتجاهل العلاقات الصادقة مع الإخوان والأصدقاء متى ما تضاءلت المصلحة من ورائهم كل ذلك بسبب الثقافة الضحلة وضعف الوازع الديني وهشاشة التعليم والتربية وضعف الإنسان أمام المال والمنصب والشهوات الدنيوية الكثيرة، والبعض منهم وإن كانوا يملكون المال ويستندون إلى جذور تاريخية مشرفة ولا ينقصهم شيء من متاع الدنيا الفاني إلا أنهم مستمرون في إراقة ماء وجوههم والإساءة إلى تاريخ عريق بالإباء وإلحاق الضرر بالوطن والمجتمع والتنازل عن الكثير من القيم والمبادئ العظيمة والإعلاء من مصالحهم الخاصة على حساب المصالح العامة بممارسات وأعمال متعددة تأباها النفس الأبية، وذلك من أجل حفنة من المال تضاف إلى الأموال المتراكمة التي يدخرونها ومن أجل ترسيخ جذور البقاء لفترات أكبر في المنصب ومن أجل أن لا ينطفئ بريق الشهرة، والحياة لو أدرك هؤلاء أكثر اتساعا وعمقا من مجرد ريالات تأتي وتذهب ومنصب سرعان ما يفتقد والإنسان جاء إليها أي - الحياة - لأهداف عليا يأتي في مقدمتها ممارسة ومواصلة مناهج التدبر والتفكر والبحث والاستزادة من العلوم والمعارف والارتقاء بإنسانية الإنسان للوصول إلى الحقيقة وتعميق الإيمان بالخالق وتهذيب النفس والتحكم في الأهواء والشهوات ..

[email protected]