عمّان ـ العمانية:
تتضمن مجموعة "تنازلات" للكاتبة الأردنية سمر الزعبي، قصصاً تنهل من عوالم المرأة الجوانية وتكشف عن نظرتها تجاه نفسها ونظرة المجتمع لها، مؤشرةً على حالة الفقد التي تستولي على مشاعر المرأة وهي ترى نفسها وحيدةً في الساحة وفي الحياة معاً.
في المجموعة التي صدرت مؤخراً عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان، يشترك أبطال القصص في تقديمهم التنازلات على أكثر من صعيد، وإن كان الأمر لا يصل إلى استسلامهم كلياً، فبطلة قصّة "تنازلات"، كاتبةٌ وقّتَتْ قلَمَها بحسب متطلّبات واجباتها وأوقات فراغ عائلتها، بل إنها تقدّم المزيد من التنازلات بدافعٍ من العطاء، وبسبب عدم الثقة بالنّفس وبجودة ما تكتبه، فتخبّئ قصصها في درجٍ صغير، وتجد نفسها في مواجهةٍ قاسية كي تحافظ على شخوص قصصها، الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ولا هي قادرة على حمايتهم، وتكون النهاية بأن تلتهمهم النار بعد أن تحترق الأوراق التي دوّنت عليها البطلة ـ الكاتبة قصصها.
وتتميز تجربة الزعبي بالبحث الدائب عن شكل جديد لقصص وحكايات يلدها الواقع كل يوم، ويتيح لها الشكل الفني الذي تبتكره أن تضع خطوطاً بارزة حول صور شخصياتها، وأن تؤطر هذا الجانب أو ذاك من أحداث تحيط بتلك الشخصيات.
ففي نص "عدسة" تدمج الكاتبة بين السرد القصصي التقليدي وأسلوب المونتاج السينمائي، إذ تقدم المشهدَ المصوَّر بعدسة الكاميرا، ثم تُجري التعليقات والتعديلات عليه: "بما أن روايتها مجروحة، فلنتوقف قليلاً، كي نتأهّب لتسجيل المشاهد بـالفيديو، ثم نحكم على الشخوص بموضوعيّة. سأتسلم دفّة الكاميرا عنكم، ها أنا أسجّل: تظهر أم خالد الآن في الفيديو وهي تنزل من السـيارة راكضة نحو الدكان كالمجنونة، فقد سبقها أخوها ماجد إلى حيث زوجها.
(ستوب)...".
وهكذا يستمر بناء القصة حتى تكتمل الأحداث، وتتضح الصورة كاملة.
تلتقط الكاتبة موضوعات قصصها من الحياة، وتعنى بالوصف الدقيق لمشهدها القصصي، وتشكل ملامحَ شخصياتها من دون نَسْخٍ من الواقع، وتعيد رسمها بخطوط بارزة لتعطي انطباعاً قوياً عنها. وغالباً ما تكون شخصياتُها شخصياتٍ نعرفها، تعيش بيننا ومعنا، وتشاطرنا الأفكار والهموم نفسها. وتلجأ الكاتبة إلى الفانتازيا أحياناً لإخراج الشخصيّة من أزمتها، كما في قصة "عين ثالثة" التي تعاني البطلة فيها من الأرق بسبب هموم الحياة.