أنامل مقلقة تعبث بأحرف لغتنا العربيّة كلّ يوم؛ حين نشاهد ذلك في لافتات متعددة المجالات في الأسواق والأزقة والحارات وكذا في الشوارع والمجمعات التجارية، لقد باتت ظاهرة تلفت الانتباه لغلظة أخطائها وقسوة تدوينها، إلا أنني لا أرى عناء أو تكليفاً يقف حداً منيعاً ضدّ من يتجنى بتدوين لغة الضاد على غير طريقتها ومذهبها الصحيح، لذلك من هنا وجب دقّ ناقوس الخطر حين تصبح لغتنا ضحية أنامل لا تتقنها والسنة لا تنطقها، فتركنا لهم الحبل على غاربه يعبثون بحروفها ويميلون على هواهم في تدوينها لتصبح ضحيّة خطاطون أغلبهم وافدون يعملون في هذا المجال الحيويّ. الأمر الذي أدّى إلى أنْ بتنا أضحوكة الزمان لما خلفت هذه العمالة من أخطاء لغوية بشعة تجدها في كثير من المواقع والأماكن الحيوية لتثير علينا السخرية فتؤدي إلى الاستهزاء، فلو ذكرنا لكم على سبيل المثال لا الحصر من ذلك حذف نقطة وزيادة أخرى وإبدال الذكر بالأنثى وتغيير المعنى الى معنى أخر مضاد له يؤدي الى فقدان معناه الصحيح.
على ضوء ذلك أقول: عديد المرات طرقت بابا كنت أحسب أنه سيلاقي ردة فعل معادلة ومساوية بقدر الظاهرة التي طرقتها منذ أعوام عديدة، يا لها من كارثة جسيمة حين ينزل البلاء على أدمغتنا فنتجاهل ذلك عن قصد أو سهو. طرقت باب الأخطاء اللغوية المستفحلة فيما يتعلق بالتجارة على وجه الخصوص، أخطاء لغوية تدون نهاراّ جهارا في لافتات المحال التجارية وكذلك في الفواتير والاوراق الرسمية التي يتداولونها فيما بينهم وبين المستهلكين، إنها تتفشى وتزيد فعليا وكأن المعنيين بالأمر لا يهمهم ولا يعنيهم تلك الجرائم التي ترتكب بحق اللغة فيحذفون الالف ويقلبون الياء باء ويمدون الخطوط على هواهم ويعبثون بحروفنا العربية ويجتزون منها ما يشاءون ويتصرفون هكذا دون حسيب أو رقيب، ومن أراد التأكد من ذلك فعليه بالأسواق يرفع رأسه قليلا الى اللافتات ليتثبت من قولي وليس الأمر تهويلا بل هي الحقيقة بأم عينها حين طرحت الفكرة ذاتها منذ أكثر من عامين في نفس العمود وفي نفس التوقيت ولكن التاريخ يعيد نفسه ولم يتغير ساكنا مطلقا حتى حينه ولم يجد النص آذانا صغواء من القائمين على ذلك.
إنّ ما أرمي ذكره في هذا الصدد تعنى به على وجه الخصوص وزارة التجارة والصناعة وكذا البلديات التي تختم الموافقات على اللافتات وغيرها على وجه العموم. حين يطلق الحبل على غاربه لهؤلاء التجار في تدوين لغتنا العربية على هواهم ومزاجهم وثقافتهم دون أن نحرك ساكنا فتلك المصيبة بعينها وليس ذلك فحسب بل نختم لهم رسميّا بأختام البلديات المعتمدة في الدولة دون أن نكلف أنفسنا عناء التثبت من صحة ما يدونون ويكتبون في لافتتهم وأوراقهم وفواتيرهم ومخاطباتهم ويفوتنا ذلك إنها لغرابة أن نسمح لهم في ممارسة تلك الأخطاء في لغتنا وكأن شيئا لم يكن..؟!!

من هنا ندرك أنّ المشهد اللغوي في البلاد على المستوى التجاري ضحل بسبب ما يرتكب في حقه من أخطاء جسيمه تفقده المعنى وتفقده الذائقة العربية بحروفها الجميلة وليس اعتباطا ولا عبثا أن تهتم دول العالم بلغاتها وثقافاتها وتدافع دفاعا مستميتا عن لغاتها في شتى المجالات والحقول لما تحمله اللغة من دلالات مهمة باعتبار ذلك جزء مهم من تفاعلاتها الثقافية وتجلياتها اللغوية فيما بينها، إنّ ما يحزن حقا في هذا المشهد أن نجد انتشار اللغة الاجنبية في كثير من لافتات المحال التجارية تحت غطاء العلامات التجارية فنلحظ تفشي كثير من المسميات ولن نضرب على ذلك أمثلة لأنكم لا تجهلون ذلك بل تحفظون مسمياتها وربما تقصدونها في كل حين وساعة.
الم يقدّم لنا مجمع اللغة العربية بدائل وترجمات لكثير من المفردات في جميع المجالات والحقول؟ ولماذا لا تدون هذه العلامات التجارية بمسميات النشاط التجاري ؟ ولماذا لا تعمّنون مهنة الخطاط وتقتصر على المواطنين أو العرب فقط ؟ وإلاّ عليكم فرض اختبارات لغوية على الراغبين العمل في مهنة الخطاط أو المصممين للافتات التجارية بهدف الحدّ من الأخطاء اللغوية الفادحة التي نتعرض لها.
نختم الحديث بضرورة بث روح الوعي والمعرفة بين أفراد المجتمع من قبيل الجهات المعنية مع إقرار بنود قانونية جديدة تفرض عقوبات رادعة وصارمة لمن يقبل على فتح نشاط تجاري ولا يتقيد بضوابط اللغة وأسسها وكذلك مراقبة جميع الافتات على جميع المستويات وتعديلها وإلا فلتفرض عليها غرامات مالية هكذا سندرك قيمة اللغة في جميع المستويات ونحسب الف حساب لاحترام قواعدها وتطبيقها على ارض الواقع بسلام وأمان، دون ضبابية او إشكال.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]