[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” .. النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة إلى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطا كاملا بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى, وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة أن تكون جماعات متشددة. ”

ـــــــــــــــــــــــ
التوجه السادس : حروب دينية وقومية على امتداد العالم :
لكل قرن من القرون حروبه وصراعاته الخاصة على اعتبار اختلاف الظروف والمتغيرات الجيو سياسية وأطماع القوى الدولية الموجهة لشكل وطبيعة ذلك الصراع في كل زمان ومكان عبر التاريخ البشري. إلا أن الظاهر أن نوعين من التوجهات والصراعات كان المرافق الدائم للبشرية, وهما الصراع الديني والصراع القومي, وقد ( عرف الانسان الحرب منذ وجد على هذه المعمورة وان حالة الحرب قديمة قدم الانسان نفسه, والإنسان بما لديه من مصالح وحب النفس, لذلك يحارب كل من ينافسه على ذلك , وفي بعض الأحيان لكي يحصل الانسان على تنفيذ ما يدور في خلده , يحتاج الى عدو , سواء كان هذا العدو وهميا او حقيقيا , ولكن في كل الاحوال يجب ان يكون واضح الملامح , فالتنافس والصراع يمكن فقط ان يحدث بين كيانات تكون في العالم نفسه او الحلبة ذاتها .... ومن ثم فإن احتمال السلام العام والدائم بين المجموعات الإثنية او الدول او الشعوب بعيدة المنال , وكما تبين التجربة الانسانية فنهاية حرب ساخنة او باردة هي خلق ظروف لحرب اخرى ) فإذا كانت ديمومة الحرب هي سمة عرفها التاريخ منذ تسجيله , فالسمة التي لا تقل ديمومة عنها , هي ارتباط الحرب بالسلطات الدينية والقومية , وفي جميع الحضارات تقريبا .
وعلى شاكلة سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أدى سقوطه الى احداث فراغ جيوسياسي على الخارطة العالمية بوجه عام والبيت السوفيتي القديم على وجه الخصوص مع بداية تسعينيات القرن العشرين , ما أدى بدوره إلى حدوث صراعات قومية وطائفية وعرقية امتدت على طول حدود جغرافيا النفوذ السوفيتية ولمدة دامت اكثر من عقد من الزمن. فإن الملاحظ اليوم على رقعة الشطرنج الدولية حدوث سيناريو مشابه , ولكن على مساحة شبه كونية تمتد بامتداد النفوذ الأميركي المتفرد والأحادي القطب والذي دام اكثر من عقدين من الزمن ،بداية بتسعينيات القرن الماضي وحتى نهاية العقد الأول من القرن 21 .
مع التأكيد على أن أقرب ما يمكن أن يوصف به النظام القائم اليوم على التشكل بالرغم من ذلك التراجع هو ذلك الوصف الذي أطلقه سيوم براون وهو أستاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز في كتابه وهم التحكم – القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين 2004م – بقوله : إن النظام العالمي الذي نعيشه اليوم هو أقرب إلى نظام تعددية قطبية فضفاضة، على تخوم نظام حكم الكثرة، في ظل الحضور الأحادي الطاغي في أغلب الأحيان للولايات المتحدة الأميركية.
على ضوء ذلك نجد أن النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة إلى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطا كاملا بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى, وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة أن تكون جماعات متشددة. والحقيقة ان هذه النظرة التشاؤمية الى المستقبل لم يتم اختزالها في رؤية قاصرة على مساحة جغرافية محدودة لمتغيرات النظام العالمي القائم منذ بداية القرن الحادي والعشرين, بحيث ألغينا كل معالم الأمل في تلك التحولات الطيبة على المستويين السياسي والاقتصادي الدولي , وإنما قمنا ببنائها على عدد من الأسس العلمية التي يمكن الاستناد عليها في استشراف المستقبل وقراءة ما بين سطور وهوامش الخارطة الجيوسياسية الدولية المستقبلية .
وفي هذا السياق نفسه يقول الدكتور ايرل تيلفورد – وهو مدير البحوث بمعهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي ( إن الصراعات العرقية والدينية – والقومية - قد لازمتنا منذ فجر التاريخ وسوف تستمر خلال القرن الحادي والعشرين, ويضيف هناك ثلاثة أنواع من الحروب هي : حرب المواجهة وحرب السيطرة وحرب البنية التحتية, وفي سياق شرحه لتلك الحروب, قال : ستكون حروب السيطرة هي أكثر الصيغ شيوعا في حروب المستقبل , وهي من نوع الحرب التي نفذتها يوغسلافيا السابقة بنجاح تام , بينما كان حلف شمال الأطلسي منهمكا في حروب جوية مبنية على مبادئ الثورة في الشؤون العسكرية )
من هذه الناحية نؤكد من جديد على أن أهم وأبرز مواطن الأسباب والدوافع الأيديولوجية التي يمكن أن تتسبب بتلك الحروب والصراعات الداخلية أو الإقليمية أو تلك العابرة للقارات هي الأفكار القومية والدينية , والتي نؤكد على أنها ستكون الشرارة الأكبر لحروب وصراعات ستتسبب بخسائر بشرية أكبر بكثير مما مر على البشرية في العقود الماضية , وذلك نتيجة لتراكم المعرفة والخبرة التاريخية في طرق الإبادة الجماعية وتوفر أدوات ووسائل القتل المتقدم , واستثمار الأموال الطائلة في امتلاك تلك الأدوات والوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة هي الصراعات والحروب التي ستحركها الأفكار القومية والمذهبية والطائفية , أكان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات المتشددة أو حتى الدول القومية العابرة للقارات.
و( سواء كنا متفائلين بتلك المحفزات السياسية والاقتصادية والتقدم العلمي ونضوج المجتمعات المدنية الحديثة , فإن ذلك لا يمكن له أن يوقف التيار الجارف لحتمية الصراع والاستمرار والبقاء ودوافع الاستعمار والتوسع والسيطرة الأزلية للقوى الكبرى , كما أنه لا يمكن له أن يحتوي تلك المعتقدات والأفكار والثقافات التي لا زالت تدفع بالإنسانية دفعا نحو حتفها كالطائفية والقومية والمذهبية والشعوبية , لذلك كان جيمس سجالنجر مصيبا بنحو لا يقبل الشك عندما توصل في عام 1992م الى ان النظام العالمي المستقبلي سترسمه سياسة القوة والصراعات القومية والتوترات العرقية ) .
وبالنظر الدقيق إلى الخارطة الجيوسياسية الدولية للقرن الحادي والعشرين وما شابها من صراعات وحروب وتحولات جيواستراتيجية وجيوبولتيكية خلال العقد الماضي وبدايات العقد الثاني , يتأكد لنا شكل النظام العالمي المستقبلي الذي يمكن أن ترسمه امتدادات وانعكاسات تلك الحروب والصراعات القومية والدينية خصوصا , والتي يمكن للمتابع العادي والبسيط أن يعرف بأنها لم تكن لتتجاوز عتبات أبواب النعرات القومية والطائفية وتلك التي تساهم في صناعتها الامبريالية والتوسعية وأطماع الدول الكبرى , يضاف إلى ذلك طموحات بعض المتنمرين الجدد ومثيري الفتن كما سبق.
** أجزاء هذه الدراسة هي اختصار للفصل الرابع من كتاب غير منشور لي تحت عنوان :: مدخل الى السياسة الخارجية لسلطنة عمان - مصادر التشريع- المبادئ الموجهة- موارد القوة – القضايا الرئيسية - ابرز التوجهات الدولية التي ستؤثر بمستقبل سياساتنا الخارجية في القرن 21 .

محمد بن سعيد الفطيسي باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية رئيس تحرير مجلة السياسي ـ المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية [email protected] تويتر - MSHD999@