لندن/كوليج بارك (بريطانيا) ـ د.ب.أ : تعد انفجارات أشعة جاما من أقوى الانفجارات، وتظهر بقوة في الكون كله تقريبا، وقد تمكن عدد من الباحثين من كشف أسرار هذه الانفجارات المليئة بالألغاز حتى الآن بتفاصيل لا مثيل لها. وقد عايش علماء الفلك صيحة الميلاد لثقب أسود بتفاصيل لم تكن متاحة من قبل. ويقول فريق بحث بقيادة العالمة إليونورا ترويا من جامعة ماريلند أعد دراسة نشرت بمجلة "نيتشر" للعلوم الطبيعية إن البحث الجديد يتعلق بما يسمى انفجارا شعاعيا كليا ويجيب على أسئلة لم تتضح من قبل عن هذه الظاهرة حتى اليوم. وتقول ترويا في بيان لها عبر جامعتها: "أشعة جاما تمثل أحداثا كارثية، لأنها تترافق مع انفجارات لنجوم هائلة تبلغ أحجامها خمسين ضعفا من شمسنا".
وتضيف ترويا قائلة: "في ثوان يمكن أن تطلق هذه العملية طاقة تساوي ما يطلقه نجم بحجم شمسنا طوال حياته، ونحن مهتمون بأن نفهم كيف يمكن لهذا أن يحدث". إن هذه الانفجارات الهائلة ترى في الكون كله تقريبا، إلا أن أشعة جاما يصعب رؤيتها ، لأنها لا تستمر إلا ثوان وتتوهج بلا تحذيرات في مكان ما من السماوات. غير ان علماء الفلك كان لهم حظ في ملاحظة تلك الأشعة يوم الخامس والعشرين من يونيو 2016 : حيث اكتشف القمر الصناعي لمراقبة أشعة جاما والمسمى "فيرمي" وهو يتبع هيئة الفضاء الأمريكية (ناسا) شعاعا من أشعة جاما وأرسل بيانا أوتوماتيكيا لجميع المراصد في العالم، فتمكن تلسكوب إياك-ماستر، الآلي الروسي أيضا من مراقبة الشعاع وهو ما يزال في مرحلته النشطة. ويشير تحليل البيانات الناجمة عن ذلك إلى أن الإضاءة الهائلة التي وقعت في بداية الانفجار ظهرت بسبب ما يسمى إشعاعات متزامنة "سينكروترونية"، وهي تنشأ حين تخرج جزيئات سريعة محملة بالكهربية ، كالإلكترونات مثلا عن مجالها المغناطيسي . ولم يكن واضحا حتى الآن سر الإضاءة العالية لأشعة جاما، فمن الممكن أن يكون سبب ذلك جزيئات صغيرة وسريعة تصطدم بجزيئات الضوء (الفوتونات) ومن ثم تنقل الطاقة أو ربما يكون سبب ذلك ببساطة أشعة حرارية ناجمة عن انفجار نجمت عنه حرارة هائلة. واكتشف علماء الفلك من خلال قياساتهم أن جزءا كبيرا من الموجات الضوئية يتأرجح في بداية انفجار أشعة جاما في نفس المستوى ، وهو ما يسميه الفيزيائيون الضوء المستقطب.
وتوضح العالمة ترويا هذا الأمر قائلة: "الإشعاعات المتزامنة هي الآلية الانبعاثية الوحيدة التي تنتج درجة الاستقطاب والطيف الذي نراه في بداية الشعاع"، مشيرة إلى أن العلم بهذا الأمر يعد أمرا هاما، "لأنه برغم البحث على مدار عقود لم يتم تحديد الآليات الفيزيائية التي تحرك أشعة جاما تحديدا واضحا". كما وفرت الملاحظة أيضا معلومات عما يسمى الأشعة المادية العملاقة (ويطلقون عليها اسم جيتس) والتي تنطلق من أعلى وأسفل السحابة الانفجارية بسرعة تقرب من سرعة الضوء، وقت انهيار النجم المتلاشي ليحل مكانه ثقب أسود. وهناك نموذجان بديلان لهذا التفسير ينطلقان من أن هذه الأشعة العملاقة إما أن يكون المتحكم فيها مجال مغناطيسي قوي أو مادة ما. وتضيف ترويا قائلة: "وجدنا أدلة على إمكانية صحة كل من هذين النموذجين التفسيريين، وهو ما يوضح وجود طبيعة ثنائية هجين لهذه الأشعة العملاقة (جيتس) من أشعة جاما". وتردف ترويا قائلة: "تبدأ هذه الأشعة مغناطيسيا، ولكن حين تكبر يصبح المجال المغناطيسي أضعف ويفقد السيطرة على الأشعة، فتتولى المادة السيطرة في النهاية على تلك الأشعة، في الوقت الذي تظل فيه بقية ضعيفة من المجال المغناطيسي موجودة أحيانا."