[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” خلال ظروفنا الحالية أبرز ما يمكن اعتباره في مجال التطرف يتم عبر أنشطة توظيف شبكة الانترنت والهواتف الذكية والخدمات الالكترونية المرتبطة في نشر وبث واستقبال وإنشاء المواقع والوسائل التي تسهل انتقال وترويج المواد الفكرية المغذية للتطرف الفكري والعنف والكراهية أيا كان التيار أو الشخص أو الجماعة التي تتبنى أو تشجع أو تمول كل ما من شأنه توسيع دائرة ترويج مثل هذه الأعمال.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أين ينمو التطرف وكيف يكون ..؟
في التحليل الاجتماعي الثقافي لابد من تحديد بيئات النمو للتطرف، وهي تبدأ أو تتكون في:
- البيت، الأسرة، حال الآباء والأمهات، سلوكهم وتربيتهم وتأثيرها على التنشئة وعواقبها.. وتصادم الهوية والاغتراب، وكيفية الاندماج أو التعايش، لاسيما في الغرب.
- المدرسة، بكل مراحلها، لمن ينتمي المدرسون فكريا وسياسيا، نوعية المناهج، ووسائل التعليم.. ومثلها ما تقوم به المساجد والمعاهد الدينية، لاسيما عندما يكون المدرسون جهلة أو غير مؤهلين فكريا وثقافيا ويروجون لأفكار التعصب والتشدد والكراهية والتمييز، دون احترام لمهنتهم أو تقدير لوظيفتهم.
- المجتمع، المنظمات، الأحزاب، والحالة الاجتماعية والطبقية والتفاوتات بينها. التناقضات الحادة وأثرها على إشغال الشباب خاصة وتوجيههم، أو أعدادهم إلى مشاريع النهوض أو خلافها. وفقدان الرقابة والتحوط والحذر وغياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والدور البناء.
- وسائل التواصل وشبكة الانترنت والفضائيات والتمويل.. سهولة توفرها واستخدامها وإمكانياتها في النقل والتواصل. ونوعية برامجها واستهدافاتها العملية، لاسيما في تكريس أو تقديس أشخاص، متعصبين ومتشددين، وصناعة تبعية قطيعية لهم.
خلال ظروفنا الحالية أبرز ما يمكن اعتباره في مجال التطرف يتم عبر أنشطة توظيف شبكة الانترنت والهواتف الذكية والخدمات الالكترونية المرتبطة في نشر وبث واستقبال وإنشاء المواقع والوسائل التي تسهل انتقال وترويج المواد الفكرية المغذية للتطرف الفكري والعنف والكراهية أيا كان التيار أو الشخص أو الجماعة التي تتبنى أو تشجع أو تمول كل ما من شأنه توسيع دائرة ترويج مثل هذه الأعمال.
كذلك تلعب المساجد والمدارس الخاصة وحتى جامعات معينة والفضائيات المتخصصة أدوارها في نشر التطرف أو تحجيمه.. كما يلعب أشخاص أو منظمات دورا هو الآخر في الترويج للتطرف عمليا والدعم المالي له أو التواصل المشترك مع جهات ودول حاضنة ومتبنية للتطرف. وكذا في التحشيدات العامة واستغلال المناسبات وغيرها.
أظهرت وسائل التواصل والانترنت عموما، ولاسيما الإدمان عليها، مساحات كبيرة في توفير بيئات حاضنة للفكر المتطرف، والدفع للتأثر بما يطرح فيها من فكر وتبرير وتوصيف وإغراء، واستغلاله في التهديد والوعيد، وبروزه واضحا ضد الرموز السياسية والثقافية والفكرية العامة أو من قبلها، في ظروف أو أوقات أصبحت معروفة، في فترات الانتخابات أو الاستفتاءات وغيرها. كما هو معروف أو منتشر في التعرض لحقوق فئات معينة، مثل المهاجرين والملونين في بلدان الغرب، والأقليات الدينية والاثنية والفقراء في بلدان الشرق، مما يصنع ردة فعل، ويضر بمصالح فئات وجماعات معينة ويهدد الأمن الوطني والسلم الأهلي عموما.
بلا شك أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت اليوم من أقوى الوسائل المستخدمة لتحقيق أهداف منشودة، مبرمجة ومنظمة، سلبية أو إيجابية. كما تعرفون، فبقدر ما لها إيجابيات في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها الكثير، لها من خلال توظيفها من قبل المتطرفين سلبياتها، حتى سماها بعض الباحثين بالإرهاب الالكتروني، الذي أصبح واقعاً فرضته الأحداث اليومية، حيث استثمرت تقنيات الاتصال وإمكاناتها غير المحدودة، في خدمة أهداف جماعات التطرف والإرهاب. ولم تتوقف عند التقنيات الحديثة، إذ استمرت بوسائلها التقليدية أيضا. وفي الوقائع العملية استخدمت جماعات العنف والتطرف والغلو كل وسيلة للوصول إلى الناس، لتبرير وتسويغ أعمالها وأفكارها، والعمل على غرس الفكر الذي تتبناه. ونجحت في ذلك، لاسيما حين دعمت بوسائل إعلام حكومية أو ممولة من حكومات، وكذلك في معرفة استخدام التقنيات الحديثة.. واعتمدت أساليب التوظيف العاطفي وتأجيج المشاعر الرغبوية ومحاولات كسب القلوب، وتجميد العقول وغسل الأدمغة وإبعاد التفكير بالحجج والحكمة والإقناع العقلي، لاسيما في رسائل كسب أو توريط أنصار جدد، أو الترويج التقليدي والإعلان والنشر الواسع والمتمكن فنيا، أو الجذاب لمتابعه وخاصة من الشباب.
هل تعرفون عدد المنصات والحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي لوحدها اليوم لبث التطرف والعنف؟!!. في كثير من الأحاديث أو الدراسات السابقة تذكر أرقام مهولة تعكس قدرة الأفراد أو المجموعات الذاهبة إلى التطرف والتشدد، خاصة في المجال الديني أو الطائفي، في استخدامها وإدامتها.
مكافحة التطرف، أو السبيل إلى إيجاد الحلول الممكنة والمساهمة في إيجاد ثقافات بديلة، تعددية، حضارية، كما يراها كثير من الباحثين في هذا الشأن، يمكن النظر والعمل في أو إلى:
1. المجال الديني، تطوير الخطاب الديني، وضرورة التجديد والتحديث فيه، عن طريق تصدي المؤسسات الدينية للمفاهيم التي تروج في المجتمع خاصةً بين الشباب، وفي مقدمتها التفسيرات المشوهة لمفاهيم: الجهاد والردة والهوية والتدين والاختلاف ووضع المرأة، مع فتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة وأصول الدين والاعتراف بالمنظور التاريخي للتشريع وتطويره للتلاؤم مع مقتضيات العصر. سواء داخل البيت والأسرة أو المؤسسات الأخرى.
2. المجال القانوني والسياسي؛ ضرورة مراجعة القوانين والتشريعات والممارسات الإدارية على النحو الذي يعزز الانطلاق الحر للفكر والإبداع في المجتمع، ويشيع حرية الرأي، والتمتع بالحقوق الأخرى. وإدانة كل ممارسة متطرفة، من أي مصدر أو أي فاعل لها، دون تمييز أو تبرير أو تدليس.
3. المجال الثقافي، تطوير التنمية الثقافية، بالاهتمام في نشر وايصال الإنتاج الثقافي الذي ينطلق من مناهج العقلانية والتنوير، ويتعزز بالفكر النهضوي والإبداع الإنساني. وتشجيع الأعمال الفنية التي تهدف إلى النهوض بثقافة النشء وتطوير المواهب وصقلها في المؤسسات التعليمية والثقافية بشكل منهجي منظم وتيسير الوصول إلى المنتج الثقافي من خلال التوسع في إنشاء المكتبات الثابتة والمتنقلة والمراكز الثقافية والأندية الأدبية، وكذلك مراكز الفنون التعبيرية والتشكيلية والموسيقية، والنوادي الرياضية، وغيرها، والاستفادة من النشر الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي وتطورات التقنية.
.4 مجال التعليم، توحيد نظمه وبرامجه، وتطويره بشكل موحد، مع التأكيد على الهوية الثقافية للأفراد والجماعات، وتعزيز قيم التعددية والتعايش الإنساني، مع التأكيد على أهمية الثقافة المدنية والمواطنة في برامج التعليم، في كل المراحل الدراسية، ووضع برامج لتطوير القدرات الإبداعية في شتى المجالات: الموسيقى والتصوير والشعر والنثر والمسرح والغناء وغيرها، ووضع برامج لتطوير المكتبات المدرسية، وحلقات العمل الثقافي الأخرى، وتنقية برامج التعليم الديني من الأفكار التي تشجع التطرف، والعنف، أو تستند إلى فهم خاطئ للنصوص الدينية، والعمل على تجديد الخطاب الديني، لمحاربة انتشار التطرف عن طريق التعليم. والتأكيد على أهمية ودور المدرسين والقائمين بالإشراف على العملية التربوية والمناهج الدراسية.
.5 مجال الشباب، تعزيز ونشر مواقع التواصل الاجتماعي الإيجابية، بين الشباب خصوصا لمحاصرة انتشار التطرف وثقافة العنف والتكفير للآخر. وتشجيع التدافع فيها أو بمثيلاتها، وتوفير فرص العمل بالتساوي دون تمييز أو تأطير، واعتماد الكفاءة والتفوق معيارا وإلغاء سياسات التهميش أو التفرقة الهوياتية وإشغال الشباب بما ينمي قدراتهم وطاقاتهم الإبداعية.
.6 مجال الإعلام، الزام المؤسسات الإعلامية بالمواثيق المهنية والأخلاقية، والالتزام بقواعد العمل الإعلامي الوظيفي، والتي تتضمن الابتعاد عن الخطابات المتعصبة، وسنّ التشريعات التي تجرّم بث الكراهية والتحريِض على العنف، وبالمقابل إعداد برامج إعلامية تفند فكر التطرف، وتهتم بقضايا العلم والتنوير ونشر المعلومات الصحيحة عنها. وعدم التهاون معها أو التغاضي عن أخطارها وأضرارها، المباشرة أو غيرها.
.7 مجال الفعاليات والنشاطات، تكريس منهج اللقاءات المفتوحة والجمعيات والمنتديات الثقافية والاجتماعية، لكل الأعمار والأجيال، دون تمييز بين الجنس أو اللون أو الدين وغيرها، وتوسيع الحوار الديمقراطي واحترام الهويات الثقافية وحقوق الإنسان لتعزيز ثقافة التسامح والتعايش والمشترك، والحداثة وقبول الآخر، وتمكين المرأة، والتنمية المستدامة.
8. مجال الاستقرار الدولي، وتأثيراته المباشرة وانعكاساته العامة. في حث الجهود السياسية لبناء عالم خال من الحروب والصراعات الدموية وتأكيد ثقافة السلام والحرية والديمقراطية وحقوق الشعوب ودولة القانون والعدالة الاجتماعية واحترام السيادة والاستقلال والأمن الدولي.