[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”سارعت دول الخليج بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية ووضع حلول للمشاكل الناتجة عنها, فلجأت معظم الدول لترشيد الإنفاق الحكومي وتبطئ وتيرة تنفيذ المشروعات المدرجة في خطط التنمية وتوزيعها على عدد أكبر من السنوات, في نفس الوقت حاولت توفير وظائف جديدة للمواطنين في القطاع الخاص, وإحلالهم محل العمال الوافدين في بعض المهن والتخصصات, فليس من المعقول أن تعاني دول من عدم وجود فرص عمل لأبنائها بينما توفر آلاف الوظائف للعمال الأجانب.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدني أسعار النفط من 114 دولارا في يوليو 2014 م إلى 25دولارا في يناير 2016 , ألقى بظلاله على كافة الأنشطة الاقتصادية في دول الخليج العربي المعتمدة إلى حد كبير على سلعة النفط في تدبير موارد ميزانياتها العامة وتمويل خطط التنمية , واضطرت معظم دول الخليج لضغط مصروفاتها الجارية وإلغاء أو تأجيل كثير من المشروعات والخطط, حتى تتعافى أسعار النفط.
هذه الإشكاليات الاقتصادية أثرت بشدة على سوق العمل الخليجي, الذي يواجه ضغوطا كبيرة من الداخل لتوفير فرص عمل للأيدي العاملة الوطنية التي تتزايد أعدادها سنويا بدخول خريجي المدارس والجامعات على اختلاف مؤهلاتهم وتخصصاتهم, بجانب الضغوط التي يفرضها وجود قرابة 25 مليون عامل وافد موزعين على الدول الست لمجلس التعاون, كثير منهم فقد وظيفته وآخرون معرضون لفقدها إذا استمرت أسعار النفط على هذا المنوال.
ويرى كثير من الخليجيين أن هناك آلاف الوافدين يمتهنون وظائف يمكن الاستغناء عنها أو إعطائها لأبناء البلد ولكن تدني الأجور التي يتقاضاها الوافدون والتي يرفضها معظم المواطنين تظل عقبة كبيرة خصوصا أمام القطاع الخاص الذي يدير مشروعاته وفق آليات اقتصادية تهدف لتحقيق الربح الذي يمكنه من الاستمرار.
ورغم الأزمة .. مازال العدد الأكبر من الوافدين مصرا على البقاء في الخليج لآخر رمق يمني نفسه بتحسن الأحوال, دفعهم إلى ذلك سوء الأوضاع الاقتصادية في بلدانهم وصعوبة الحصول على وظيفة حتى لو كانت براتب أقل مما يتقاضاه في الخليج, وهناك فئة متمسكة بإقامتها في الخليج بسبب توافر الخدمات وسبل الحياة المريحة بجانب الأمن والاستقرار الذي تحقق في منطقة الخليج خلال العقود الماضية .
لجأت معظم دول الخليج لاستحداث نظم وسن قوانين تحد من أعداد الأيدي العاملة الوافدة, وإحلال الأيدي العاملة الوطنية مكانها,عن طريق توطين كثير من الوظائف الحكومية ومنع الوافدين من مزاولة مهن يمكن توطينها , ومضاعفة قيمة رسوم استقدام الأيدي العاملة الوافدة, وهناك دول تفكر في فرض قيود على تحويلات العمال الوافدين, وأخرى قيدت اصطحاب العامل الوافد لأفراد أسرته باقتصار ذلك على مؤهلات ووظائف معينة وحد أدنى للدخل يسمح للوافد باستقدام أسرته, كما أن هناك دولا فرضت رسوما شهرية على المرافقين.
هناك اقتصاديون يحذرون من تأثير مغادرة الأيدي العاملة الوافدة بشكل فجائي على الأنشطة الاقتصادية في دول الخليج, الذي اتسع فيها قطاع الخدمات من صحة وتعليم وسكن وتجارة داخلية ومطاعم وأماكن ترفيه وخدمات السياحة والسفر؛ ليمثل قرابة 80% من الناتج القومي لهذه الدول, ليتسنى توفير الخدمات لهذا العدد الضخم من البشر الذي يعيش على أرض الخليج والذي تجاوز تعداده الخمسين مليونا نصفهم تقريبا من الوافدين الذين يُعتمد على إنفاقهم في انتعاش هذه القطاعات.
قطاع المساكن والعقارات من أكثر القطاعات التي ستتضرر من مغادرة الوافدين, لاعتماد مستثمريه طوال العقود الماضية بصورة أساسية على تسكين الوافدين وأسرهم؛ حيث إن أكثر من 80% من الخليجيين وفق آخر الإحصائيات يمتلكون مساكنهم , وكثير منهم يفضل الإقامة في مسقط رأسه بعدما توافرت البنى الأساسية من طرق حديثة وكهرباء ومياه نقية ووسائل مواصلات مريحة وشبكات للهاتف الثابت والمحمول وخدمات صحية وتعليمية في معظم الولايات والمحافظات وأصبح هناك كثير من المواطنين لا يترددون على المدينة أو العاصمة إلاّ للعمل أو قضاء مصالحهم.
إقامة العامل الوافد بدون أسرته سيقلل إنفاقه داخل الدولة التي يقيم فيها وسيكتفي بما يقيم أوده, وسيرسل معظم دخله لأسرته في بلده الأصلية مع ما في ذلك من استنزاف لموارد دول الخليج وتأثيره على حركة التجارة والأنشطة الخدمية.
سارعت دول الخليج بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية ووضع حلول للمشاكل الناتجة عنها, فلجأت معظم الدول لترشيد الإنفاق الحكومي وتبطئ وتيرة تنفيذ المشروعات المدرجة في خطط التنمية وتوزيعها على عدد أكبر من السنوات, في نفس الوقت حاولت توفير وظائف جديدة للمواطنين في القطاع الخاص, وإحلالهم محل العمال الوافدين في بعض المهن والتخصصات, فليس من المعقول أن تعاني دول من عدم وجود فرص عمل لأبنائها بينما توفر آلاف الوظائف للعمال الأجانب.
وإذا كانت دول الخليج احتاجت في سنوات الطفرة البترولية بسبعينيات القرن الماضي للأيدي العاملة الوافدة لإقامة مشاريع البنى الأساسية وتأسيس الخدمات الصحية بما تشمله من مستشفيات ومراكز صحية وكوادر من الأطباء والممرضين, والخدمات التعليمية بإنشاء المدارس والجامعات والاستعانة بكوادر وافدة من المدرسين والأكاديميين لسد النقص في هذه الخدمات, ولكن بعد أربعة عقود من التنمية والبناء لم تعد دول الخليج في حاجة لكل هذه الأيدي العاملة الوافدة, بعد أن اكتملت مشروعات البنية الأساسية إلى حد كبير, وأنفقت معظم دول الخليج الملايين على تكوين الكوادر الوطنية من خلال الدراسة في الداخل والابتعاث للتأهيل والتدريب في أرقى المعاهد والجامعات في الخارج بدول العالم المتقدم.
لقد آن الأوان للاستفادة من الكوادر الخليجية في سد النقص في كثير من الوظائف والمهن والتخصصات المؤهلين للقيام بها بدلاً من أن تكون حكرا على الوافدين؛ دون الإخلال بالمعايير المهنية أو الاقتصادية حتى لا تتأثر عجلة الإنتاج أو يقل مستوى الخدمات المقدمة.
ومع ذلك فإن وجود الأيدي العاملة الوافدة ليس شرا مستطيرا كما يراه البعض, بل هي أداة يمكن ترشيد استخدامها بما يعود بالفائدة على الاقتصاد القومي, وليس هناك دولة ناهضة على مستوى العالم ؛ إلاّ وفتحت المجال أمام الأيدي العاملة الوافدة الماهرة للاستفادة منها, ويكفي أن نعرف أن الدول الصناعية الكبرى قامت نهضتها على الانفتاح على الخبرات الوافدة ومنح الفرص للجميع, وأن أميركا قامت على أكتاف الوافدين ويعمل بها الآن 15 مليون عامل أجنبي وتأتي بعدها روسيا بـ12 مليونا وألمانيا بـ 11مليونا حتى الصين رغم المليار و400 مليون نسمة بها 10 ملايين عامل وافد يعملون في كافة المجالات.

محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري
[email protected]