بإنجاز المرحلة النهائية لعملية سحب مسلحي الجماعات الإرهابية التابعة لما يسمى "جبهة النصرة"وأقاربهم من لبنان إلى مدينة إدلب السورية، يكون لبنان بذلك قد طوى صفحة من صفحات الإرهاب العابر للحدود والمُوجَّه والمعبَّأ من قبل قوى تأبطت شرًّا بلبنان وسوريا، أرادت هذه القوى أن تجعل من هذين البلدين العربيين الشقيقين منطلقًا لمشروع ما يسمى "الشرق الأوسط الكبير"، يبدأ بالتغيير الجذري في الوعي الوطني لشعبيهما، وضرب العقيدة الوطنية المتراكمة المتمسكة بالعروبة والقومية، والمتبنية لعروبة التراب في سوريا ولبنان وفلسطين وكل ذرة تراب في الوطن العربي نزعت عنها عروبتها عنوةً وغدرًا، والمتبنية لهدف تحرير هذا التراب، والمُوجَّهة نحو دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته.
سوريا ولبنان هما في مقياس التعايش والتسامح، يعدان من مفاخر العرب، وأكبر الشواهد على تآلف المذاهب والأعراق والثقافات في نسيج واحد، وتآلف الإقبال على الحياة والتمتع بمباهجها مع الإقبال الشديد على التضحية بالغالي والنفيس من أجل حماية الوطن وكرامة المواطن العربي. وبحكم هذه القواسم والنزعة العروبية والقومية، ورفض مشاريع الاحتلال والوصاية واغتصاب الحقوق، أريد من سوريا ولبنان أن يدفعا ثمن مواقفهما العربية القومية والوطنية، كما دفع العراق وليبيا، بتمزيقهما وتفتيتهما وقتل النَّفَس المقاوم العروبي والقومي؛ لأنهما (أي سوريا ولبنان)أصبحا آخر قلعتين عربيتين في مواجهة المشروع الغربي ـ الصهيوني المسمى "الشرق الأوسط الكبير".
لقد سطر لبنان ـ شعبًا وجيشًا ومقاومةًـ ملحمة وطنية بطولية أمام المشروع الغربي ـ الصهيوني في صيف العام 2006 حين أعلنت آنذاك مستشارة الأمن القومي الأميركي كونداليزا رايس أن الدم اللبناني الذي تسفكه آلة الحرب والإرهاب والإجرام الإسرائيلية هو دم ولادة "الشرق الأوسط الكبير"، غير أن الصمود اللبناني ومقاومته الباسلة كان لهما الكلمة الأعلى في معركة المصير والبقاء، وإفشال المشروع، فكانت له ارتداداته العسكرية والسياسية لكيان الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، من بينها أن القوة العسكرية الإسرائيلية ـ رغم جبروتها وقوة الدعم الأميركي وضخامته ـ أصبحت غير فاعلة وعاجزة عن تحقيق الانتصارات، فسقطت كذبة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر". وما يؤكد هذه الحقيقة اليوم هو إعادة الكرة ولكن بأسلوب غير تقليدي في الحروب، بل أسلوب غير أخلاقي وهو استخدام سلاح الإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية لزعزعة الداخل، وتدمير البنى الأساسية العسكرية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، واستنزاف القدرات العسكرية والبشرية عبر الإرهاب. إلا أن الوعي الوطني اللبناني والسوري والإحساس بالمسؤولية لدى لبنان وشعبه ومقاومته وبعض قياداته يعود مجددًا ليصنع ملحمة وطنية أخرى في مواجهة قوى الشر الساعية إلى تحقيق مشاريعها الاستعمارية والتخريبية في المنطقة وانطلاقًا من الساحة اللبنانية والسورية، حيث تمكن اللبنانيون ـ جيشًا ومقاومةً وشعبًا وقيادةً ـ يقابلهم في الجانب الآخر أشقاؤهم السوريون الشرفاء والأمناء على وطنهم في جرود فليطة بالقلمون الغربي، من جعل جرود عرسال وفليطة عنوانًا لانتصار جديد على محور الشر والتآمر والإرهاب، بتطهير هذه الجرود مسجِّلين زمنًا قياسيًّا وبأقل الخسائر، مؤكدين أن المواجهة مع العدو الإسرائيلي ـ الذي هو الطرف الأصيل في هذه الحرب الإرهابية القذرةـ هي ثابت من الثوابت السورية واللبنانية، فهنيئًا لهم هذا الانتصار، وترحمًا على من قدم دمه دفاعًا عن وطنه وشرفه وعرضه وكرامته، ودعاءً بالشفاء العاجل لمن رابط في أرض النضال ضد العدو.