[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” ليس جديدا ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاصبة هذه الأيام من اعتداءات سافرة على مدينة السلام والحب والطهر الأبدية والتاريخية ـ القدس الشريف ـ وعلى وجه التحديد تجاه المسجد الأقصى، من محاولات الهدم والدمار ومنع المصلين من ممارسة عباداتهم . وتغيير المعالم التاريخية والإسلامية .”
ــــــــــــــــــــــــــ
منذ قديم الأزل وجميع المقدسات الدينية في جل أنحاء الأرض لها منزلة خاصة جدا عند أصحابها، لما تمثله لهم من تجسيد لمعتقداتهم وأفكارهم الدينية والإنسانية والحضارية . بالتالي لها احترام وتقدير يمنحها المكانة التي تسبق النفس والمال والولد. لذا فإن الحفاظ على مكانتها تلك، واحترام منزلتها الدينية والسماوية والدفاع عنها والذود عن مقدراتها واجب ديني وأخلاقي لا يمكن التغافل عنه مطلقا . وواحد من تلك المقدسات الدينية العالمية "المسجد الأقصى الشريف" أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين ، وكذلك لدى المسيحيين له منزلة مقدسة بسبب وجود أبرز المعالم الدينية المسيحية وهي كنيسة القيامة من ضمن معالم مركز القدس .
وعند يهود ـ ان حق لهم بعض من تلك المقدسات التي لم يحترموها، وهو هيكل سليمان الذي بناه نبي الله سليمان عليه السلام بيتا للرب كما تشير نصوص التوراة ـ ولكن اليهود لم يوقروا حرمة هذا البيت في عهودهم المختلفة ، ولذا ( يسجل التاريخ عنهم أنهم اعتدوا على حرمة هذا المعبد وأضاعوا بهاءه ورونقه، إذ حولوه إلى سوق للبيع والشراء، ويتزاحم في ساحته تجار الثيران والكباش والحمام، ويصبح مربطا للأنعام في عهودهم الأولى، وهكذا غطى خوار البقر وثغاء الأنعام على صلوات الكهنة وتراتيل اللاويين) . لذا ( تنبأ المسيح عليه السلام بنهاية هذا البناء وقال لتلاميذه "أترون هذه الأحجار العظيمة، لا يترك حجر على حجر إلا وينقض" وقد تحققت نبوءته بعد خمس وثلاثين سنة على هذا الحديث، إذ اختفى هذا الصرح من البناء بعدها )
بالتالي ليس جديدا ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاصبة هذه الأيام من اعتداءات سافرة على مدينة السلام والحب والطهر الأبدية والتاريخية ـ القدس الشريف ـ وعلى وجه التحديد تجاه المسجد الأقصى، من محاولات الهدم والدمار ومنع المصلين من ممارسة عباداتهم . وتغيير المعالم التاريخية والإسلامية . فمنذ وجود هذه التي يطلقون عليها الدولة الإسرائيلية بقرار ظالم من قبل الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947م، وهي تمارس أبشع أنواع الإرهاب والعنف والقتل والتدمير تجاه شعب بأكمله، فرض عليه أن يجاور ويقاسم ثرواته ومقدراته وخيرات وطنه من سلبوه أرضه وأمنه واستقراره .
وقد تعودنا على تلك الأفعال المخالفة لكل قوانين السماء والأرض من ذلك الجنس الذي يعتبر نفسه أفضل شعوب الأرض جميعا، بل هو شعب الله المختار، وبهذه العقيدة التي يتمسك بها ويعتبرها صكا إلهيا لا يمكن التراجع عنه، بل يلقنه لأطفاله فينشئون على عقيدة الجنس الخاص، سعت زمرهم المتوالية على مدى تاريخهم الأسود في هذه الأرض إلى إيجاد الايديولوجيا التاريخية العقائدية التي ستكون الدافع للتمسك بتراب ارض الإسلام والعرب فلسطين، وبالطبع فإن الوسيلة الوحيدة لذلك هي بعض من أساطيرهم ومعتقداتهم التاريخية التي ستكون كفيلة بذلك، وعلى رأس تلك المعتقدات والأفكار، فكرة الهيكل المزعوم الذي يبحثون عنه منذ زمن طويل تحت أركان وأساسات المسجد الأقصى الشريف.
وفي هذا السياق قال سماحة الشيخ يوسف ادعيس وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ( ان الاحتلال الاسرائيلي واذرعه التنفيذية ،مارس خلال شهري مايو ويونيو/ اكثر من 184 اعتداء وانتهاكا على المسجد الاقصى بواقع يفوق الثمانين اعتداء، وعلى المسجد الابراهيمي بأكثر من 98 انتهاكا تمثلت بمنعه رفعه الاذان، واغلاقه لباب اليوسفية. وبين ادعيس ان الاحتلال وأذرعه التنفيذية يستخدم في السنوات الأخيرة مسمى "الترميم والتطوير" كغطاء للمشاريع التهويدية الرامية إلى إجراء تغييرات في بنية الآثار الإسلامية والعربية في القدس المحتلة، وتكريس واقع الاحتلال بأنه صاحب الشأن والمالك لهذه المواقع الأثرية، وقد تم رصد أكثر من حالة في هذا المضمار؛ إذ تم الإعلان عن مشاريع ترميم في الواجهات في منطقة باب عبد الحميد الثاني (الباب الجديد) أحد أبواب البلدة القديمة في القدس المحتلة، فيما يبدو أن هذه المشاريع تتسارع وتزداد وتيرتها في الآونة لإحلال الصبغة والرواية اليهودية ).
وهذه الابتزازات والأفعال في حقيقة الامر ليست بالجديدة او بالأعمال المؤقتة، بل هي أفعال مبنية على امتدادات أيديولوجية وتاريخية قديمة قدم حقدهم وكراهيتهم لما دونهم من شعوب الأرض، ويؤكد ذلك تاريخهم الدموي الأسود الذي مثلته اصدق تمثيل تلك المجازر الوحشية المتكررة والمتوالية منذ وجودهم على ارض العروبة والطهر فلسطين العربي المسلم . ولو عدنا قليلا إلى استقراء التاريخ الحديث لتلك الأعمال والمخططات اللااخلاقية والاعتداءات الوحشية المبيتة تجاه المسجد الأقصى الشريف على وجه التحديد، وتجاه كل ما يمد بصلة إلى الأديان والعقائد السماوية الأخرى بشكل عام، والتي من خلالها يتأكد لنا بشاعة أيادي الإسرائيليين منذ اللحظة الأولى التي وطئت أقدامهم الملوثة بدماء الأبرياء والضحايا، وسوء أفكارهم ارض العروبة والإسلام فلسطين، لوجدنا ما لا يمكن أن تضمه الكتب والمجلدات من امتدادات لتاريخ مظلم ومليء بالجرائم والإرهاب وبشاعة الأهداف والمخططات، (وقد تم لهم تنفيذ بعض هذه المخططات، بل كثير منها، بعد أن انطلقوا من القماقم كالمردة، الذين يمثلون الشيطان في الأرض، واستغلوا غفلة الأمم عن أهدافهم الدنيئة، وكم قامت من حروب بتدبيرهم لهدم الأديان والمذاهب الإسلامية والمسيحية، ونشر العداوة والبغضاء بين أصحاب هذه الأديان والعقائد، والوقيعة بينهم).
ختاما فإن إسرائيل وبتلك الأعمال اللاأخلاقية في حق المسجد الأقصى بشكل خاص قد تجاوزت كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية والمعاهدات القانونية المعمول بها في هذا الخصوص , كاتفاقية جنيف المبرمة في عام 1945 م والملاحق الملحقة بها في العام 1977 , واتفاقية فيينا لعام 1983، بشأن خلافة الدول في الممتلكات ، والتي أضفت حماية قانونية خاصة على المقدسات الدينية , والقرار الدولي رقم 533 لعام 1986 والذي يقضي بإدانة محاولة تهويد بيت المقدس وإزاحة الطابع العربي والإسلامي منه , والقرار رقم 476 الصـادر في 5 يونيو 1980 , والذي شجب تمادي إسرائيل في تغيير الطابع العمراني لها , وتكوينها الديموغرافي وهيكلها المؤسسي , وغيرها الكثير من القوانين الرسمية المعترف بها دوليا , والغريب في الأمر بأن الحكومة الإسرائيلية نفسها قد أقرت بتلك الالتزامات وأصدرت قانونا لتأكيده هو القانون رقم 5727 لسنة 1967 والذي جاء فيه انه " تحفظ الأماكن المقدسة من أي انتهاك لحرمتها ومن أي شيء قد يمس بحرية وصول ابناء الأديان .... أو بمشاعرهم تجاه هذه الأماكن " ونص على عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات لكل معتد على هذه الأماكن ) .
فأين العالم الإسلامي والمسيحي والدولي من كل تلك الانتهاكات السافرة لحقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية ؟ وأين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الحقوقية والقانونية والإنسانية وكل أولئك المتشدقون بحقوق الإنسان والديمقراطيات وغيرها من تلك المصطلحات " التي أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع " من كل تلك الجرائم البشعة التي تمارس يوميا بحق المقدرات والمقدسات الفلسطينية ؟ أم أن تلك المؤسسات الدولية واقعة هي أيضا تحت إرهاب هذا الكيان ؟!

محمد بن سعيد الفطيسي باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية [email protected] تويتر - MSHD999@