[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/07/yy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]
” .. يرى البعض في غالبية دولنا العربية أن الاتجاه إلى ترشيد الأنفاق فى العنصر البشرى هو أولى الأولويات التي يلجأ إليها فيكون هذا إما بتخفيض الرواتب في بعض الأحيان وإما أن يكون عن طريق الانصراف عن العنصر البشرى ذي الخبرة والذي يكلف القطاعات والمؤسسات رواتب أكبر عن طريق إحلال هؤلاء الذين يمتلكون الخبرة بأخرين أقل منهم في الخبرة والمعرفة وبما يؤدى إلى تقاضيهم رواتب أقل....”
ــــــــــــــــ
دعونا في البداية نطرح سؤالين غاية في الأهمية: متى يكون التوفير بقلة الإنفاق هو الأقرب إلى الصواب؟ ومتى يكون التوفير بقلة الإنفاق بعيد كل البعد عن الصواب؟
هذان السؤالان هما محور مقالة هذا الأسبوع، فغالبية الأفراد والمؤسسات يظنون أنهم في حالة وجود بعض أوجه العجز في بعض أو في مختلف أو معظم القطاعات والمجالات أنه ينبغي الاتجاه وبأسرع وقت إلى ترشيد الإنفاق في بنود المصروفات والتي يمكن أن يجعلها تسيطر بسرعة على هذا العجز أو الفاقد الذي قد يؤدى بهذه المؤسسات أو الأفراد إلى السقوط في الهاوية وبسرعة فائقة إذا لم يتم تداركها بالسرعة المطلوبه هذا في ذاته اتجاه لا يمكن تجاهله في أمر ينبغي وضعه ضمن عملية التحليل الذي من شأنه يؤدى إلى إيجاد أوجه الخلل ومعرفة آلية وكيفية معالجتها والسيطرة عليها ومن ثم التغلب عليها وتفاديها وتجنبها وتجنب أثارها في الفترات القادمة.
وللأسف تتجه بعض المؤسسات إلى تخفيض النفقات لبعض ما يظنون أنها أوجه إنفاق يمكن الإقلال في الإنفاق عليها دون أن يؤثر ذلك لا من قريب أو من بعيد علي المؤسسات وعلى مدى كفاءتها ويتجهون بقوة تجاه ما يتم إنفاقه على العنصر البشري ظننا بهذا أنهم يرشدون في عملية الإنفاق ويغفلون أنهم بهذا يؤدون وعلى المدى القريب والبعيد على إضعاف العنصر البشري والوصول به إلى أنه لا يستطيع مواكبة كافة أوجه التطور إذا كان هذا على مستوى التطور التكنولوجى أو مستوى التطور المهني أو المستوى الإداري أو غيرها من النواحي المختلفة التي تطور في حياتنا لحظة بعد لحظة فتنتج فجوة بين قدرات الأفراد والاحتياجات المطلوب تحقيقها وأيضا هذا يؤدى بنا إلى مزيد من التدني في معظم المستويات ولذا ينبغى أن نحذر كل الحذر من الوقوع في هذا النفق المظلم الذي يؤدي بنا إلى مزيد من التدهور وأيضا مزيد من الخسارة .
أما متى يكون التوفير بقلة الإنفاق فهو بعيدا كل البعد عن الصواب عندما يكون التوفير بدون أى داعٍ أو مبرر أو يكون بدون أي دراسة مما يؤدي إلى العديد من المشاكل والأزمات التى تحدث نتيجة هذا الاتجاه إلى التوفير بشكل غير مدروس مسبقا وبشكل يؤدي إلى خلق مزيد من التدهور للقطاعات والمؤسسات .
الأمر لا هذا ولا ذلك أن التوفير ممكن أن يكون مدروسا دراسة كافية ووافية لأنه قد يتطلب التوفير في بعض الأحيان مزيد من الأنفاق حتى يتم رفع الكفاءه وقدرتها مما يؤدي إلى حسن استخدام الموارد المتاحة على سبيل المثال والذي يؤدي بالتبعية إلى تعظيم الربحية فيما بعد لكلا من الأفراد والمؤسسات والقطاعات فعلينا أولا أن ندرس كافة العوامل المؤثرة على القطاعات والمؤسسات داخليا وخارجيا دراسة مستفيضة قبل الشروع في عملية تخفيض الانفاق لأيهما وهذا حتى يتثني لنا الوقوف على نقاط الإسراف الحقيقة أو أي إهدار يتم على إحدى هذه القطاعات أو المؤسسات والذي ينتج عنه حدوث فجوة بين المراد تحقيقه والذي يتم على أرض الواقع .
ويرى البعض في غالبية دولنا العربية أن الاتجاه إلى ترشيد الإنفاق في العنصر البشري هو أولى الأولويات التي يلجأ إليها فيكون هذا إما بتخفيض الرواتب فى بعض الأحيان وإما أن يكون عن طريق الانصراف عن العنصر البشري ذي الخبرة والذي يكلف القطاعات والمؤسسات رواتب أكبر عن طريق إحلال هؤلاء الذين يمتلكون الخبرة بأخرين أقل منهم في الخبرة والمعرفة وبما يؤدي إلى تقاضيهم رواتب أقل وهذا من وجهة نظرهم سيؤدي إلى تخفيض النفقة ولكنهم قد يغفلون أن هذا في حقيقة الأمر سوف يؤدي إلى مزيد من الخسارة على المدى القريب بل والبعيد أيضا وسوف يحتاج الأمر إلى رفع كفاءتهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى إنجاز المهام المكلف بها على الوجه الأمثل بل والوصول إلى الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وهذا سوف يحتاج إلى مزيد من النفقة والوقت حتى يتثنى لهم الوصول إلى المستوى المطلوب وهذا ليس بالأمر اليسير أو الهين فسوف تكلف هذه الفترة القطاعات والمؤسسات مزيدا من الخسارة وأيضا مزيدا من النفقات وهذا بالطبع أمر طبيعى بعد الاتجاه لمثل هذا الأمر بشكل غير مدروس مسبقا لكافة جوانبه ودراسة كافة النتائج المترتبة عليه .
إن الاستثمار في العنصر البشرى أمر في غاية الأهمية مع أن بعض القطاعات والمؤسسات تعزف عنه في الوقت الحالي نعى أنه يوجد العديد من الضغوط الاقتصادية والتي تؤثر بطبيعة الحال على القطاعات والمؤسسات ولكن ينبغي العمل على ترشيد الأنفاق وليس تقليل الأنفاق على العنصر البشري والذي يعد من أهم العناصر اللازمة لكل من القطاعات والمؤسسات ويكون هذا بحسن الإنفاق باختيار العناصر المؤهلة والقادرة على رفع كفاءتها واختيار البرامج المناسبة لهم والعمل على رفع كفاءتهم وبما يعود على القطاعات والمؤسسات بالنفع وبما يعود على بلادنا العربية بالمنفعة وهنا ينبغى أن يكون الترشيد في اختيار العناصر القابل للتدريب لرفع كفاءتها وأيضا يكون الترشيد في اختيار البرامج المناسبة وينبغي أن يكون هناك أساس بين خبرات وقدرات كل عنصر بشري وبين البرامج المستهدف تدريبه عليها حتى تؤدى بصورة جدية إلى رفع كفاءته .
نحتاج بكل جد من الآن أن نتجه إلى ترشيد الإنفاق وليس تقليل الإنفاق حتى نستطيع الحفاظ على كل من القطاعات والمؤسسات من التدهور والانهيار وأيضا للحفاظ على العنصر البشري قادرا لمواكبة كل التطورات المتلاحقة في كافة المجالات هكذا يتم ترشيد الإنفاق على سبيل المثال لكن وقف البرامج التدريبية كلية سيؤدي إلى خلق فجوة بين كل أوجه التطور المتواجدة من حولنا هنا وهناك وبما يؤدي في القريب العاجل لأن تحتاج القطاعات والمؤسسات إلى استقدام عمال مدربين على أعلى مستوى على هذه التطورات التي طرأت داخل أو خارج القطاعات والمؤسسات وهذا سوف يسبب مزيدا من الإنفاق بل وسيؤدي بالتبعية إلى عدم الاعتماد على العنصر البشري من أبناء البلد ذاتها بما فيه من خلق مشاكل وأزمات أخرى مثل البطالة على سبيل المثال لا الحصر كانت البلاد في غنى عنها ولكن التفكير الخاطىء يمكن أن يؤدي إلى أسوأ من ذلك بكثير .
فالتمهل قبل الإقدام على أي قرار مصيري ينبغي عليه أن يدعم بمزيد من الدراسة والتحليل والتدقيق حتى نجنب أنفسنا ويلات القرارات غير مدروسة والتي نحن في غنى عنها بأي حال من الأحوال وينبغي علينا أن نعلم جميعا أنه ليس كل تقليل ترشيد وأيضا ليس كل مصروف إهدار فلربما كان الإنفاق هو الترشيد بعينه عندما يكون في محله وربما كان التقليل في الإنفاق هي الخساره بعينها .

د. صلاح الديب
رئيس المركز العربي للاستشارات وإدارة الأزمات وخبير إدارة الأزمات في مصر والوطن العربي
[email protected]