[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” .. إذا كانت وكالات الأنباء والفضائيات تتحدث عن اقتراب داعش من بغداد بحوالي 70 ميلاً (لاحظ ميل الإعلام إلى التهويل وبث الخوف وكأنه التعاون مع داعش)، فإن للمرء أن يفترض بأن هذا الاقتراب إنما يشكل مناورة عسكرية خطيرة: فداعش تبدو وكأنها تتوجه إلى بغداد ولكن أعينها متجهة نحو كركوك و"بابا كركر" حيث منابع النفط الغزير.”
ـــــــــــــــــــ
عندما طالب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الحكومة العراقية بحل مشاكلها مع بقية المكونات الاجتماعية العراقية، شرطاً مسبقاً للتدخل الفاعل الذي يهدف إلى "عدم السماح للإرهاب بإيجاد موطئ قدم له في العراق"، فإنه لم يغادر الواقع، لأنه يدرك جيداً أن الانهيار المرعب والفظيع الذي شهدته مدينة الموصل (ثالث أهم مدينة في العراق، بعد بغداد والبصرة) لم يكن ليحدث لولا وجود حاضنة اجتماعية/نفسية مؤاتية لداعش لأسباب عدة، من أهمها الشعور بالتهميش والضغط النفسي والاحتجاج الاجتماعي اللذين حديا ببعض "المصالوة" (أهل الموصل) لأن يكونوا هدفاً رخواً وميسراً لداعش من خلال امتطاء ذلك الضغط والاحتجاج والتذمر لتحقيق أهداف عسكرية فورية وسياسية بعيدة المدى، فيما بعد. ناهيك عن حقيقة إصرار الحكومة العراقية على جلاء القوات الأميركية فيما سبق، دون التأكد من قدراتها على مواجهة حالات خطيرة من هذا النوع. والحق يقال، كان الاستنجاد بالدعم الأميركي في هذه الأزمة يبدو مربكاً ومتناقضاً عما سبق من مواقف أريد منها الاستعراض لا تحقيق الأغراض الواقعية. كان ينبغي على أولي الأمر أن "يحلبوا" قوات الاحتلال حتى آخر قطرة، وليس استعجالها على الجلاء.
وإذا كانت وكالات الأنباء والفضائيات تتحدث عن اقتراب داعش من بغداد بحوالي 70 ميلاً (لاحظ ميل الإعلام إلى التهويل وبث الخوف وكأنه التعاون مع داعش)، فإن للمرء أن يفترض بأن هذا الاقتراب إنما يشكل مناورة عسكرية خطيرة: فداعش تبدو وكأنها تتوجه إلى بغداد ولكن أعينها متجهة نحو كركوك و"بابا كركر" حيث منابع النفط الغزير. لذا يحافظ قادة هذا الجيش الإرهابي الخطير على زمام المبادرة وعلى القدرة لتحقيق مفاجآت تشبه ما يفعله لاعبو كرة القدم عندما يغيرون وجهة الكرة فجأة بعد حشد اللاعبين الخصوم باتجاه معين.
والجميع يعلم حقيقة مفادها أن "الحرب خدعة" وان الأخطر ما في الخدعة هو أن الخصم لا يعلم على نحو الدقة ماذا يدور في خلد خصمه ومن أين ستأتيه اللكمة، خاصة وأن ادعاء أحد قادة داعش بأن المعارك الدموية الطاحنة إنما ستدور في بغداد وفي كربلاء، كان ادعاء يراد منه المناورة والاستغفال كي تقوم الدولة بحشد قواتها وآلاف المتطوعين المتجحفلين معها لصد هجمة "داعش" في الموضع الخطأ، ليتسنى لها "قلب" اتجاه التقدم نحو هدف آخر. وللمرء أن يلاحظ كراهية داعش وقياداتها للأكراد ولحلمهم القومي.
هذه هي فرضيتي الأساس، اي اني أتوقع أن تتجنب "داعش" حمام الدم ببغداد، فهي ليست بحاجة مباشرة وطارئة لمثل هذه المواجهة الدموية اليوم. هي تريد أن تراكم ثروة كافية من عائدات النفط لاستمالة من يمكن استمالتهم في بغداد أو كربلاء قبل بدء هاتين المواجهتين اللتين تعبدا الطريق نحو الكنز الأكبر، خبئ عبر حقول نفط الجنوب الأسطورية، حوالي مدينتي العمارة والبصرة، مفتاحاً لـ"مغازي العالم الإسلامي" الذي ترنو داعش لتوحيده في "دولة خلافة" هي جزء من حلم الأسلاف الذي يتموضع في قلب منطق التكفير، باعتبار أن من "لا يشاركنا الحلم"، إنما هو ضال ويستحق دق الأعناق واستباحة الأعراض والثروات، سوية مع أقرانه من "الكفار" و "المشركين"!