[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” هناك تحديات تنتظر الدول المستقبلة لفلول التنظيمات الإرهابية العائدة من مناطق القتال وتشكل حالة المقاتلات الأجنبيات "الأمهات" مع داعش أعقد حالات التعاطي مع من خرجوا من كهوف التنظيم، فكيف يتم التعامل مع أطفال ترعرعوا في كنف تنظيمات إرهابية متطرفة وبدأت دول أوروبية بالفعل الاستعداد لعودة مواطنيها الذين تورطوا مع "داعش" في سوريا والعراق ـ”

المرأة هي أكثر من يدفع ثمن الحروب والصراعات, بحسبها الحلقة الأضعف في المنظومة الاجتماعية ويقع على عاتقها رعاية الأسرة وتربية الأبناء, ولكن أحيانا تكون المرأة جزءا أصيلاً في العنف والإرهاب, وشاهدنا كثيرا من قضايا القتل والثأر تكون المرأة ( الزوجة أو الأم أو الجدة), هي المحرض الرئيسي على ارتكابها.
كشفت الحرب التي خاضها الجيش العراقي مؤخرا لانتزاع الموصل من قبضة "داعش", وجود مئات المقاتلات الداعشيات الأجنبيات المتورطات بشكل مباشر في أعمال القتال تنفيذا لأوامر قادة التنظيم الذين سعوا لتجنيد الشباب من الجنسين من كل أنحاء العالم عن طريق إغرائهم بالمال والزواج والإقامة في عاصمة دولة الخلافة.
مقاتلات من الشيشان وروسيا وأستراليا وكندا ودول أوروبا الغربية ومن الدول العربية, يقبعن في سجون العراق انتظارا لمعرفة مصيرهن بعد سقوط دولة الخلافة المزعومة ومقتل وفرار معظم القادة والمقاتلين العرب والأجانب لخارج العراق.
سيتم محاكمة الداعشيات العراقيات والعربيات وفقا للقانون العراقي سواء كانت محاكمات مدنية أو عسكرية ولا أعتقد أن هناك دولة عربية ستعترض على سجن أو حتى إعدام داعشية ثبت تورطها في القتال مع هذا التنظيم الذي أصبح العدو الأول لمعظم الدول العربية وأصبح مقاتلوه من الجنسين غير مرحب بعودتهم أحياء إلى أوطانهم الذين ضحوا بها من أجل الخلافة المزعومة.
المشكلة في وجود المقاتلات الأجنبيات ضمن المقبوض عليهن, وطرحت الصحافة الغربية مؤخرا سؤالا حول استطاعة القضاء العراقي التعامل مع تلك القضايا بالطرق التي تتماشى مع القوانين التي تكفل للمتهمات محاكمات عادلة وفق مبادئ حقوق الإنسان الأوروبية, ففي أوروبا يظل المواطن يتمتع بكافة حقوقه الدستورية مهما اقترف من جرم ما دام يحمل الجنسية الأوروبية.
ورغم الوحشية التي تعرض لها المدنيون تحت الاحتلال الداعشي وانتهاك حقوق الإنسان والحيوان بداية من القتل والتنكيل وسوء المعاملة لأهل الموصل في سجون داعش التي شيدوها لمعاقبة المخالفين لهم في الرأي أو الزي أو التفكير واتخاذهم النساء والأطفال دروعا بشرية قبل سقوطهم وتفجير المساجد والأماكن الأثرية ونشرهم الجهل والتخلف إلا أن منظمات حقوق الإنسان في أوروبا تتحدث عن ضمانات لمقاتلات داعش وتوفير محاكمات نزيهة لا تقضي بالإعدام, وتتواصل القنصليات الأوروبية مع المعتقلات لتقديم المساعدة القانونية والتأكد من ظروفهن المعيشية داخل السجن .
ومن القصص التي نشرت واهتمت بها الصحافة الغربية, قصة المرأة الفرنسية وأطفالها الأربعة الذين وقعوا في الأسر, وبينما تواجه الأم اتهامات بالإرهاب لدخولها العراق بصورة غير قانونية والانضمام لـ" داعش", لا يعرف مصير الزوج ولا جنسيته وهل قتل في معارك الموصل أم كان من الفارين؟! ولكن الحكومة الفرنسية طلبت من السلطات العراقية تسليم الأطفال إلى فرنسا ولم تعرب عن اهتمامها بإعادة المرأة لمسقط رأسها.
بغض النظر عن تفاصيل قصص تورط النساء مع "داعش", يصعب جدا إثبات تهم انضمام أو تعاون النساء مع التنظيم الإرهابي, وستظل الوقائع غامضة مع ضخامة الحشود التي فرت من الموصل طوال الشهور الماضية واستمرار حكم داعش لما يزيد عن ثلاث سنوات, وحالة الفوضى التي عادة ما تستمر عقب النزاعات الشديدة, ويظل الأساس الذي يتهم النساء بالانضمام أو التعاون مع داعش أو غيرها من الجماعات الإرهابية مبنيا على ادعاءات فردية إلى حد كبير وربما يتحول إلى مجال للانتقام أو نفاذ الأحكام الطائفية أو التعسفية.
على الجميع الانتظار واحترام الأحكام القضائية, بعد تأكيد الحكومة العراقية أن الإجراءات القانونية التي ستتبعها المحاكم العراقية عند النظر في القضايا المتعلقة بانضمام أو تعاون النساء مع داعش سيراعى فيها المعايير المهنية الدولية ومراعاة حقوق الإنسان, مع الإقرار بصعوبة الحصول على أدلة الإدانة أو البراءة في مثل هذا النوع من المحاكمات.
هناك تحديات تواجه النساء عندما يصبحن زوجات لمقاتلي "داعش" لينخرطن في العنف ويشاركن في القتال الفعلي إلى جانب التنظيم , وفي هذه السياقات هناك أسئلة افتراضية معقدة مثل:هل ينبغي لنا أن نفترض أن المرأة التي أعلنت ولاءها للتنظيم قد اتخذت قرار الانضمام دون إكراه أو إملاءات أم أنها انضمت نتيجة ضغوط عائلية أو زوجية تفرض عليها إطاعة الزوج , ولأنها لا تملك خيار الرفض أو مغادرة المكان خوفا من التهديد بالقتل وخوفاً على أولادها مما يصعب عليها عمليا ترك الزوج أو المكان الذي تمارس فيه الأعمال الإرهابية.
ومع ذلك سيكون من السذاجة الافتراض أن جميع النساء الداعشيات أجبرن على الانضمام للتنظيم أو تعرضن لتهديدات لترك أوطانهن الآمنة طواعية والالتحاق بشريك تعارفن عليه عبر العالم الافتراضي, أو افتراض أن المرأة دائما بريئة ويصعب انخراطها في أعمال العنف لمجرد كونها أنثى أو أماً أو كليهما معا , فقد شاهدنا نماذج لنساء لم تمنعهن الأنوثة ولا الأمومة عن ممارسة العنف وارتكاب أبشع الجرائم.
هناك تحديات تنتظر الدول المستقبلة لفلول التنظيمات الإرهابية العائدة من مناطق القتال وتشكل حالة المقاتلات الأجنبيات "الأمهات" مع داعش أعقد حالات التعاطي مع من خرجوا من كهوف التنظيم، فكيف يتم التعامل مع أطفال ترعرعوا في كنف تنظيمات إرهابية متطرفة وبدأت دول أوروبية بالفعل الاستعداد لعودة مواطنيها الذين تورطوا مع "داعش" في سوريا والعراق ـ سواء كانوا ذكورا أوإناثاًـ بإنشاء مراكز للرعاية الاجتماعية والنفسية , لمحاولة إدماج العائدين في المجتمع وفصل أبنائهم عنهم وإخضاع الأطفال لعلاج نفسي وتأهيل اجتماعي , لتخليصهم من الصور المفزعة لمشاهد القتل والعنف التي علقت بذاكرتهم خلال وجودهم رفقة آبائهم بمناطق القتال في سوريا والعراق .
أما في العراق وسوريا فالوضع معقد فكثير من الأطفال الذين شاهدوا آباءهم أو أخوتهم الكبار يُقتلون, لن يكون من السهل إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع, قبل تصحيح الأفكار التي يحملها هؤلاء الصغار, فكثير ممن انضموا لـ "داعش" في العراق من أهالي الموصل كان دافعهم رفض الظلم والتمييز والتدخل الأجنبي واعتباره احتلالا وسقطوا في أسر الدعاية التي روجها "داعش" عن نصرة المستضعفين و إقامة الخلافة وطرد الكفار من بلاد الإسلام.
هذه الأفكار لن يتم محوها بمجرد سقوط "داعش" في الموصل أو طرده من الرقة وإذا تركت الأجيال التي تشربت هذه الأفكار ـ دون تصحيح هذه المفاهيم التي ورثوها عن آبائهم سيتحولون لقنابل موقوتة جاهزة لنشر الموت والخراب في أي مكان يحلون به طال الزمن أو قصر , لو استطعنا إقناع الأمهات بفساد منهج "داعش" ومخالفته لصحيح الدين وأن ظهوره لم يجلب سوى الخراب والدمار للبلاد التي حل بها , سيسهل اقتلاع الأفكار المتطرفة من عقول الأبناء .

[email protected]