[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
” إن الواقع الصعب والمرير الذين يُحيط بأبناء فلسطين في سوريا، يتطلب من الجهات الرسمية الفلسطينية والعربية، وجامعة الدول العربية، التحرك وعلى أعلى مستوياتها من أجل دَفع المجتمع الدولي للتبرع السخي لوكالة الأونروا ورفد ميزانيتها العامة، ورفعها، حتى يُمكن لها الاستجابة للمهام المطرحة على جدول أعمالها داخل مجتمع لاجئي فلسطين ليس في سوريا فقط بل وفي لبنان والقطاع،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أيامٍ خلت، استلم كاتب هذه السطور، ومن مركز توزيع وكالة الأونروا في مخيم جرمانا في ريف دمشق الجنوبي الملاصق لمدينة دمشق، الدفعة الجديدة من مساعدات وكالة الأونروا المقدمة للاجئي فلسطين في سوريا. فالدفعة الجديدة كانت مالية، وعينية غذائية، تُسهم بشكلٍ مقبول في إعالة عموم الناس من أبناء فلسطين الذي طالتهم الأزمة في وطنهم الثاني سوريا، لابل وطنهم الكبير.
لقد مَرت خمسِ سنواتٍ على محنةِ لاجئي فلسطينيي سوريا في معمعان الأزمة ولهيبها المُستعر. وقد انخفضت أعدادهم بشكلٍ كبير نتيجة الهجرات الخارجية التي تَمّت الى خارج سوريا، وامتدت لمختلف أصقاع المعمورةِ الأربع، من دول القارة الأوروبية حتى كندا وصولاً الى استراليا ونيوزلندا.
ووفقاً للمُعطيات المُتوفرة من عدةِ مصادر ومنها وكالة الأونروا، والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وبعض المصادر الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية، فقد كانت أعداد أبناء فلسطين في سوريا بدايات الأزمة تقارب نحو(540) ألف لاجىء فلسطيني مُسجّل في سوريا منذ عام النكبة 1948، وهم كالمواطنين السوريين وفق القوانين السورية، ومُعظمهم من لوائي الجليل وحيفا شمال فلسطين المحتلة عام 1948، يُضاف اليهم نحو (160) الف مواطن فلسطيني من حملة الوثائق اللبنانية والعراقية ومن أبناء فلسطين من قطاع غزة والضفة الغربية والأردن، لكن أعدادهم الحقيقية انخفضت الآن بشكلٍ مُريع، وباتت تقارب نحو (340) ألف فقط، ومُعظمهم مُهجّرين داخل سوريا بعد أن أستبيحت مُعظم المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، وخاصة منها مخيم اليرموك الواقع إلى الجنوب قليلاً من مدينة دمشق، وهو أكبر تجمع فلسطيني في الشتات على الإطلاق، كذلك مخيم درعا جنوب سوريا، ومخيم حندرات شمال مدينة حلب. وقد أشارت وكالة الأونروا في معطياتها المنشورةِ مؤخراً بأن نحو (254) ألف لاجئ من فلسطين في سوريا ممن أصبحوا نازحين ومهجرين داخلياً، وبحاجةٍ ماسة وعاجلة لكلِ أشكالِ الإغاثةِ خاصة الغذائيةِ منها.
الواقع الراهن للاجئي فلسطين في سوريا، أصعب من التصوّر، وقد نَزَلت الكارثة السورية على الغالبية الساحقة منهم بأبشع صورها وأقساها، كما نَزَلت على أشقائهم المواطنين السوريين، الذين تهجّر عدد كبير منهم داخل البلاد وحتى خارجها.
وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى والمعروفة باسم (الأونروا) قامت ومازالت تقوم بدورٍ كبير ومؤثر، في المساعدة على التخفيف من وَقًعِ الأزمة وتداعياتها على أبناء فلسطين في سوريا، من خلال برامجها الطارئة والمُستعجلة المطروحة على جدول اعمالها اليومي، في تقديم المساعدات النقدية، والمساعدات العينية الغذائية بشكلٍ دوري ومستديم على أربعِ دفعاتٍ خلال العام الواحد، منذ منتصف العام 2012 وحتى الآن. عدا عن إدارتها لعددٍ من مراكز الإيواء الموجودة بدمشق، والتي يُقيمُ فيها مئاتِ العائلاتِ ذاتِ العُسرِ الشديد من لاجئي فلسطين في سوريا، كمركز إيواء حيفا والمجدل بمنطقة المزة، ومركز إيواء الــ (DTC) التابع للوكالة بدمشق.
فوكالة الأونروا تُدير الآن وسط مجتمع لاجئي فلسطين في سوريا، برنامجين للتوزيع الطارئ : برنامج غذائي وبرنامج نقدي، وأن التبرعات المقدمة من المانحين مثل مكتب العمليات الأوروبي للحماية المدنية والمساعدات الإنسانية، تتيح للوكالة توزيع مخصصات نقدية للاجئي فلسطين المُعرضين للمخاطر في سائر أرجاء سوريا. حيث تقول مصادر الوكالة ومعطياتها المتوفرة إلى أن نحو(340) ألف فرد، منهم نحو (254) مُهجّرون داخلياً، يعتمدون بالكامل على المعونة الطارئة النقدية والعينية التي تُقدمها وكالة الأونروا.
الوكالة تقوم ايضاً بتنفيذ برامجها الاعتيادية التي لم تتوقف في الصحة والتربية والتعليم والإغاثة الاجتماعية، حيث قامت الوكالة بافتتاح عشرات المدارس البديلة عن المدارس التي دُمّرت أو تضررت في عددٍ من المخيمات والتجمعات الفلسطينية، واستطاعت بذلك أن تُصحح مسار التربية والتعليم بالرغم من هول الكارثة التي وقعت، والأضرار الكبرى التي طالت مؤسسات الوكالة وبناها التحتية كالمدارس والمستوصفات ومراكز التأهيل والمنتديات الاجتماعية في أكثر من مكان، وخاصة مخيم اليرموك، حيث طاولت عملية التدمير نحو40 من منشآت الوكالة، والتي كانت قد خرجت عن الخدمة أصلاً منذ منتصف العام 2012 نتيجة استباحة اليرموك.
ومؤخراً، وعلى لسان ناطقٍ رسمي بها، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) "إن 95% من لاجئي فلسطين في سوريا بحاجةٍ إلى المعونةِ الطارئةِ التي تُقدمها المنظمة الدولية". وكانت الوكالة بدايات عام 2017، قد ناشدت المجتمع الدولي للحصول على (411) مليون دولار من أجل تلبية استجابتها الإنسانية للأزمة السورية، على أن يتم تخصيص (329) مليون دولار منها لدعم لاجئي فلسطين في سوريا الذين لا يزالون داخل البلاد، والباقي من أجل لاجئي فلسطين في سوريا الذين وصلوا الى لبنان منذ منتصف العام 2012، واقاموا الى جانب أبناء شعبهم من لاجىء فلسطين في لبنان.
وعليه، إن الواقع الصعب والمرير الذين يُحيط بأبناء فلسطين في سوريا، يتطلب من الجهات الرسمية الفلسطينية والعربية، وجامعة الدول العربية، التحرك وعلى أعلى مستوياتها من أجل دَفع المجتمع الدولي للتبرع السخي لوكالة الأونروا ورفد ميزانيتها العامة، ورفعها، حتى يُمكن لها الإستجابة للمهام المطرحة على جدول أعمالها داخل مجتمع لاجئي فلسطين ليس في سوريا فقط بل وفي لبنان والقطاع، حيث الوضع الصعب للاجئي فلسطين هناك أيضاً.
لقد أدى الضغط الأميركي "الإسرائيلي" على الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقدام الجمعية على شطب البند المتعلق بمشروع قرار قدمته وكالة الأونروا لزيادة تمويلها. وجاء شطب البند نتيجة ممارسة ضغوط أميركية وصهيونية على الجمعية العامة مستغلة تعيين السفير السابق للكيان "الإسرائيلي" المحتل في الأمم المتحدة في منصب نائب رئيس الجمعية العامة ومن صلاحياته التحكم في بنود جدول الأعمال من جهة، ومن جهة أخرى استمراراً لمنهجية عمل الكيان المحتل في محاولة إنهاء خدمات الوكالة كمقدمة لشطب قضية اللاجئين وحق العودة والتي عبر عنها رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو بوضوح حين طالب سفيرة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي مطلع حزيران/يونيو الماضي 2017 بالعمل على تفكيك وكالة الأونروا.
وفي هذا السياق أيضاً، يترتب على الجهات الرسمية العربية والفلسطينية، وبالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء في المجتمع الدولي، التصدي لمحاولات منع رفع وزيادة الميزانية العامة للوكالة، حيث تسعى دولة الاحتلال "الإسرائيلي" لمنع تمرير قراراتٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن زيادة ميزانية الوكالة، بل وتعمل في كواليس الدبلوماسية السرية ومنذ وقتٍ طويل على طرح مسألة إنهاء عمل وكالة الأونروا، وإحالة وظائفها للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين (سوريا + لبنان + الأردن + السلطة الفلسطينية)، وذلك لقتل الشاهد التاريخي والأممي على الكارثة الفلسطينية التي وقعت عام 1948.