تكرار الجولات العربية للتواصل مع الإدارة الأمريكية "تعبئة في إناء مثقوب"

ممارسات دولة الhحتلال "إرهابية".. والصهيونية تروج للتطرف بالمنطقة

مقدمة:
في ظل انشغال عربي بأزمات الشرق الأوسط، وتصاعد الخلافات الخليجية، تعكف إسرائيل على صياغة أنماط من التهويد والاستيطان الممنهج لطمس القضية الفلسطينية ووأدها مدى الدهر؛ وكان آخر الأحداث هو منع الصلاة في المسجد الأقصى لمن هم دون الـ55 عاماً ووضع بوابات اليكترونية عند مداخل المسجد لمنع عبور المصلين دون موافقة أمنية اسرائيلية.
الإجراءات الإسرائيلية تصاعد معها حجم الغضب والمواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، وشهدت زخماً عربياً وعالمياً، فاستفاق العرب والعالم المتحضر لإحياء مطالب الشعب الفلسطيني، وفى مقدمتها إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف .
ورغم البداية المنحازة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلا أنه ما فتىء يطرح مشروع جديد للتسوية يتضمن مباحثات وزيارات ولقاءات مع زعماء الشرق الأوسط، لكن تل أبيب دائما تراوغ وتحاول إبعاد الأطراف الفاعلة عن إيجاد عملية سلام حقيقية ولو كانت مجرد بارقة نور لحل القضية الفلسطينية.
أطروحات الجولات:
كانت زيارة الرئيس الفلسطيني أبومازن للولايات المتحدة ولقاؤه مع الرئيس الأميركي في الثالث من مايو هذا العام مؤشرا طيبا لعودة القضية الفلسطينية على الأجندة الأميركية بعد غياب طويل حيث اقتربت المرحلة الأولى للإدارة الأميركية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أنه كان قد سبقها لقاءات مهمة لكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي، الأمر الذي يطرح طبيعة جديدة للمرحلة القادمة في التحرك على المسار الفلسطيني بعد أن تعرف الرئيس ترامب بصورة مباشرة وتفصيلية على مواقف أهم الأطراف المعنية بالقضية.
تباعد أميركي:
ومن اللافت للنظر عندما تحدث الرئيس ترامب عن إنجازات فترة المائة يوم الأولى من حكمه لم يكن للشرق الأوسط نصيب فيها سوى العملية الأميركية ضد سوريا بعد حادث (خان شيخون)، وحرص الرئيس الأميركي على أن يرسل في مارس الماضي أحد مبعوثيه للمنطقة جيسون جرينبلات حيث التقى القيادات الفلسطينية والإسرائيلية واستمع إلى رؤاهم المختلفة حول أنسب أساليب التحرك في المرحلة القادمة.
وفى الأزمة الخليجية التي اندلعت منذ ما يقارب شهرين، أرسل وزير خارجيته فى جولات مكوكية شملت أطراف الخلاف من دول مجلس التعاون الخليجي، كما استقبل مبعوث معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية وتناول معه الأوضاع الإقليمية خاصة المتعلقة بالخلاف الخليجي.
ورغم التأييد الواضح في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وهو ما شوهد خلال أول لقاء بين ترامب ونيتنياهو واعتزام الرئيس الأميركي القيام بزيارة لإسرائيل، إلا أن واشنطن لم تتحرك حتى الآن في اتجاه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما أنها أبدت عدم ارتياحها إزاء سياسة نيتنياهو الاستيطانية، وأكدت أن هذا الملف لا يزال مفتوحاً في نقاشات تجريها الإدارة مع إسرائيل دون أن يصل الأمر إلى حد الأزمة.
تقييم الزيارات:
ولعل تقييم زيارات بعض قادة المنطقة إلى واشنطن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يمكن استخلاص منه ما يلي :
أولاً: أن هذه الزيارات أكدت للإدارة الجديدة أن القضية الفلسطينية تمثل القضية العربية المحورية التي لابد أن تجد طريقها للحل مهما تصاعدت حدة بعض القضايا الإقليمية الأخرى.
ثانياً: أن هناك اجماعاً عربياً على أن حل الدولتين يعد الحل الأمثل للقضية وأن مبادرة السلام العربية تمهد الطريق أمام تسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي.
ثالثاً: أن هناك توافقاً عربياً ـ أميركياً على مواجهة الإرهاب في المنطقة وأن حل القضية الفلسطينية يمثل أهم أدوات هذه المواجهة.
رابعاً: العودة بالولايات المتحدة لتكون بمثابة الشريك الكامل في عملية السلام في الشرق الأوسط.
الطرح العربي:
قد يكون الأمر إيجابياً عندما نرى أن الرئيس الأميركي لم يتخذ موقفاً سلبياً إزاء هذا الطرح العربي للحل بل أكد ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية لهذه القضية مع التزام الولايات المتحدة بذلك دون أن يصل الأمر إلى فرض هذه التسوية على الأطراف؛ لكن واشنطن لا تزال تعارض معارضة مطلقة لأي قرارات دولية ضد إسرائيل، فهناك نقطة مهمة وهى أن الرئيس ترامب لم يسقط مبدأ حل الدولتين ولكنه لم يعد خياره الوحيد للتسوية.
المرحلة السابقة شهدت تحركات رئيسية على ثلاثة محاور هي:
أولاً: تحرك إسرائيلي مع الإدارة الأميركية حاول من خلاله نيتانياهو تعظيم المخاوف من الإرهاب، والتوافق مع واشنطن لرفض أي حل للقضية الفلسطينية يتعارض مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية.
ثانياً: تحرك عربي جاد سعى إلى توضيح الصورة الواقعية للموقف مع شرح طبيعة المطالب العربية والفلسطينية لترامب، وربما تعزز موقف العرب نوعاً ما بعد زيارة الرئيس الأميركي التاريخية للسعودية وحضوره اجتماع الدول الإسلامية في الرياض، وهي أول زيارة خارجية له.
ثالثاً: تحرك أميركي اقتصر على استطلاع مواقف الأطراف مع تحديد أسس عامة للحل بعيداً عن التطرق إلى طرح تفصيلات أو عرض رؤى متكاملة، وهذا التحرك هو نهج السياسة الأميركية على مدار عدة قرون.
قوة الدفع التي أوجدتها التحركات العربية مع الإدارة الأميركية، وتحديداً لقاءات الزعماء العرب الثلاثة الرئيس المصري، والعاهل الأردني، والرئيس الفلسطيني، إضافة إلى لقاءاته بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض وولي عهده فى واشنطن، كانت فى ظاهرها ايجابية؛ لكن أزمة القدس الشريف وانتهاك حرمة المقدسات ومنع المصلين أعادت القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء؛ لكنها لم تجن أية ثمار من التحركات السياسية العربية، ولم تكن نتائجها مرجوة .
مسئوليات عربية:
وهناك مسئوليات محددة تقع على الجانبين العربي والفلسطيني ينبغي البدء في تنفيذها فوراً حتى لا تخف جذوة قوة الدفع التي اكتسبتها القضية الفلسطينية عقب تراجع إسرائيل عن وضع البوابات في ظل صمود شباب فلسطين أمام الهمجية العنترية لقوات الاحتلال، وتضمن خمسة مقترحات تسير كلها بالتوازي:
أولاً: تشكيل فرق عمل تتولى التواصل مع المسئولين المختصين في الإدارة الأميركية لاستكمال أي نقاشات مطلوبة أو بلورة خطط التحرك القادمة.
ثانياً: تحديد آليات للتحرك انطلاقاً من بنود المبادرة العربية للسلام.
ثالثاً: التنسيق مع كل الأطراف بهدف استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمرجعيات تسمح ببدء التفاوض.
رابعاً: الاستفادة من نجاحات القضية الفلسطينية التي مازالت تحققها على المستوى الدولي خاصة في الأمم المتحدة مثل قرار اليونسكو باعتبار القدس مدينة محتلة.
خامساً: مواجهة قيام إسرائيل بفرض سياسة الأمر الواقع في كل المناطق المحتلة دون أن يتصدى لها أحد سواء بالمفاوضات أو بالمقاومة حتى السلمية، ومن ثم تصبح عملية استئناف المفاوضات بمثابة التحدي والسلاح القوى المتاح للتصدي لقطار الاستيطان الإسرائيلي وايجاد قوة دفع ضاغطة تحقق مكاسب تفوق استمرار الوضع القائم الذي لا يخدم سوى إسرائيل.
المشروع الأميركي:
يحمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروعًا لحل المعضلة المزمنة؛ لكن الإسرائيليين يخشون إنعاش مسار تدويل قضية التسوية، ورغم انشغال العالم بالصراعات والحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ومآلات الخلاف الخليجي، تظل القضية الفلسطينية هي جوهر أزمات الشرق الأوسط، وهى الداء والدواء، ووضع حل شامل وعادل لها من خلال جهد دولي موسع ومنصف ودءوب، خطوة مفصلية في تصويب الحرب على التطرف والإرهاب في المنطقة.
وتبدو مشكلة ومعضلة جديدة على الساحتين العربية والدولية وهى أن مأساة الفلسطينيين وقضية الاحتلال أحد روافد جماعات الإرهاب المهمة منذ نشأتها إلى اليوم، فسياسية إسرائيل تروج للإرهاب، وتجنيد الجماعات والمنظمات الإرهابية للشباب يتم عبر رواية استخلاص الحقوق واسترداد الأرض ووقف الانتهاكات، ومن ثم تروج الأيديولوجية الإرهابية كمنقذ بديل وكمخلص للشعوب، ووظف تلك الرواية جميع قادة ومنظري الإرهاب دون استثناء بل ظلت هي الأقوى تأثيرًا وجاذبية على الإطلاق، وهذا خطر كبير علي الأمن والسلم الدوليين.
أم القضايا:
وأدرك العالم أن حل القضية الفلسطينية هو سبيله لتجفيف منابع الإرهاب، ودونالد ترامب رغم محمولات خطابه المقلقة ووعوده المبكرة المنحازة للرؤية الإسرائيلية يجد نفسه أمام فرصة تاريخية ليصبح راعى الحل الذي انتظره العالم لعقود طويلة، ويحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضي لأن إسرائيل ببساطة ستجد في تراجع أقوى داعمي رؤاها المتشددة ومواقفها المتصلبة سواء ما يتعلق بالاستيطان أو بالقدس أو بالدولة الواحدة ويهوديتها، أنها أمام أمر واقع مع الوضع في الاعتبار جملة المواقف الدولية سواء المحسوبة على دول أو منظمات داعمة للحقوق الفلسطينية وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 عام 2016 الذي يدين الاستيطان ويحرم إسرائيل من الأرض التي احتلتها عام 1967م ومؤتمر باريس في يناير 2017م الذي شاركت فيه 70 دولة وخمس منظمات دولية هي الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحادان الأوروبي والإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي.
يعاني العرب والفلسطينيون بل والعالم كله الآن من ردم ثوابت القضية الفلسطينية كقضية الشرق الأوسط الأولى ولذلك تلجأ القوى المتداخلة وصاحبة المصالح لإبرام التسويات والصفقات ووحدها ستكون التسوية الإسرائيلية الفلسطينية - إذا وضعت على بداية طريقها الصحيح - داعمة للتسويات التي تجرى تحت رعايات دولية وإقليمية في سوريا واليمن وليبيا، فالقضية الفلسطينية مازالت تحظى بموقع المركز رغم شواغل العرب المريرة على امتداد جغرافيتهم بالصراعات والنزاعات ومكافحة الإرهاب الغاشم.
مؤتمر باريس:
مؤتمر باريس يناير 2017م هو آخر فعالية دولية بعد مفاوضات عام 2014م الفاشلة وقبيل تنصيب الرئيس ترامب، تحتاج مقرراته وتوصياته لبعض التعديلات، وأيضًا لوضع آليات للتنفيذ عبر إشراف ورعاية دولية وعربية من خلال سياسات إجرائية تضمن تطبيق بنوده مع العلم بأن إسرائيل اعتمدت طوال السنوات الماضية لتضييع حقوق الفلسطينيين، وتخريب جهود التوصل لحلول مع الفلسطينيين والحيلولة دون تدخل أطراف دولية وإن تدخلت تحرص على ألا تتابع وتراقب سير المفاوضات فلا تلزم بتنفيذ تعهدات بعينها في مدى زمني محدد.
وربما يصلح البيان الختامي لمؤتمر باريس كأساس للبناء عليه في سبيل التوصل لتسوية شاملة ونهائية فقد ذهب إلى أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الدائم، وأكد أهمية أن يعيد الطرفان التزامهما لأخذ خطوات عاجلة من أجل عكس الواقع السلبي على الأرض بما في ذلك استمرار أعمال العنف والنشاط الاستيطاني للبدء بمفاوضات مباشرة وهادفة مع ضرورة أن يلبى مبدأ حل الدولتين طموحات الطرفين بما فيها حق الفلسطينيين بالدولة والسيادة وإنهاء الاحتلال وتلبية احتياجات إسرائيل للأمن.
وحل جميع قضايا الحل النهائي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967م وقرار 338 للعام 1973م وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة ومبادرة السلام العربية لعام 2002 كإطار شامل لحل الصراع العربي – الإسرائيلي مع دعم الخطوات الفلسطينية لممارسة مسؤوليات الدولة من خلال تعزيز قدراتها المؤسسية وتقديم حوافز سياسية واقتصادية ومشاركة أوسع في الاستثمار في القطاع الخاص ودعم المزيد من الجهود من قبل الأطراف لتحسين التعاون الاقتصادي والاستمرار بالدعم المالي للسلطة الفلسطينية لبناء البنية التحتية لاقتصاد فلسطيني قابل للحياة وتعزيز الحوار بين الأطراف وإعادة إحياء الرأي العام وتعزيز دور المجتمع المدني لدى الجانبين وهو ما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للطرفين.
الخلاصة:
كل هذه المحاولات تواجه برفض الإسرائيليين رسميًا وشن هجمات على منظمي المؤتمرات لتحفيز واشنطن لتتدخل لصالح إسرائيل من خلال صيغ أكثر انحيازا لها، والوضع الآن مختلف فلم تنجح إسرائيل ولا حليفتها الولايات المتحدة في صرف الاهتمام الدولي بفلسطين، لكن العرب عليهم الإسراع نحو التسويات فيما بينهم بعد أن استنزفت قواهم المادية والفكرية والسياسية والأمنية، فمن غير المقبول التخاذل الرسمي إزاء المواجهات عند بوابات المسجد الأقصى، ثم الخروج لوسائل الإعلام للتباهي بالنصر عقب تراجع القوات الإسرائيلية أمام الصمود الفلسطيني.
كما أن عقيدة الاحتلال الإسرائيلي أنهكت مختلف القوى في الداخل الفلسطيني، فهي تضع من يعوق التوصل لتسويات متوازنة ومن يدعمه في شبه عزلة دولية.

أيمن حسين