[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author]
”هناك عدة أسباب لضعف المحتوى العربي على الإنترنت، منها أن كثيرا من الإنتاج العربي ما زال ورقيا أو "ماديا" بشكل أو بآخر ولم يتحول إلى محتوى رقمي يمكن تحميله على الانترنت. كما أن انتشار الاتصال بالانترنت في المنطقة بدأ متأخرا بعض الشيء عن بقية العالم، وجاءت الفورة الكبيرة في انتشاره عربيا مع تراجع أجهزة الكمبيوتر لصالح الأجهزة الصغيرة ـ”

منذ بداية انتشار الانترنت قبل نحو عقدين من الزمن وهناك ملاحظة لا تتغير للأسف وهي أن "المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية الدولية متواضع جدا وأقل بقليل بما يمثله الناطقون باللغة العربية كنسبة من سكان الأرض. في العقد الأخير، ومع الانتشار السريع لما تسمى "مواقع التواصل الاجتماعي" مثل فيسبوك وتويتر، بدا وكأن المحتوى العربي على الانترنت تزيد نسبته أخذا في الاعتبار حجم استخدام العرب لتلك المواقع والذي يعتبر في بعض الأحيان الأعلى في العالم. لكن يبدو أن تلك المساهمات باللغة العربية على مواقع التواصل لا يحسب ضمن "المحتوى" على الانترنت ـ والواضح أن المحتوى هو ما ينشر على المواقع والمدونات وقنوات يوتيوب، وفي هذا تقل نسبة المحتوى باللغة العربية عن ثلث ما تساويه نسبة العرب من بين تعداد البشرية. أما مساهمات العرب فيما يعد "محتوى" فلم تزد، بل ربما كانت في تراجع ـ نسبيا مع زيادة المحتوى باللغات الأخرى كالصينية مثلا.
هناك عدة أسباب لضعف المحتوى العربي على الإنترنت، منها أن كثيرا من الانتاج العربي ما زال ورقيا أو "ماديا" بشكل أو بآخر ولم يتحول إلى محتوى رقمي يمكن تحميله على الانترنت. كما أن انتشار الاتصال بالانترنت في المنطقة بدأ متأخرا بعض الشيء عن بقية العالم، وجاءت الفورة الكبيرة في انتشاره عربيا مع تراجع أجهزة الكمبيوتر لصالح الأجهزة الصغيرة ـ الهواتف الذكية وغيرها ـ وإذا كانت تلك الأجهزة تسهل استخدام مواقع التواصل فإنها ليست مناسبة لبث محتوى حقيقي وأصيل. أضف إلى ذلك مزاج "الاستسهال" العام، الذي أصبح طاغيا في العالم كله وليس في منطقتنا فحسب، وما يعنيه من "إعادة تدوير" أكثر من الانتاج الأصيل. وللأسف، يمكن أن ينسحب ذلك على الدراسات والأبحاث الأكاديمية وغيرها التي أصبحت تفتقر إلى كثير من الأصالة ولا تضيف كثيرا لتراث البشرية. وإذا كان العرب يشتركون مع بقية شعوب العالم في بعض تلك السمات فإن نصيبهم منها أكبر ومن ثم تجد إسهامهم في المحتوى أقل.
هناك أسباب أخرى كثيرة لضعف المحتوى العربي على الانترنت، لكن أحد تلك السباب قد يبدو غريبا وربما يعتبره البعض "تعسفا" في التقدير. ذلك هو أن الأكثر نشاطا منذ انتشرت الانترنت في النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن الماضي هم جماعات هامشية أو ذات غرض لا يتسق في الأغلب مع "التيار السائد" إن جاز التعبير. ومع صعود مواقع التواصل في العقد الأخير، برز ذلك بوضوح متمثلا في نشاط جماعة الإخوان المسلمين وتوابعها أو مثيلاتها. صحيح انه في اللغات الأخرى هناك سمة مشابهة لكنها عندنا تكتسب طابعا مختلفا وإن كانت كلها تسهم في ضعف المحتوى. ففي الغرب، والمحتوى باللغة الانجليزية على الانترنت هو الأكبر عالميا، هناك جماعات مثل "نشطاء الدفاع عن البيئة" أو نشطاء الدفاع عن بعض القضايا الهامشية يبثون بكثافة على الانترنت. ولا يقتصر إسهام هؤلاء على مواقع التواصل، بل هناك المواقع والمدونات وكافة اشكال المحتوى بالصورة والفيديو. مع ذلك، تظل نسبة مشاركة تلك الجماعات قليلة ضمن إسهام منتجي المحتوى بشكل عام، كما أن اسهامهم بغير مواقع التواصل يضيف لإجمالي المحتوى باللغة المعنية.
انتبهت جماعة الإخوان مبكرا لأهمية الانترنت كوسيلة اتصال مع الناس لنشر أفكارها، لكنها منذ البداية اعتمدت ذات الطريقة التي تعمل بها في الترويج وحشد الدعم تقليديا. ويحسب لجماعة الإخوان ومثيلاتها أن لهم باعا طويلا في استخدام ما تسمى "اللجان الالكترونية"، وإذا كانت دول أو أجهزة استخدمتها بعد ذلك فقد جاء كرد فعل على الإخوان وأمثالهم. وكما هم في بقية مناحي الحياة، لا يختلف "إخوان النت" عن هؤلاء الذين تجدهم في مواقع أخرى. إذ يتركز إسهامهم على "نقض الآخر" أكثر منه على انتاج ما هو أصيل، وفي أغلب الحيان يكون الناتج الاخواني على الانترنت أبعد ما يكون عما يمكن وصفه "محتوى". ليس ذلك لأن نشاطهم يتركز أكثر على مواقع التواصل مثل فيسبوك وتويتر، ولا حتى لكون إسهامهم دعائيا وحملات شعارات سياسية في أغلبه وإنما لأن إسهامهم يشبه إلى حد كبير ما تفعله لجانهم الالكترونية: حساب يطلق إشاعة أو دعاية أو هجوما، ويتم تكرار ذات المنتج على مئات وآلاف الحسابات.
حتى فيما يمكن أن يعتبر "محتوى" تجد الإخوان وامثالهم يتبعون تلك الطريقة المبتكرة من "غسيل الأخبار" و"غسيل الأفكار". وسبق وكتبنا في هذه المساحة عن الأمرين، وكانت الأمثلة في أغلبها من انتاج الإخوان ـ ذلك ببساطة لأنهم فرسان عمليات "الغسيل الالكتروني" تلك.