[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/10/goda.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جودة مرسي [/author]
”من غير المستغرب أن تجد معظم الأندية في العالم تأسست بميول سياسية أو دينية أو أيديولوجية، حتى الأندية الخاصة بالشركات والمؤسسات والتى تدخل فى فئة التأسيس الاقتصادي تتحرك وفق ميول مؤسسيها والقائمين عليها، إلى أن أصبحت الأندية هي أكبر أداة للحشد السياسي، ووسيلتها كرة القدم، عملاً بمبدأ مكيافيللي الغاية تبرر الوسيلة.”


مباراة أغرب من الخيال، وقتها يتخطى التسعين دقيقة، أهدافها محسوبة سواء داخل المرمى أو خارجها، يلعبها الكبار قبل الصغار، جمهورها بالملايين، تفرحهم وتحزنهم، تضحكهم وتبكيهم، الخاسر له مناصروه يبررون إخفاقاته، والفائز محمول على الأعناق من عشاقه، متابعوها من كل الأعمار والأجناس.. إنها كرة القدم.
رغم أنها لعبة، إلا أنها عابرة للقارات، توجهاتها وتأثيراتها تتخطى الحدود، فهي أقوى حزب سياسي يتحكم في المال والأعمال والسياسة، ولا أبالغ إذ قلت إنها الحزب الأشهر والأكبر والأقوى نفوذا والأعظم تأثيرا، لهذا استغلها السياسيون لزيادة شعبيتهم وخدمة توجهات سياساتهم في لحظة الانتصار، واستخدموها للتغطية على الإخفاقات والانكسار، وباتت المباريات الكروية فرصة ذهبية للترويج السياسي أو الحزبي أو الانتخابي، بل وأصبحت صناعة ذات عوائد مالية وقناة استثمارية لمدخرات دولية.
من غير المستبعد أن تكون نتائج مبارياتها معروفة مسبقاً قبل اللقاء، فالظروف الأمنية تحتم الخروج بنتيجة معينة لسلامة البلاد والعباد، لكن المؤكد أن السياسة أضحت ضلعا رئيسيا لحماية رئة اللعبة الأشهر في العالم، يرتبط هذا الضلع مباشرة بالاقتصاد، فيأخذ التوجهات بالاستثمار، وينفذ التعليمات بالانسحاب، ليكون الضلع هو المحرك السري المختفي خلف الكواليس.
من غير المستغرب أن تجد معظم الأندية في العالم تأسست بميول سياسية أو دينية أو أيديولوجية، حتى الأندية الخاصة بالشركات والمؤسسات والتي تدخل في فئة التأسيس الاقتصادي تتحرك وفق ميول مؤسسيها والقائمين عليها، إلى أن أصبحت الأندية هي أكبر أداة للحشد السياسي، ووسيلتها كرة القدم، عملاً بمبدأ مكيافيللي الغاية تبرر الوسيلة.
في خمسينات القرن الماضي، استُغل أكبر ناديين في الوطن العربي وإفريقيا، وهما الأهلي والزمالك المصريين، في تفريغ شحنات الجماهير، وطاقة الشباب السياسية الحالمة بالتغيير والديمقراطية، وتوجيهه نحو بؤرة تقزيم الحلم وجعله مجرد فوز ببطولة محلية أو مباراة بين القطبين (الكلاسيكو) كما يحلو للبعض تسميته، فنجح واضعو السياسة في تفريغ الأحلام المشروعة للشعوب، والاكتفاء بمشاهدة وتشجيع فرق كرة القدم، وأن تكون "المشاكسات" و"النقاشات" بين الأحمر الأبيض داخل الأسرة والشارع، وان تنطوي عملية تفريغ الشحنات في "المكايدة" الكروية بدلاً من "الاصطفاف" السياسي.
هذا الأسلوب استخدمه النظام المصري الأسبق للتغطية على غرق العبارة المصرية في مياه البحر الأحمر 2006 واحتشد افراده وعائلته في مدرجات ملعب القاهرة لتشجيع المنتخب المصري في بطولة إفريقيا للأمم لسرقة أضواء الكاميرات و"زغللة" أعين الإعلام، نفس الأسلوب استخدمه النظام حين كان يجهز جمال مبارك لخلافة أبيه في حكم مصر فقدم مشروعا قوميا للدولة حينها هو الوصول إلى نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا، وعند فشل المشروع تم توجيه البوصلة صوب خلافات الجمهور المصري مع الجمهور الجزائري. ونفس الجماهير والتي يطلق عليها رابطة (الالتراس او الوايت نايتس) والمنتسبة لفريقي الاهلي والزمالك شاركت في ثورة يناير ودعمتها بقوة، ومع تغير البوصلة السياسية تم التخلص من فئة كبيرة من هذه الجماهير كان اشهرها احداث ملعب بورسعيد وملعب الدفاع الجوي.
وعالميا استخدم إقليم كتالونيا الشهرة الواسعة لفريق برشلونة الإسباني للترويج لمشروع الانفصال عن إسبانيا، كما تم استغلال مباراة كرة القدم بين تركيا وأرمينيا في تصفيات كأس العالم 2010 لتهدئة نزعات الكراهية بين الشعبين، ودعا البابا فرانسيس إلى مباراة تضم نجوما عالميين من مختلف الأديان تقام فى روما 2014 للتقريب بين الأديان، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصي.
وخليجيا أدارت دولة الإمارات العربية المتحدة فوائضها المالية عن طريق الاستثمار في الملاعب الكروية بانجلترا مثل "استاد الإمارات" الذى يلعب عليه فريق أرسنال الانجليزي، أو عن طريق رعاية فرق كروية.
كما ان قطر ايضا أسست صندوقا عام 2005 لاستثمار فائض عائدات النفط والغاز، من ضمن أصوله نادي باريس سان جيرمان، فيما كان يرعى نادي برشلونة الأسباني. وبالتأكيد تابع الجميع صفقة القرن - كرويا - الأغلى في تاريخ كرة القدم، التي انتقل بموجبها اللاعب البرازيلي نيمار من برشلونة الأسباني الذي ترعاه قطر إلى باريس سان جيرمان الذى تمتلكه فى صفقة وصلت إلى 263 مليون دولار، وصادف الانتقال انتهاء رعاية مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية للنادي الأسباني فيما تعاقدت على رعاية نادي بايرن ميونيخ الالماني، ويأمل الصندوق القطري إلحاق النادي الفرنسي بصفوف أندية القمة الأشهر عالميا مثل ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ.
التنافس التجاري والسياسي أصبح واضحا على أسماء فانلات اللاعبين التي تحمل أسماء دول ومؤسسات ترعاها، فالمكاسب هنا كبيرة سياسية، ودعائية، وتجارية، فرأينا كيف تم الإعلان عن صفقة نيمار في مؤتمر صحفي بالدوحة، ليحمل معه الكثير من الدلالات خاصة لأحداث حالية، كرة القدم كانت وستظل ملعبا مفتوحا للمكسب والنفوذ واستمالة الشعوب لما لها من متعتها وجاذبيتها ومناصريها.