[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
بالأمس كان الحديث عن الإعمار الممكن في سوريا وغيرها، لكن في موازاته بل السباق عليه هو التعليم .. لا بد من طريقة مبتدعة لإعادة اختصار سنوات الحرب التي مرت .. المؤامرة على الأمة لا تكتمل فصولها الا عندما يرى الغرب ويتحسس خطرا علميا عليه من قبل شباب عربي صاعد، فإما يشتريه أو يهدده أو يغتاله ان لم يرحل إليه، ومن المؤسف ان عقولنا العربية لا تشعر بحاجتها للمنفعة الا اذا التحقت بالغرب.
كاد العراق ابان حكم صدام حسين ان يصل اعلى مرتبة في التعليم وان يحتفل يومها بوفاة آخر امي لديه .. بنى صدام عقولا عراقية متقدمة في مجالات التكنولوجيا والمعرفة والاختراعات، جيش منهم وضع رجله على اول درجة في السلم .. تقول احدى الدراسات ان اجتياح العراق من قبل الولايات المتحدة واحتلاله بأكمله، لم يكن السبب الذي اشيع يومها عن امتلاكه اسلحة دمار شامل، بل جيش من العقول ايضا، ولهذا لوحق هؤلاء بعد الاحتلال لبلدهم، فمن استسلم منهم للذهاب إلى الغرب نجا، ومن قاوم قتل ..
لا بد من اعادة النظر بأمور التعليم في المرحلة الهادئة، ونحن الآن ندخل المرحلة الرمادية، فسورية كانت الاولى عربيا في مجال التعليم، وقلما كان هنالك امي بين ربوعها بعدما فرض الرئيس حافظ الاسد نظام التعليم الالزامي وكل التعليم مجانا حتى مرحلة التخرج من الجامعات. تماما كما فعل جمال عبد الناصر يوم فرض نظاما تعليميا مجانيا لجميع ابناء الشعب فيما كان التعليم حكرا على الباشوات. وكان عبدالناصر لهذه الغاية قد اطلق عيدا رسميا سماه عيد العلم لم يترك مناسبته الا ويأتيه بنفسه ليخطب فيه، بل انه في تلك السنين كان خطابه مادة الزامية في الامتحانات النهائية للثانوية العامة، وقيل ان ابرز من كان يكتب له خطاب العيد هذا المثقف الكبير ثروت عكاشة أو ربما كان مرجعه النهائي في الكتابة. وذات مرة قابلت احد الوزراء المصريين الذي حكى لي عن مشهد كان الأجمل الذي رآه في حياته، فحين دخلت المدارس القرى المصرية بأمر من عبد الناصر، ودخلت الكهرباء ايضا واضيئت الشوارع وحتى المروج المزروعة، ذهب مرة إلى قريته ليلا ليرى رؤوسا تروح وتجيء تحت الاضواء وبين سنابل القمح الكثيفة، فإذا بها طلاب يدرسون. واذا اردنا الاستفادة اكثر من هذا المناخ المتقدم، فإن طه حسين كان ابرز من حقق التعليم المجاني في مصر وهو سيد مفهوم التنوير الذي قاده والذي دفع ثمنه دعاوي عليه.
لا شك ان المؤامرة على العرب لها اكثر من سبب اذن، ممنوع عليهم ان يصلوا إلى موقع متقدم، كما كان الحال في سوريا، تصوروا ان عدد الذين تخرجوا من جامعة دمشق عام 1948 كان اربعة آلاف طالب، في حين عدد خريجي بريطانيا في العام ذاته لا يتجاوز الثمانمائة طالب. وكنت اعرف طبيبا لبنانيا تخرج من جامعة الطب في حلب في العشرينات من القرن العشرين، بما يعني كم كان التعليم في سوريا رائدا، بل مميزا، فمعظم الأوائل من الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في الخارج هم سوريون وقد رأيت ذلك بنفسي .في يوغوسلافيا السابقة.
اعرف ان القيادة السورية درست هذا الأمر وربما حولته إلى لجان متخصصة لدراسته، فمسألته تكاد تشكل اهمية قصوى في اعادة بناء سوريا كما هو المنتظر منها دائما في دورها الطليعي.