كل المحطات التاريخية التي تتالت على الصراع العربي ـ الإسرائيلي تؤكد أن عنصر الجدية لدى الجانب الإسرائيلي وحلفائه الاستراتيجيين كان الغائب الأبرز، وأن الوعود الجوفاء وأساليب الابتزاز والمراوغة والتنصل من جملة الاستحقاقات التي تم التوصل إليها هي سيدة الموقف والمُوجِّه، بل أصبحت بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبًا بالنسبة للمحتل الإسرائيلي، في الوقت الذي تواصل فيه آلة القتل والإرهاب والإجرام الإسرائيلية أفعالها وجرائمها الشنيعة بحق الشعب الفلسطيني، وبحق العرب جميعًا.
المشكل أن العرب والفلسطينيين جميعهم لم يتعلموا من التاريخ وعبره، ومما تشهده الأيام والسنون من أحداث يندى لها الجبين جراء الموبقات والجرائم التي يقترفها المحتلون الإسرائيليون، دون أن ينتبه العرب والفلسطينيون أنهم إنما بذلك يصرحون لكيان الاحتلال الإسرائيلي بأن يقتلهم ويتباحث معهم في وقت واحد.
فعلى سبيل المثال، كان مناحم بيجين هو زعيم عصابة شتيرن التي كانت تذبح الفلسطينيين، وتباحث معه العرب والفلسطينيون، وأرييل شارون وأيهود أولمرت وأيهود باراك، وتسيبي ليفني وعمير بيرتس، وأخيرًا وليس آخرًا بنيامين نتنياهو وأفيجدور ليبرمان، وهؤلاء كلهم أياديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين والعرب، ومع ذلك تباحث ـ ولا يزال ـ العرب والفلسطينيون يتباحثون معهم، انطلاقًا من مسوغات وملاهٍ صنعها كيان الاحتلال الإسرائيلي بالتعاون مع حلفائه الاستراتيجيين أثبت معطيات الواقع وحقائق التاريخ أنها ألاعيب سياسية انطلت على العرب والفلسطينيين، بل سراب يحسبه الموهومون بمسميات عملية السلام واتفاقات السلام النهائي حقيقة، فإذا به خدع توالت عليها الإدارات الأميركية وتناوبت في مسمياتها.
وما يلفت الانتباه، ويثير الدهشة، هو أنه رغم كل المواقف التي أبدتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمؤيدة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، لا يزال هناك من يراهن على رؤية "حل الدولتين" التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والتي كانت من ضمن الرؤى للدولة الأميركية العميقة لتحسين الوجه الأميركي لدى الرأي العام العالمي بعد الحروب غير الشرعية التي خاضتها في كل من أفغانستان والعراق، وما سببته من إهلاك وتهجير لملايين البشر في هذين البلدين، وبالتالي كانت الرؤية إحدى الوسائل لجلب التعاطف وتغيير النظرة المنطبعة في المخيلة العربية والعالمية، بدليل أن رؤية "حل الدولتين" العتيدة لم تنجز في مسار ما يسمى عملية السلام أي إنجاز يذكر، وإنما على العكس من ذلك، كل المعطيات تؤكد أن ما حققه كيان الاحتلال الإسرائيلي على صعيد مخطط تصفية القضية الفلسطينية لم يحققه في عهد أي إدارة أميركية سابقة.
لذلك، لا يمكن لإدارة ترامب أن تقف عند ما تحقق في عهد إدارة أوباما وهي الإدارة الأشد تعاطفًا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، بل ستسعى لاستكمال المتحقق وإضافة المزيد، فإعلانها رغبتها بداية في نقل السفارة من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، وتعيين سفير أميركي مؤيد للاستيطان وكذلك تعيين مبعوث أميركي خاص لما يسمى بعملية السلام مؤيد هو الآخر للاستيطان، ليس من باب اختبار المواقف العربية والفلسطينية، وانما تأكيد المؤكد من التبني والانحياز الأميركي للكيان الاسرائيلي، لذا تمسك الفلسطينيين برؤية "حل الدولتين" لن يختلف عن تمسكهم بما يسمى خريطة الطريق التي أخذها النسيان وطويت مع صفحات التاريخ.