[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” ..إن علامات المرض والشلل، النكوص والتردي، راحت تتراكم على آفاق تلبد ثقافتنا العربية الإسلامية الآن أكثر من أي وقت مضى. وإذا كنت قد فكرت أو تأملت ثمة إرادة ثقافية عربية موحدة تقف لصد كثبان التصحر عن واحات الثقافة القليلة قبل سنوات، فاني اليوم أشد على أيدي أولي الأمر في الدول العربية، منفردة، من أجل اتخاذ ما تستدعي حال الخطر والطواريء من إجراءات ضرورية وعاجلة لبناء جدران لحماية هذه الثقافية،”

سبق أن نشرت في صحيفة (الوطن)الغراء مقالة موسومة بــــ"التصحر الثقافي"، قبل عدة سنوات. كانت تلك في جوهرها صرخة استغاثة موجهة على نحو خاص للقائمين على الحياة والواقع الثقافي في عالمنا العربي، إلا أن تلك الصرخة ذهبت أدراج الرياح، كما يبدو، وكما هي حال سواها من مؤشرات التراجع والتردي الثقافي عامة.
لذا، لا أجد بداً من الارتجاع الى ذات الاستعارة، أي "التصحر الثقافي"، لتوجيه العناية إليه، خاصة بعد أن زاد زحف رمال الصحراء وكثبانها في سرعة التهام البقاع الخضراء وتجريف الغطاء الأخضر للأرض القليلة قبل والنادرة الآن، للأسف. وإذا ماكان عالمنا العربي وقت نشر المقالة الأولى أعلاه، بلا مركز لسلطة ثقافية قوي يمكن، على أقل تقدير، أن يوجه عناية أولي الأمر وأصحاب الحل والعقد الى ضرورة التحرك الطاريء والسريع لمد يد العون للبقاع الخضراء وسقيها قبل أن تلتهمها الكثبان الرملية المتحركة كلية، فان ضرورات إيجاد مثل هذا المركز الآن تزداد بسرعة على نحو متوالية هندسية متضاعفة بسبب ماراح يشوب الثقافة من أمراض مزمنة بل ومسرطنة، قد تعلن وفاة الثقافة العربية، التي كانت حتى عقود قليلة مضت قائمة بفضل ندرة من الأسماء اللامعة في سماء عالمنا الثقافي.
إلا أن علامات المرض والشلل، النكوص والتردي، راحت تتراكم على آفاق تلبد ثقافتنا العربية الإسلامية الآن أكثر من أي وقت مضى. وإذا كنت قد فكرت أو تأملت ثمة إرادة ثقافية عربية موحدة تقف لصد كثبان التصحر عن واحات الثقافة القليلة قبل سنوات، فإني اليوم أشد على أيدي أولي الأمر في الدول العربية، منفردة، من أجل اتخاذ ما تستدعي حال الخطر والطواريء من إجراءات ضرورية وعاجلة لبناء جدران لحماية هذه الثقافية، وإن على مستوى الدولة الواحدة المحدود على أقل تقدير، قبل أن نبدأ، وخلال سنوات قليلة باستيراد المنتج الثقافي الرفيع مع الدجاج المجمد، والأغذية المعلبة، كما نستورد الآن كل شيء: من المكائن والمصانع، إلى الملابس والسيارات ومن الحواسيب الى الألبسة الداخليةّ!