ارتباط الإنسان بالغذاء ارتباط أزلي، فالغذاء المصدر الثاني للحياة بعد الماء، فهو الحاجة الأساسية للإنسان ولا تستقيم الحياة بدونه، ولا تعرف الصحة للجسد العاجز عن توفير العناصر الغذائية فيه طريقًا، كذلك فإن الأفواه الجائعة لا تصنع سواعد قادرة على الإنتاج.
هذه حقائق أولية لا محيد عنها، لكن قضية الغذاء في عصرنا الحاضر تتجاوز مجرد تلبية الحاجات الغذائية للإنسان إلى مهمة أخرى هي مدى صلاحية هذا الغذاء وخلوه من كل الأضرار التي يمكن أن تسبب للإنسان أذى قد يفوق مشكلة وجود الغذاء نفسه. هذا ما تؤكده الدراسات الحديثة بعد أن أدخلت على التركيبة الغذائية مدخلات كثيرة لا يتأتى للإنسان العادي اكتشافها أو تجنبها في الوقت المناسب.
وانطلاقًا من الأهداف السامية والغايات الجليلة التي جاءت من أجلها النهضة المباركة والمتمثلة في تنمية الإنسان العماني ورعايته والاهتمام به، فإن صحته ومصادر غذائه أمر تهتم به حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث نجد هذه العناية مترجمة في أوامر سامية وتوجيهات للحكومة والمعنيين بقضايا الغذاء وصحة المستهلك في المؤسسات الرسمية والمدنية والخبراء ومراكز البحث العلمي لاتخاذ كافة الإجراءات التي تحافظ على صحة الغذاء وسلامته بصفته ركنًا أساسيًّا في منظومة التنمية الصحية بالسلطنة.
ومن هنا جاءت حملات التوعية الموجهة إلى المواطن والمقيم والمتعلقة بالنمط الصحي الغذائي، والتأكد من سلامة المنتجات الغذائية من حيث جودتها وسلامتها وفوائدها للجسم، ومن حيث تواريخ صلاحيتها، وكذلك حملات التفتيش على المحلات والمطاعم والمقاهي والتأكد من سلامتها، وفرض رقابة صارمة عبر رجال التفتيش الصحي والضبط القضائي التابعين للجهات المعنية، وفحص الأغذية والمنتجات في المختبرات التابعة لها؛ فهذه الحملات هي جزء من هذا الاهتمام الذي اضطلعت به حكومة جلالته ـ أيده الله.
الحملة التوعوية التي تنفذها وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه تحت شعار "غذاؤك أمانة" هي بمثابة ترجمة حقيقية لمدى الاهتمام ودليل محسوس على الجهود الرامية إلى تطبيق اللوائح والأنظمة الكفيلة بإحكام الرقابة على مصادر الغذاء، والحفاظ على صحة هذا الغذاء وسلامته. فوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه تعتمد مجموعة من الإجراءات لإحكام هذه الرقابة وتوظيف أبحاث مركز مختبرات الأغذية التابع للوزارة في إجراء مختلف أنواع التحاليل المختبرية بأحدث المعدات لضمان صحة المستهلك، إضافة إلى رفع الوعي الصحي الغذائي لدى المواطنين وتبصيرهم بالوسائل المثلى لاختيار أنماطهم الغذائية، وعدم التهاون أو التبسط في اختيار ما يقدم للأطفال خاصة من أطعمة. فقد تلجأ بعض الشركات العاملة في مجال الغذاء إلى الترويج لسلعة ذات مكونات لا تؤمن القدر الكافي من السلامة الغذائية، وهنا يأتي دور الحس الوطني سواء لدى المسؤولين بالوزارة وبغيرها من الجهات المعنية.
لذلك يبقى دور القوافل التوعوية التي تسيرها وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ممثلة بمديرياتها في المحافظات وبالتعاون مع الجهات الأخرى كوزارة الزراعة والثروة السمكية، من الأهمية بمكان في تحقيق الوعي المجتمعي المطلوب، خاصة وأنها تأتي في وقت بدأت الناس تشهد فيه حالات متعددة من الغش في مجال الغذاء، وظهور أمراض خبيثة، ما يلقي بأعبائه المادية على مؤسسات الدولة الصحية لكي تؤمِّن العلاج الصحي، والوقاية من الأمراض. وما قامت به القافلة التوعوية للرقابة على الأغذية "غذاؤك أمانة" التي زارت ولاية السيب وتتبناها المديرية العامة للبلديات الإقليمية وموارد المياه بجنوب الشرقية، وكذلك الحملة التوعوية في ولاية محضة، يعد جهودًا وطنية مقدرة، حيث ستطوف هذه القافلة عددًا من محافظات السلطنة من أجل توعية المواطن عند شرائه حاجاته الغذائية والاستهلاكية. كما أن نجاح هذه القوافل مرهون بمدى وعي المستهلكين الذي لا يتحقق إلا بتطبيق ما تطرحه هذه القوافل من طرق ووسائل ومعلومات والاستجابة لتعليماتها.