كتب ـ خميس السلطي:
في كتابه الجديد "القصيدة بين مرجعية الذات وحداثة المحتمل النصي" يقدّم الناقد حيدر عبد الرضا، قراءة في عوالم شعرية عبد الرزاق الربيعي، محاولا الاقتراب من عالمه الشعري، ومساراته مركّزا على مرجعيّاته النصّيّة، واضعا نصب عينيه دراسة رؤية الشاعر، وكيفية استثماره لعضوية العلاقة بين مرجعية النصوص المقدسة، والملاحم، وبين حداثة سؤال موجهات دلالات القصيدة المحدثة لديه. ويعدّ الكتاب الصادر عن دار (الجواهري) ببغداد محاولة جادة لولوج تجربة عبدالرزاق الربيعي الشعرية التي لاقت اهتماما نقديا من نقاد ، وأكاديميين عرب قدّموا قراءات في تجربته، وأبرزهم الدكتور عبدالعزيز المقالح، والدكتور حاتم الصكر والدكتور عبد الملك مرتاض، والدكتور صلاح فضل، والدكتور عبد الرضا علي، والدكتور عبد الإله الصائغ، والدكتور ضياء خضير، والدكتور محمد الغزي ، والدكتور محمد صابر عبيد، والدكتور صبري مسلم، والدكتور وجدان الصائغ، والدكتور علي الحداد، علي حسن الفواز، بشير حاجم، وقد توّجت هذه القراءات برسالة ماجستير للباحث طلال زينل بإشراف الدكتور محمد صابر عبيد نوقشت في جامعة الموصل عام2011، وصدرت بكتاب عن دار حوار بدمشق حمل عنوان (القصيدة المركّزة في شعر عبدالرزاق الربيعي)، وكتاب (بلاغة القصيدة الحديثة- قراءات في شعرية عبدالرزاق الربيعي) للدكتور علي صليبي المرسومي، الصادر في دمشق 2015 م و(مزامير السومري ) إعداد الكاتبة رشا فاضل، الصادر عن دار(شمس) في القاهرة، و(عشبة جلجامش) للناقد ناصر أبوعون، عن كنوز المعرفة الأردنيّة 2013م.
ويأتي هذا الكتاب ليشكّل إضافة لما كتب عن تجربة الربيعي، وفي المقدمة يقول المؤلّف"إن تجربة الشاعر عبد الرزاق الربيعي محكومة دائما في منبعها الشعوري، والنفسي والتكويني، والأسلوبي بمرجعية المادة القرآنية، والتاريخية، والأسطورية، والحكاية الشعبية الموروثة، غير أنها في الوقت نفسه في كافة جموحاتها، وجنوحاتها، وشفراتها، ومشاهدها، وإلهاماتها، وزواياها، أخذت تقدم لذاتها، وللقراءة شكلا كيفيا ما صار يرتبط وحدود التجربة الحداثوية في كافة أسئلتها وهمومها في آتون البحث عن طريقة ما للكشف الدلالي كوجه من شأنه أن ينسج علاقات وحالات ومواقف الخطاب الشعري بموجب مداليل عميقة التوكيد والسلامة الشاعرية، لتستعيد خوضها في كل مرة في اختراقية بنية الآخر ومدلوله، وموقعية نشوة رؤية الذات الشاعرة في فضاءات لائحة المصدر ويافطة المحاكاة وخلفية المثاقفة إضافة إلى تنويعة الاستفادة من تلك المرجعيات الحفرية".
ويؤكد عبد الرضا "إن القارئ لعوالم دراسة مقالاتنا، ومباحثنا في هذا الكتاب لربما سوف يواجه ثمة كشف شبه واضح في طرائق نمطية الإجرائية البحثية، ولكننا أردنا بهذه الأدوات الإجرائية تحديدا إظهار، وإيضاح تعاملات وقصديات وموحيات قصيدة الشاعر مع ثقافة المصدر والمرجعية في تشكيل مناصاته الشعرية، بيد أن اللغة التي قام بكتابتها كاتب هذه السطور هي بحد ذاتها ما كان يتطلبها الشكل البحثوي نفسه في التعامل مع تلك الحالات المعرفية الشعرية المرجعية لدى الشاعر الربيعي، فلا يجوز أن تكون لغة الكلام المقالية في مثل هكذا نوعية قراءات ومباحث، أي بمعنى ما أن يتوفر المقال على لغة سلسة، أو تقريرية، أو وصفية، أو تعليقية مثلا؛ بل العكس من هذا تماما. إن طبيعة فضاءات قصائد الشاعر تتطلب من الباحث فيها استخدام تراكيب مفردية، ومصطلحية، ومفهومية، ومعيارية تبدو أكثر دقة وهي تسلط المزيد من الضوء على مستويات البنيانية الجمالية في النص لدى الشاعر الذي كان يوزع ذاته الأسلوبية، والموضوعية ما بين جذور موضوعة للنص المرجعي وبين تجربة الشاعر الذاتية والزمكانية، وحول السبب الذي دفع بالكاتب لتناول تجربة الربيعي يشير" إن الذي دفعني إلى اختيار تجربة عبد الرزاق الربيعي تحديدا كنموذج دراسي مستقل في مشروع كتاب، هو عشقي وحده لمكوناته التداخلية والظاهرية بين نمذجة الذات الشعرية، وبين موضوعية تكوين العلاقة الخاصة بمقصودات الواقعة الشعرية في مجالات المرجعية، ورموزها وعلاماتها وانثيالاتها التي راحت تتجلى لنا في صور قصائد الشاعر وكأنها مخطوطة (انثيال تأملي) يدخره العقل الباطن في تجربة توثيق البعد المرجعي والفكري للمحمول الانعكاسي الفائض من أفق المرجع وعلاقاته العضوية بمحددات الإضافة والخروج، إن القارىء لمشروع مقالات ومباحث كتابنا الموسوم (القصيدة بين مرجعية الذات وحداثة المحتمل النصي) لربما لا يتعارض مع واقع صوت المرجع من جهة ما ولا من جهة خصوصية تصورات النص نفسه؛ بل بالعكس فإنها عنونة تضفي حالة من مسموحية بأن ذات الشاعر الخاصة تسمح في تعاملها مع النصوص المقدسة والتأريخية، أو أراجيز الحكايا الشعبية؛ بل إنها كانت تسهم في الوقت نفسه في إعادة صياغة وتحريك الأشياء بموجب مؤشر معرفية ذاتية خاصة من جهة الشاعر نفسه، كما وبالتالي تبقى حداثة المحتمل النصي في أسئلة الشاعر النصية، كحالة من حالات معطيات المعالجة الزمنية، والشعرية، وتحولاتها في صنيع تفاصيل حكاية القصائد كزيادة حيوية لا تقترن، وحدود الاستجابة الحقيقية في خطاب الواقعة الشعرية كفعل خارجي حصرا".
وفي خاتمة الكتاب يقول المؤلف"إن عملية دراستي الافتراضية والانطباعية لتلك النصوص، لم تكن سوى لغة مقالية بعيدة عن النقد
ومناهج النقد تماما، فقط في مقالات مشروعي هذا، أردت طرح وجهة نظري الخاصة عن نموذج عوالم نصوص الشاعر الربيعي . وقد باشرت فعلا بتأسيس مجالين أو فصلين من التداول والإجراء والمعاينة والقراءة: كان القسم الأول يضم مجموعة مباحث أردت بها تحقيق ما لم أذكره في قسم قراءاتي للقصائد في شكل مستقل في القسم الثاني من الكتاب.. لذا كانت لدي مهمة طرح صورة إحالات المعنى
والمضمر والمنطوق وحفرية الأسطرة إلى جانب دراسة خاصة لمجموعة (طيور سبايكر) ومجموعة (حدادا على ما تبقى). ولا أظن من جهتي الشخصية بأن هناك في خطية مباحث القسم الأول أي خرق أو نشاز من شأنه إفساد مخطط أو عضوية تلك المباحث الموجودة في الباب الأول من الكتاب . أما فيما يتعلق ونموذج قراءاتي لقصائد الشاعر في القسم الثاني أي كل واحدة على حدة
وبشكل مستقل، فكان كل همي الوحيد منها هو دراسة رؤية الشاعر وكيفية استثماره لعضوية العلاقة بين مرجعية النصوص المقدسة والملاحم وبين حداثة مستوى سؤال موجهات دلالات القصيدة المحدثة لديه" . وبين مقدّمة الكتاب، ويخاتمته يبحر المؤلف في عوالم الربيعي من خلال قراءة دواوين الشاعر التي من أبرزها "إلحاقا بالموت السابق"، "حدادا على ما تبقى"، "جنائز معلقة"، "شمال مدار السرطان"، "موجز الأخطاء"، " غدا تخرج الحرب إلى النزهة"،" خرائط مملكة العين"، "طيور سبايكر""في الثناء على ضحكتها" ،"صعودا إلى صبر أيوب"، "قميص مترع بالغيوم"، "قليلا من كثير عزة"، "ليل الأرمل". ففي المبحث الأول يقول "لو تعرفنا على شكل الكتابة الشعرية لدى نصوص الشاعر عبد الرزاق الربيعي لوجدنا ثمة خاصية تفاصيلية عجيبة في تذويب الواقعة الإحالية بين إيحائية القصيدة وقصدية علامات النص الدوالية ، كما وفي تذويب موضوعة التلقي الشكلي للنص عبر حدود محكى تفاصيل تأويلات الإمكانية الإخراجية الجاعلة من مادة الحلم الشاعري صفة ذات مؤشرات حادثية خاصة تشق لذاتها طريقا نحو لحظة جريان الحلم الشعري والتوصيفي على لسان شاشة تعليقات ملكات الشكل والمحتوى من زمن الدال الموجه في موحى اندماجي شيفري نحو محاكاة مرجعية تاريخية في جل بحوثها الاشتقاقية المستخلصة أصلا من جذور إجرائية واقعة نصية مصدرية التكوين والإزاحة المرجعية.
إن السؤال الشعري التوصيفي في عوالم تفعيل الواقعة الإحالية بين إيحاء القصيدة وقصدية النص في تجربة عبد الرزاق الربيعي لاتستهدف في الحصول على الإجابة المعرفية بقدر ما تسعى الى كشف قابلية وفاعلية المرجع في دوائر حسية مبنى الداخل والخارج من زمن القصيدة، لذا نجدها بهذا الشكل وكأنها تقنية فيالرؤية وحداثة السؤال وتمرين ناشط في دلالة عنوانية الاستمرارية والديمومة في هواجس الذاكراتية
والمرجعية والحلمية وصولا إلى القيمة التعبيرية والتشكيلية والسيميائية الفائضة في مساحة استقلالية التجربة الشعرية الكاملة في مخزون النص الشعري.
إن من يقرأ للشاعر الربيعي لربما يشعر بأن هناك زمنا مفقودا ، كما وهناك حالة ارتداد واختفاء تدريجي لذبذبات زمن خاطرة الأفق والمدار والمحور في موضوعة النص. ولكن ضمور جريان الأشياء يتواصل نحو حدوثه الأسلوبي مشكلا فضاء أيقونة الدوال اللقطاتية البطيئة وصولا إلى زمن الخطاب مع زمن الأصل من مساحة مقدمات البحث عن هوية المنطوق المفقود في رحم ذهنية المضمر التخييلي المؤشر في لحظات الإضمارية الكيفية المجردة في صناعة القصيدة .
تسود في عوالم قصيدة المبدع الأستاذ عبد الرزاق الربيعي خصوصية تأثيرية خاصة تنحو منحى ما يمكن أن نسميه (الانفتاح الفضائي) وحفرية أسطرة المرجع المحمولي، وهذه الخاصية لو أطلعنا عليها طويلا لوجدناها محاكاة تجربة مديدة لحياة الملاحم والأساطير والمرجعية المقدسة والغوص فيها والأحتراق والانصهار في أبعادها التكوينية
وركائزها، وبهذا الصدد يقول (سندي): (إذن فالشعر هو فن من فنون محاكاة الأسطرة والأسطورة فهكذا يسميه أيضا أرسطو حين يستعمل لفظة ــ محاكاة ــ أي الانعكاس أو الرسم لانطباعات الأشياء ونقلها عبر فضاءات اللابرهنة القياسية . وهذا الرأي يبتعد بنا كثيرا ويحثنا الى القول الجدالي والمفهومي بأن فكرة (أسطرة الأشياء) ما هي ألا خطرات في نظرات التأليف الأصيل : الأسطرة والأسطورة نوعان، محاكاة النص الأسطوري القديم ومحاكاة المنبع الجوهري والموضوعي في الأساس القولي المتناص والمنتخب في شكل وهوية النموذج المبرهن الانعكاسي في ناصية أفكار النصوص . إذن فالفكرة في ماهية أسطرة الأشياء ما هي ألا ظواهر محاكاتية قد تشعبت بين الأصل و الصورة وبين الإيحاء المخالف لتلك الموضوعة الأسطورية في زمنها القديم .. وهذه الصيغة تبدو انعكاسية إذا ما قارناها بالمقابل من تجارب وأمثلة الفكرة الاستنتاجية الخاصة في مشروعية فنون المحاكاة والتضمين والإيحاء. فإننا عندما نقرأ نصوص الشاعر عبد الرزاق الربيعي في جملة أعماله الشعرية في (كواكب)لعلنا نجد ثمة محاكاة بفكرة السعي وراء أسطرة الأشياء ضمن موجه قاعدة الإيحاء المخالف في التشبيه والوصف والتفاصيل والواقعة والعنونة، غير أن حدود المرجعية المؤسطرة في انطباعية فكرة الشاعر تبقى زمانا ومكانا مذابا في جسد اطلاقية الملفوظ والعلامة والتخليقية الدالة نحو واقعة غير مشخصة كيفيا ولا من جهة المحاكاة ذاتها بصلة وعنوان ذلك المنشور المرجعي القديم ..
وفي قراءة للناقد بقصيدة(طيور سبايكر)التي حملت مجموعة (طيور سبايكر) الصادرة بطبعتين : الأولى ببغداد عن شبكة الإعلام العراقي 2015 والثانية بالعاصمة الأردنية عمّان عام 2016 يرى إن المهمة الأساسية التي تطلع بها مقاطع وصور هذه القصيدة والتي هي من أجمل قصائد المجموعة تحديدا(طيور سبايكر) مهمة تشكيل إنتاج إشكالية معنى كياني خاص عاشته شيئية إحاطة ذات الشاعر الوصفية داخل حلقات الخطاب الشعري. إذ راحت تستجيب لمعطيات الخطاب في الآن نفسه ثمة وثوقية ساهرة ومؤرقة من المعاني المفتوحة في جل محصلة تجليات متاهة الدوال (تهشيم/ محرقة/ أرواح/ منجل الموت)، إنّ الشاعر في مسار نصه هذا أخذ يستخدم (آلية الحفر) بكامل طاقتها الإنتاجية وصولا إلى عتبة تخمينية ما الغرض منها حلولية استجابة ظنية وبرهانية من جهة القارىء وإلى انشاء استجابة قرائية تمنح الفضاء نفسه ثمة تأويلا حمولته الارجاع والبحث والتخريج والإضاءة الممتدة من تجربة تناصي تمظهرات استثمارية رموز أحوالية خاصة، أخذت تبلور لنفسها في مشهد القراءة ثمة تحصيلات دلالية متلازمة الأفق والمحايثة:(والقلوب والأصابع/ كاتمات الأنفاس/ وكانت الحناجر محشوة بالتراب) ولعل كثافة إنتاج المعنى وسعت انتشارها في مديات قدرات الوصول الوصفي، وذلك بموجب فلسفة مخيالية راحت تهم بترجمة حسية الأشياء إلى أفق علاقات لغة أولى وثانية وثالثة .
للغة الواصفة هنا كما هو معروف إجمالا وتفصيلا هي مجموعة أنظمة إشارية ونسقية ورمزية لاقت رحابتها في مخزون صور ومواقف ذاتية الملفوظ التواصلي من جهة نواة السياق المشهدي:(أمضى الذباب قيلولته فيها = لحم نيء = قبلات مذبوحة = سقطوا = طفولة / حضورية + غياب / موقع + صيغة / تأثير + مسبب / محور + هامش = جو يحدد معناه إراديا و مقصديا
وتكوينيا) .
ليختتم قراءته بقوله في هذا الأفق من أجواء دلالات مجموعة قصائد (طيور سبايكر) يحق لنا أن نقول قولنا هذا: إن القارىء لتنويعات قصائد طيور سبايكر الرثائية لربما يجد الذات الشعرية عند الكتابة في واقعة النص الحادثة، تتحول الى اداة كشف وإفصاح وإيصال واحتجاج وصولا إلى شاشة التلقي والتعاطي مع روح الخطاب وتجلياته وتموجاته
وتلاعباته في قلب المعنى ووجدان مادية الحادثة الفجائعية . وبما أن النص لدى الشاعر الربيعي ينظر إليه قرائيا بوصفه كيانا مرجعيا عميقا ومتداخلا في مستوياته التأريخية والفنية والتركيبية والتشكيلية والبنائية، فلا يمكن للمتلقي العادي أن يستكنه بيسر عابر ويغور في طياته ما لم يتمثل كلية صورته المعرفية والمرجعية والشعورية والمصدرية وغايات مداليله القصوى كمحتوى كامن في بؤرة قاموسية المقاصد ومشاهد تراجيديا تشكيل المعنى الخفي المتاح بجهر وسائل جمالية الكتابة النوعية التي تنتجها عادة (حجاجية الشاعر) في التلقي
والتواصل في مخبوء زمن المسافة القرائية والجمالية والاستقلالية والروحانية في صخب متون المعنى الاشتراطي الجديد في تقانة لغة خطاب ومغامرات القصيدة الربيعية.
وفي مبحث حمل عنوان (القصيدة بين مشكلة الفهم ومنطقية اللاشعور) يقول الناقد حيدر عبدالرضا" يختصر الشاعر (عبد الرزاق الربيعي) عصرا شعريا كاملا في مسار تجربة القصيدة العربية المعاصرة , وبقفزه واحدة إنه من أولئك الشعراء الذين يهمشون كل المقاييس، وما تمثله من(جاهزية نقدية) ليؤسس ذائقة شعرية جديدة؛ فهو وبكل بساطة ينتمي الى شعر (الندرة)هذا هو الفضاء الذي تحيلنا اليه قصائد هذا الشاعر المحير، الذي يكتب الشعر منذ نصف قرن تقريبا، متواريا في الهامش ـ ليترك الأضواء (للمهرجين).
في قصائد ديوان (حدادا على ماتبقى) يعمد الشاعر عبد الرزاق الربيعي الى توظيف العنصر (الثيماتي)، رمزا كنائيا لفكرة يروم الايحاء بها. وهذه حقيقة تؤكدها كثرة الرموز الاستعارية في شعره, ومن جراء هذه التعدديه في الرموز لديه، تتنوع طرائق ترميز العنصر الثيماتي في نسيج الخطاب الشعري، على نحو يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق نوع من الشمولية في تناول النماذج الشعرية التي يسخر فيها الربيعي العنصر الثيماتي في مجمل عملية بنينة خطابه الشعري ,ولم تقتصر استفادة الربيعي من الرمز الاستعاري , على شواهد الأسماء فقط – بل تتعدى هذه الحدود الى استلهام وقائع مفهومية مستمدة من الأساطير والحكايا الخرافية والطقوس والشعائر المثلوجية من نحو : تقديم الأضاحي, التضرع والابتهال، إراقة الدماء،الاحتراق بالنار: بغية أن توفر على الشاعر خلق المناخ الذي يحرص على أن يسود القصيدة أو بلورة الفكرة المراد طرحها. بيد أن مراعاة النتائج المترتبة على تعامل الشاعر مع الثيمات، تفضي بنا إلى حيث يتعين علينا التمييز بين فئتين متعارضتين من القصائد التي يتم فيها استثمار العنصر المثلوجي شعرا: ذلك لأن توخي الشاعر استلهام العنصر الملحمي واستثمار ما تنطوي عليه من طاقات إيحائية كامنة، قد ترتبت عليه نتائج مخيبة للامال أحيانا . فإذا كان الشاعر الربيعي، في عدد من قصائد ديوان (حدادا على ما قد تبقى) التي تنفتح على فضاء قصيدة (الثيمات الملحمية)، يكون الشاعر بهذا قد وجه عملية الاستلهام على نحو يحقق للقصيدة في ديوانه، نوعا ما من جدلية (مشكلة الفهم / منطقية اللاشعور) فإنه في بعض قصائد ديوانه، يضحي بفنية الخطاب إكراما لسواد عيون معنى سياقي مبهم الغرض والوظيفة، ومن جراء هذا، يصبح الأخير هو السمة المهيمنة على نحو يؤدي بالنتيجة النهائية، إلى ضمور شعرية الخطاب، إزاء هيمنة العنصر الثيماتي الملحمي وتحكمه في عملية بنينة الخطاب الشعري.
إن الكتابة الشعرية لدى الربيعي أحياناً أشبه بحالة توضيح الأفكار والمفهومات والاعتقادات فتكون القصيدة لديه عبارة عن محاولة حاضرة لإسقاط توحد مع ما يرتئيه الشاعر لنفسه ..لذلك فأن القارئ لقصيدة (طريدة ديانا) يرى بان حالة المكتوب المدون تأتي ميولاً لمواجهة حساسية مسببة لإمكانية النتيجة الحاضرة والمركزة في القصيدة .. وختاماً نقول بأن قدرة التقويم النقدي لاهمية اي نص أدبي وشعري يجب أن تكون ناتجة عن أساس مقومات وشروط نصية أكثر إيغالاً في ميادين (علاقاتية المدون) إزاء علاقة نزعة (تخارجات المسبب) وعلى هذا نود أن نقول للنقد أيضاً بصدد قصيدة (طريدة ديانا) وكلامي هذا بدوره موجه للنقاد بشكل خاص وهذا القول مني دون مجاملة أو إخوانيات: إن عوالم شعرية عبد الرزاق الربيعي تشكل مسعى دقيقاً في مدارات علائقية مكرسة في فاعلية محاكاة إحساساتنا ووجودنا وعندما يحاول هذا الشاعر رسم ونقل انطباعات وجودية وعدمية الصور والكلمات فإننا بدورنا نجد قصائدة عبارة عن خطاب منقطع في خطاب يملأ حيزاً ووجهاً من الحقيقة والخيال والتناص لخلق ثانوي لربما لا يتسم بالسهولة والمحاولة كما وأود قبل الانقطاع أن أقول شيئاً لقارئ عوالم عبد الرزاق الربيعي وأيضاً إلى كل من كتب عن عوالمه الشعرية حاضراً ومستقبلاً .. إن الكتابة التأملية عن هذا الشاعر دون نقد لربما لاتكفي لاسيما وإن لهذا الشاعر بعض من القصائد التي لاتقف داخل محطات هلامية من الرؤية والممارسة لدرجة إن من يقرأها بعجالة يشعر كما لو كانت بنيات هشة وباردة لحد الابتذال، وسبب هذا يعود لكون أعمال هذا الشاعر لاتعتمد الخطاب أو اللغة أو الشكل نبراس في ميثاقها ووجودها، وعلى هذا المثال نرى بأن قصيدة (طريدة ديانا) لربما إن قارئها يجدها مجرد علامة إشارية واسمية في مباحث سفرها الشعري إلا أن الناقد الحقيقي لربما يجدها تنصب داخل منطقة موجهات(علاقاتية المدون) وسياق طرحية (تخارجات المسبب) وعلى هذا فأنا مثلاً أواجه صعوبة بالغة كلما أشرع وأفكر بالكتابة عن واحدة من قصائد هذا الشاعر، لأن مكونات وأرضية انبثاقات النص الشعري لديه تبدو قادمة من أعماق هي خليط من تركات بليغة ليس الشعر من يحكمها أو يقودها وحده ، وعلى هذا أيضاً فأنا أدعوا كل من يحاول الكتابة عن أعمال هذا الشاعر أن يتحسب الدقة والتأني في خطواته الكتابية وذلك لكون آلية القصيدة لدى الربيعي لربما هي حدث ميثولوجي وكيفي في رؤياه وأساليب كتابته ، وعلى هذا أيضاً فنحن بحاجة كل يوم إلى مراجعة أفكارنا وصورنا ومفاهيمنا عندما نحاول أن نكتب شيئاً حول أعمال هذا الشاعر .. إلا أنني مجدداً أجدني بحاجة إلى القول وفي كل مرة بأن (القصيدة الربيعية) ماهي إلا مشروع تطور تفاسير منهجية تربطها علائقية الكلام والأوصاف والحدوثات الشيئية، وهكذا إذاً فليعلم دائماً (أنصاف النقاد) بأن النقد الموضوعي والرؤيا النقدية الجادة هي القادرة على كشف عيوب النص أولاً قبل محاسنة وجماله، غير أن الحال مع عوالم قصيدة الربيعي تبدو (قاب قوسين) وذلك بسبب أننا وجدنا بأن كفة الجمال والسمو وطاقة الوظيفة الأصالية هي المهيمنة على كفة من يكتبون القصيدة بطريقة (الكلمات المتقاطعة) أو بطريقة (مغازلة اللغة) وهذا بدوره يبدو شيئاً ليس صعباً فلكل زمان فرسانه ومبدعيه (السياب، نازك الملائكة، ادونيس، محمود البريكان، سعدي يوسف، عبد العزيز المقالح، عدنان الصائغ، عبد الرزاق الربيعي) كما ولكل قصيدة زمانها وصعاليكها ومهرجيها وأشباحها وأنصاف شعرائها.
إن القارىء لعوالم قصيدة (سماء متحركة) للشاعر عبد الرزاق الربيعي يرى بأن هناك ثمة هوية دلائلية مغايرة تؤكد على أن عملية مجريات الخطاب الشعري وأفعاله تنطلق من أساس زاوية استرجاعية تأريخية محفوفة بشخصية قد تبدو شبه استدلالية واستشهادية ضمن حوارية سلمية الأشياء العابرة، حيث لا تكون لدى المتلقي أدنى حقيقة بمرجعية يقينية تلك الشخصية و التي راحت تتناقل أوصافها نقلية الراوي في القصيدة، في حين بقية الذات المتكلمة للشاعر بعيدة في مختزلاتها للأشياء والمشاهد ومحافظة في الوقت نفسه على سيرورة متصوراتها الآنية إزاء وقائع الذات العارفة، لترسم وتؤسس لها من جهة ما، تحقيقا لوعي آخر في معرفة الأشياء من منظور جهة الشاعر وحدها. وعند التدقيق في قراءة هذه القصيدة، نجد بأن صور
ودلالات وتواصيف الكلام، قد لا تنبع دائما من وحي إيعازي بشفرات المعنى المدلولي المراد في ذروة الأخبار القصدي في القصيدة، وإنما نجد حقيقة تلك الأفعال الكلامية في النص، تكون نابعة عادة عن مجالات حضورية وغيابية مخالفة أحيانا لمشهدية المقطع الشعري الظاهر الدلالة والإيحاء، فالشكل الشعري في هوية نص الشاعر، نعاينه على أنه محض شكل صوري منفصل عن معناه السياقي أحيانا، في وقت تبقى الذات الشعرية الواصفة في القصيدة، مضادا ملحوظا لأبنية الظاهر الدلالي من زمن وجود تقاطعات الموصوف بحكم بنية الباطن من وجهة الخطاب الأولي من القصيدة. في حين أن القارىء لقصيدة الشاعر لربما يندرج تلقائيا داخل موجات قرائية حيث يتجاهل عضوية أداة الشكل المكتوب وفضائه الذي استحال إلى مقوم مضاف وجديد من قائمة مسببات حالة تحول ما في هوية المغايرة لخطاب دلالات النص.