[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” وقع بعض المحررين في فخ هذا النصاب وصدقوا أنه ضابط شرطة, وقاموا بنشر الخبر على الموقع الذي يعملون به دون أن يعطوا أنفسهم فرصة للتقصي أو التأكد من صحة الخبر سعيا في الحصول على الانفراد أو السبق الصحفي, متعللين أن الوقت متأخر وصعوبة الوصول لجهة أو مصدر يمكن التأكد من خلالها من صحة الخبر, بينما هناك محررون آخرون رفضوا الانجرار وراء السبق الصحفي والوقوع في فخ هذا النصاب, ”

انتشر في مصر فجر السبت الماضي خبر القبض على ممثل مصري شاب برفقة زوجته الممثلة السورية الشهيرة بتهمة حيازة وتعاطي المخدرات وأقراص الهلوسة, وهما يستقلان سيارتهما الخاصة على أحد الأكمنة الأمنية بضواحي مدينة القاهرة, نشر الخبر أولاً على البوابة الإلكترونية لواحدة من أعرق الصحف القومية المصرية التي تملك رصيدا كبيرا من المهنية والمصداقية اكتسبته على مدار تاريخها الصحفي الذي يمتد لأكثر من ثمانية عقود, ومن خلال الإصدارات الصحفية الورقية المتميزة التي ظلت الأكثر توزيعا في مصر والعالم العربي حتى وقت قريب, وتلقف الخبر بعد ذلك أكثر من60 موقعا إلكترونيا وأخذ كل موقع يضيف تفاصيل عن ملابسات الحادث وحجم المخدرات المضبوطة والجهة التي تم ترحيل النجمين المشهورين لها لاستكمال التحقيقات, ورد فعل أصدقائهما وزملائهما من الوسط الفني وموقف نقابة الممثلين من ظاهرة تعاطي الفنانين للمخدرات, حتى صارت "فضيحة بجلاجل" .
مع ساعات الصباح الأولى خرج الفنان (المشهر به) في فيديو "لايف" على مواقع التواصل الاجتماعي لينفي كل ما نشر على المواقع, ويؤكد أنه حر طليق وموجود في منزله وأن كل ما نشر على المواقع الإلكترونية نقلا عن موقع المؤسسة الصحفية الكبرى ليس له أصل من الحقيقة, وتوعد الموقع الشهير والمواقع التي نشرت عنه والمحررين ومسؤولي التحرير الذين تورطوا في نشر الخبر الملفق بالملاحقة القضائية, بعد أن أوضح حجم الضرر والأذى الذي تعرض له هو وأسرته جراء انتشار هذا الخبر الذي نال من مكانته وأساء لسمعته في المجتمع, وكيف أن والدته أغشي عليها وتعرضت لأزمة صحية عند سماعها بما حدث, وأعلن رفضه للتصالح أو قبول أية ترضية وإصراره على المضي قدما لأخذ حقه بالقانون مهما كلفه ذلك.
حاول رئيس الهيئة الوطنية للصحافة (الجهة المسؤولة عن الصحف القومية التي تم تشكيلها مؤخرا بعد إلغاء وزارة الإعلام طبقا لدستور 2014م )تلطيف الأجواء وقدم اعتذاره للفنانين (المشهر بهما), وأكد أن دور الهيئة التصدي للأخبار الكاذبة والشائعات التي تنال من سمعة المواطنين, وأن الصحافة القومية تحترم الفن والفنانين باعتبارهم نواة القوى الناعمة التي تفتخر بها مصر والأداة الرئيسية لنشر الثقافة والوعي في مصر والعالم العربي, واعتبر أن إهانة أي فنان أو فنانة أو الإساءة إليه خط أحمر في أي من الوسائط الصحفية العاملة في مصر سواء كانت صحفا ورقية أو مواقع إلكترونية, خصوصا التابعة للصحف القومية التي هي ملك الشعب والدولة المصرية, وأن هناك جهودا تبذلها الهيئة لسن قوانين وضوابط صارمة تنظم عمل المواقع الإلكترونية وتعاقب كل من ينشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة وأنه سيعلن قريبا عن ميثاق شرف للنشر الإلكتروني.
كما سارع رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية التابع لها الموقع الإلكتروني, بتقديم اعتذاره نيابة عن العاملين بالموقع والمؤسسة على نشر هذا الخبر غير الصحيح , وأمر بتحويل كل من شارك في جلب الخبر أو وافق على نشره إلى الشؤون القانونية التابعة للمؤسسة, وتوعد بأشد العقوبات لمن يثبت عليه الضلوع في هذه السقطة الصحفية التي نالت من سمعة المؤسسة الصحفية العريقة ومصداقيتها أمام قرائها كما خرج رئيس التحرير التنفيذي للموقع على القنوات الفضائية للدفاع عن الموقع والاعتذار عما حدث مؤكدا حرص القائمين على الموقع على مراعاة المعايير المهنية والأخلاقية عند تعاملهم مع الأخبار المنشورة وأنه لم يسبق للموقع أن سقط يوما في فخ الإشاعات أو الأخبار "المفبركة" أو المشكوك في مصدرها’ من أجل تحقيق سبق صحفي أو مجاراة المواقع الصفراء, وحاول التماس العذر للمسؤولين عن النشر, كون الذي أتى بالخبر محرر حوادث مخضرم مشهود له بالكفاءة والأمانة الصحفية, ولديه مصادره الموثوقة بالجهات الأمنية ولم يسبق له ارتكاب مثل هذا الخطأ.
مع دخول الليل بدأت الأمور تتضح عمن يقف وراء انتشار هذا الخبر وتبين أنه شخص كان على خلاف مع الفنان المشهر به وأنه خرج من السجن منذ فترة قصيرة, بسبب قضية نصب وشيكات بدون رصيد كان الفنان (المشهر به) أحد أطرافها, وأراد الانتقام من الفنان المذكور, واستغل معرفته بأسماء عدد من ضباط المباحث وامتلاكه لأرقام هواتف بعض محرري الحوادث بالجرائد والمواقع الصحفية, وانتحل شخصية أحد ضباط مباحث وقام بالاتصال بالمحررين وأخبرهم بأنه سيمنحهم فرصة عمرهم لتحقيق انفراد وسبق صحفي مثير عن ضبط الفنان الشاب بصحبة زوجته الفنانة المشهورة وبحوزتهم مواد مخدرة في أحد الأكمنة الأمنية بالقاهرة.
وقع بعض المحررين في فخ هذا النصاب وصدقوا أنه ضابط شرطة, وقاموا بنشر الخبر على الموقع الذي يعملون به دون أن يعطوا أنفسهم فرصة للتقصي أو التأكد من صحة الخبر سعيا في الحصول على الانفراد أو السبق الصحفي, متعللين أن الوقت متأخر وصعوبة الوصول لجهة أو مصدر يمكن التأكد من خلالها من صحة الخبر, بينما هناك محررون آخرون رفضوا الانجرار وراء السبق الصحفي والوقوع في فخ هذا النصاب, وانتظروا حتى الصباح واتصلوا بمصادرهم الموثوقة بالجهات الأمنية التي أكدت عدم صحة الخبر جملة وتفصيلاً .
هناك تحديات تواجه مهنة الصحافة اليوم في العالم أجمع, وأهمها تراجع نسب توزيع الصحف الورقية, وانصراف القراء إلى متابعة الأخبار عن طريق الشبكة العنكبوتية, مما أثر على اقتصاديات معظم الصحف خصوصا بعد تقلص حجم الإعلانات, المصدر الأساسي للتمويل وتحولها هي الأخرى إلى المواقع الإلكترونية, ولمواجهة هذه الأزمة تحولت كثير من الصحف إلى موقع إلكتروني, واضطرت أخرى إلى إطلاق موقع إلكتروني بجانب الإصدار الورقي في محاولة للمنافسة والحصول على حصة من الإعلانات التي اتجهت للفضاء الإلكتروني, ولكن ظلت معضلة "الانفراد و السبق " والمنافسة على جذب القراء التحدي الأكبر للقائمين على هذه المواقع بسبب كثرة عددها وحالة الانفلات وغياب الضوابط والمعايير المهنية المتبعة في الصحافة الورقية عن مواقع الإنترنت التي لا تتورع عن فعل أي شيء من أجل جذب المتصفحين للدخول إليها , حتى لو كان ذلك عن طريق التحايل أو نشر الشائعات أو الأخبار المفبركة.