[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
عند الحديث عن بلد نهض من تحت الركام في القرن العشرين تطفر في الواجهة بلاد اليابان، والحديث عن هذا البلد ليس للسرد التاريخي أو للتذكير وإعادة رسم الأحداث وما حصل لهذا الشعب، وماذا فعل الشعب الياباني للتغلب على الركام والموت والدمار والخراب والنهوض من جديد.
إذا أراد البعض شتم الولايات المتحدة والقول إنها ارتكبت جرائم بشعة يستشهد بالقنابل التي قصفت بها مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في العام 1945، ومن يريد مناقشة ضعف الولايات المتحدة في مواجهة القوة اليابانية مواجهة مباشرة، يقول إن انتهاء الحرب الثانية لم يحصل كما تريد واشنطن لولا استخدامها للسلاح النووي، ومن يناقش الحقد الأميركي على الشعوب التي ألحقت الأذى بالأميركيين يستشهد بتدمير القوة الجوية اليابانية لـ"بيرل هاربر" أواخر العام 1941 إبان مجريات المعارك في الحرب العالمية الثانية، ومن يريد القول إن الأميركيين أرادوا إذلال الشعب الياباني بعد انتهاء الحرب الثانية انتقاما وثأرا، يتحدث عن ممارسات الجنرال الأميركي ماك آرثر الحاكم العسكري الأميركي لليابان بعد إعلان اليابان استسلامها في شهر أغسطس - اب من العام 1945.
وجميع هذه النقاط صحيحة ولا اعتراض عليها، إنها وقائع مسجلة في التاريخ والأرشيف العالمي.
لكن ثمة شذرات متميزة في أخلاقيات الشعب الياباني، الذي قاتل بشجاعة وشراسة، وهو أمر معروف عن اليابانيين سواء في حروبهم مع الصين والروس وغيرها، وهذا الشعب الذي شعر بمرارة الهزيمة وحجم المأساة التي عاشتها مدنه التي دمرها وأحرقها الأميركيون بقصف جبان وبسلاح مدمر تم رميه من ارتفاعات عالية، هذا الشعب الذي كان يعيش أوضاعا معيشية سيئة سرعان ما خرج في مظاهرات احتجاجية على الأوضاع التي ألمت بالناس، وذهبت الحشود إلى قصر الامبراطور المهزوم، ودخلت الحشود مباشرة إلى مطبخ الامبراطور، لكنهم اكتشفوا أن معيشته الامبراطورية ليست أفضل من عامة الشعب، وأن مرارة الهزيمة لم تقع على عموم الناس فقط، وإنما شملت الامبراطور وأسرته وحاشيته.
عندما أراد الجنرال الأميركي ماك آرثر صياغة فقرات وبنود في الدستور الياباني للعام 1946، تتضمن إذلالا وتنطوي على إهانة للامبراطور، تصدى لتلك المحاولات مواطن ياباني اسمه (شيجيرو يوشيدا)، رافضا أية محاولة من الأميركيين للمساس برمز الدولة والمجتمع الياباني (أي الامبراطور) ولم يقبل بأي محاولة من هذا النوع، وأصبح يوشيدا أول رئيس للوزراء بعد الحرب وتسلم الوزارة أكثر من مرة، ويذكره التاريخ الياباني والعالمي بأنه لم يسمح في حينها للغرباء المحتلين بالتلاعب بثوابت الشعب الياباني ورمزيته، وفي الوقت ذاته عمل بكل جهد وصدق لبناء الدولة اليابانية، التي تعرضت لأكبر نكبة في تاريخها، نتيجة للقتل والقصف والتدمير، وكانت تواجهه مشاكل جمة في مقدمتها تحويل التوجه العام عند اليابانيين من عسكري إلى إنتاجي، والاستفادة من الخبرات العسكرية والفنية في تأسيس نهضة صناعية تمكنت خلال فترة قصيرة من غزو العالم والوقوف في الصدارة عالميا وما زالت.