إعداد ـ علي بن صالح السليمي:
ضمن الخطب القيّمة التي ألقاها فضيلة الشيخ الجليل/ حمود بن حميد بن حمد الصوافي .. اخترنا لك عزيزي القارئ احدى هذه الخطب والتي هي بعنوان:(العلم بمناسك الحج) .. حيث ان الخطبة تعتبر من اهم الوسائل الدعوية التي استخدمها فضيلته في هذه الحياة ..

يستهل فضيلة الشيخ حمود الصوافي في هذه الخطبة قائلا: يا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بما فيه رضاه فاتقوا الله وراقبوه وامتثلوا أوامره ولا تعصوه واذكروه ولا تنسوه واشكروه ولا تكفروه واعلموا أن الله سبحانه وتعالى يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ويحكمه ومن إتقان الحج وإحكامه معرفة مناسكه وحدوده وواجباته ومسنوناته ومحظوراته ومكروهاته حتى يكون الحاج على بينة من أمره وعلى بصيرة في كل ما يأتيه وما يذره) أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(، (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، (ومن سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة)، (عمل قليل في علم خير من عمل كثير في جهل)، (من أراد الله به خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده)، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بإتمام الحج والعمرة في قوله عز من قائل:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وقال فضيلته: إن المراد بإتمامهما إكمال مناسكهما وحدودهما وواجباتهما ومسنوناتهما ومن أين يمكن للإنسان إكمال هذه الأشياء إلا بعد معرفتها وإتقانها، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الذي سألا الله فيه أن يريهما مناسكهما يقول عزمن قائل (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، والمراد بالحج المبرور هو الذي لم يقارف الحاج فيه إثما ولم يرتكب فيه معصية وأن يتخير نفقته من كسب حلال ومن خير ماله وأطيبه وأن يقصد به وجه الله عز وجل لا يريد بذلك غرضا دنيويا وأن يأتي بالأعمال التي بينها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن أين يمكن للإنسان مراعاة هذه الأشياء إلا إذا كان موصولا بنور الله متفقها في دينه ومن المؤسف والمحزن أن كثيرا من الناس يذهبون لأداء حج بيت الله الحرام وهم يجهلون مناسك الحج لا يفرقون بين النافع والضار ولا يميزون بين الخطأ والصواب وفي ذلك من الخطورة ما لا يخفى فقد يتعرض أحدهم لما يوجب عليه الهدي وقد يتعرض أحدهم لفساد حجه من حيث لا يشعر، فعلى المسلم أن يتفقه في دينه حتى يعبد الله على بصيرة وإنمَا يُعبدُ بالعلمِ (فاسألواْ أهلَ الذكرِ ان كنتمْ لا تعلمونَ(.
وقال فضيلة الشيخ مستكملاً خطبته: أيُّها المسلِمُونَ عندما حج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حجة الوداع كان يُعَلِّمُ أصحابه مناسك الحج بالقول والفعل ويقول خذوا عني مناسككم وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ رجالاً ونساء يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عما بدا لهم من أمور الحج فعن جابر بن زيد قال بلغني عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال في حجة الوداع إن رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال:(يا رسول الله لم أشعر فحلقت فبل أن أذبح فقال له اذبح ولا حرج فجاءه آخر فقال له يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج فما سئل في ذلك اليوم عن شيء إلا قال ولا حرج)، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول (صلى الله عليه وسلم) فقال: افعلي كل ما يفعله الحاج غير أنك لا تطوفي بالبيت حتى تطهري(، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:(إن صفية بنت حيي زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) حاضت فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أحابستنا هي فقيل إنها قد أفاضت قال: فلا إذن)، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:(إن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم فقال مرها فلتغتسل ثم لتهلل(، وعن ابن عباس قال:(كان الفضل بن العباس رديف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجاءت امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل بن عباس ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على العباد في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضية عنه قالت نعم قال فذاك ذاك)، وعن أنس بن مالك قال: أتى رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة لا تستطيع أن أركبها على البعير وإن ربطتها خفت عليها أن تموت أفأحج عنها قال: نعم، وعن جابر بن زيد قال:(اصطحب محمد بن أبي بكر وأنس بن مالك من منى إلى عرفات فقال محمد بن أبي بكر كيف تصنعون في مثل هذا اليوم وأنتم مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه).
موضحاً فضيلته قائلاً: هكذا كان الصحابة رجالا ونساء يسألون عن أمور دينهم حتى يعبدوا الله على بصيرة فاتقوا الله يا عبادَ الله وتفقهوا في دينِكُمْ وأدوا فرائض الله كما أمركم الله وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ، (وتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).