السماح المتكرر للمستوطنين المتطرفين من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتدنيس المسجد الأقصى، واعتزامها تنفيذ عملية اقتحام لتدنيس المسجد من قبل أعضاء الكنيست يوم الثلاثاء المقبل، يكشف عن الحجم الحقيقي للمؤامرة المدعومة من جانب حكومة الاحتلال ومدى تواطئها مع المستوطنين المتطرفين، وهو ما يؤكد أن التطرف الإسرائيلي يتزايد يومًا بعد يوم دون تصنيف محدد للجماعات اليهودية التي تمارسه، بل إن بنيامين نتنياهو أراد أن يؤكد وجوده في خلفية الصورة كمحفز للمقتحمين للحرم القدسي على الاستمرار في فعلتهم النكراء وذلك ليس بموافقته الصريحة على قيام اليهود والمستوطنين المتطرفين بتدنيس الأقصى فحسب، وإنما بقراره السماح لأعضاء الكنيست باقتحام المسجد الأقصى، في استفزاز متعمد لمشاعر المسلمين، وهو بذلك كأنما يصب الزيت على النار ليتمادى المتطرفون اليهود والمستوطنون في فعلهم ما داموا ـ حسب الفهم الخاطئ لنتنياهو ـ يمارسون ذلك العمل الإرهابي على أرض هي ملك لهم، ذلك على الرغم من أن مثل هذه المواقف تعد مخالفة صريحة لكل المواثيق الدولية التي تطالب كيان الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من كافة الأراضي التي احتلتها خلال حرب يونيو 1967.
إن السماح لليهود والمستوطنين المتطرفين باقتحام الأقصى الشريف بصورة شبه يومية هو بداية تحرك خطير لا يهدف فقط إلى السيطرة المطلقة على مدينة القدس المحتلة انطلاقًا من الأحلام التلمودية بأن القدس هي العاصمة الأبدية لما يسمى بـ"إسرائيل اليهودية"، بل يهدف أيضًا إلى نسف العملية السلمية من جذورها، وتحريض الشعب الفلسطيني على الانتفاض من جديد لحماية المقدسات كي تبدأ الآلة الإعلامية الإسرائيلية في الترويج لما تسميه دائمًا بـ(الإرهاب الفلسطيني) الذي تتخذه بين الحين والآخر ذريعة للتنصل من استحقاقات عملية السلام، ولمواصلة التنمر للحقوق الفلسطينية وانتهاكها وارتكاب الجرائم والموبقات بحق الشعب الفلسطيني، وللاستمرار في نهب ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.
من الواضح أنه في خلفية هذه الخطوة الاستفزازية المدانة، أن حكومة نتنياهو تراهن على أن تداعي الأوضاع الفلسطينية والعربية، وانشغال المجتمع الدولي بملفات ساخنة في المنطقة والعالم، يمثل فرصة ذهبية لتمرير خطوة استكمال تهويد القدس نهائيًّا وشطب هويتها العربية الفلسطينية، الإسلامية ـ المسيحية، بعدما قطعت أشواطًا كبيرة على طريق تغيير الخريطة الديمغرافية للقدس الشرقية، من خلال عمليات التهويد والاستيطان المكثفة فيها، وفصلها عن جوارها في باقي أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967.
لذلك، في التقدير، تبدو التحذيرات والدعوات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية كمن ينفخ في قربة مثقوبة، فرغم القناعة بخطورة مواقف نتنياهو وحكومته بالسماح بتدنيس المسجد الأقصى، وأن "القرار يعد تصعيدًا خطيرًا في محاولات الاحتلال لتعزيز الاقتحامات غير القانونية للمسجد الأقصى على طريق تكريس تقسيمه الزماني"، إلا أن الواقع العربي والإسلامي هو واقع مؤسف ولا يسعف، وبالتالي الركون من جانب السلطة إلى محطة انتظار تحرك عربي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أمر مرفوض ولا يحتمله الوقت الذي يميل لصالح المخططات الإسرائيلية.