مسقط ـ العمانية:
- د. محمد الحبسي: الملامح الاجتماعية في النص المسرحي مرافقة للتغيرات الاجتماعية والثقافية والتنموية للمجتمع العماني

- د. سعيد السيابي: المسرح العماني خضع كغيره من المسارح إلى تسارع العولمة، والبحث عن الهوية الذي سببه هذا التسارع

- عزة القصابية: السلطنة تزخر بتراث شعبي وتاريخي عريق، وهناك الكثير من الأغاني والرقصات الشعبية الفلكلورية التي تشكل ظواهر شعبية يمكن تقديمها كمسرح

- د. كاملة الهنائية : الكتابة لمسرح الطفل تتطلب مهارات ومقدرة أدبية وفنية خاصة، وأدوات وخبرات لابد للكاتب أن يمتلكها

يحتل المسرح مكانة مهمة في مختلف ثقافات العالم وكما هو معروف فإن المسرح فن يجمع عدة فنون داخله فهو بمقدار حاجته إلى مكان للعرض وممثلين وغير ذلك، يحتاج كذلك إلى نص ينطلق منه الكل في العملية المسرحية ويحدد هذا النص مسار العملية المسرحية برمتها.
ولأجل إلقاء الضوء على أهمية ودور النص المسرحي في المسرح العماني فقد عقد المنتدى الأدبي ندوة متخصصة عن "النص المسرحي المعاصر في سلطنة عمان" بتاريخ 9-10 سبتمبر 2013م بالنادي الثقافي وحاضر في هذه الندوة عدد من المتخصصين في المسرح.وفي العام 2016م أصدر المنتدى أوراق هذ الندوة في كتاب(150 صفحة). وقد أصدر المنتدى في 2010م كتاب "المسرح العماني واقع وتطلع" .وأول أوراق الكتاب كانت للدكتور محمد بن سيف الحبسي الذي تناول موضوع " الملامح الاجتماعية للمجتمع العماني في النص المسرح مسرحية (الفأر) أنموذجا، ويشير في بداية ورقته إلى الدور الذي قام به المسرح المدرسي وتعالق هذا المسرح مع المواضيع الاجتماعية حيث يقول: "مع بداية ظهور المسرح العماني في أربعينيات القرن العشرين من خلال المسرح المدرسي ومسرح الأندية كانت القضية الاجتماعية جزءًا من مواضيع هذه المسرحيات المتواضعة في أسلوب كتابتها وإخراجها ولعل مسرح الاندية كان اكثر اقترابا من هذه القضية الاجتماعية كقضايا الزواج وغلاء المهور وأهمية الوطن والمحافظة على سلامة المجتمع من الطامعين وغيرها من القضايا". وكانت الملامح الاجتماعية في النص المسرحي العماني مرافقة للتغيرات الاجتماعية والثقافية والتنموية للمجتمع العماني، فكما أشار الباحث إلى أن المسرح المدرسي حاول أن يتطرق الى مجموعة من هذه الملامح وخاصة ما يمكن ان نسميه بالمسرح التربوي الاجتماعي والذي من خلاله يتم التركيز على السلوكيات الاجتماعية والتي يمكن ان تنتشر داخل المدرسة او خارجها باعتبار أنه إذا صلح الفرد صلح المجتمع.والمسرح الاجتماعي من خلال المسرح المدرسي بجانب اعتماده على مسرحة المناهج الدراسية فقد ظهرت أيضًا مجموعة من النصوص المسرحية ذات المضامين الاجتماعية كعلاقة الآباء بالأبناء باعتبارها أساسًا مهمًا لبنية المجتمع العماني..
كما تطرقت بعض النصوص إلى الأسرة العمانية والعلاقة بين الزوجين..كما تطرقت أيضا الى البيت العماني بملامحه التقليدية والحياة البسيطة للعمانيين والمهن التقليدية المرتبطة بالإنسان العماني.
مسرحية ( الفأر) كتبها الكاتب والمخرج المسرحي العماني محمد الشنفري عام 1987م لمسرح الشباب في مسقط والتي تمثل تيارا مسرحيا اجتماعيا ليس تقليديا في أسلوب كتابته خاصة وأنها ظهرت في فترة الثمانينات. لذلك فإن هذه المسرحية تعتبر من أولى المسرحيات العمانية التي ظهرت في هذه الفترة لكاتب ومخرج مسرحي عماني. ومحمد الشنفري يعتبر أحد رواد الحركة المسرحية العمانية خاصة في مسرح الشباب في مسقط بجانب دراسته الأكاديمية للمسرح خاصة وأنه من أوائل العمانيين الذين درسوا المسرح في أوروبا وبالتالي تكونت لديه رؤية واضحة عن المسرح وأساليب الكتابة الحديثة للمسرح بما يتوافق وطبيعة الجمهور المسرحي وثقافته فلابد أن تكون هذه المسرحية متميزة في أسلوب كتابتها رغم بعض ملاحظتنا النقدية عليها خاصة وكما ذكرنا سابقا أنها ظهرت في فترة الثمانينات التي افتقدت فيها الحركة المسرحية في عمان إلى وجود كاتب مسرحي عماني متخصص وقادر على الكتابة للمسرح..كما ظهرت كثير من المسرحيات ذات الأسلوب الاجتماعي والفكاهي. والمسرحية في موضوعها الرئيسي تناقش قضية (الزواج غير المتكافئ وآثاره).كما أن المسرحية تناقش وباختصار بعض القضايا والموضوعات الاجتماعية المرتبطة بالإنسان والمجتمع العماني ونقد بعض السلوكيات والظواهر الخاطئة. كما تطرق الدكتور سعيد بن محمد السيابي في ورقته إلى نصوص المهرجانات المسرحية في سلطنة عمان بين سياق الكلمة ودلالة اختيار الفعل. ويؤكد السيابي في وقته على أن فن المسرحية هو أكثر الفنون الأدبية حاجة إلى نضج الملكة، وسعة التجربة، والقدرة على التركيز والإحاطة بمشاكل الحياة والإنسان.

وفي ورقته التي تتناول النصوص المقدمة في المهرجانات المسرحية في السلطنة حاول الدكتور السيابي تتبع ما تم تقديمه من خلال تقصٍ تاريخي وتحليلي حول سياق الكلمة الواردة فيها ودلالة اختيار الفعل الممكن، لذا كان لابد من الاشارة بداية إلى أن المسرح العماني خضع كغيره من المسارح إلى تسارع العولمة، والبحث عن الهوية الذي سببه هذا التسارع وقاد الكتاب المسرحيين للبحث عن المواءمة الاجتماعية والثقافية في المهرجانات المسرحية التي انطلق قطارها متأخرا بعض الشيء في عام 1990م على الرغم من مرور أكثر من عقدين شهدت حراكا مسرحيا مستمرا في مختلف الأنواع والأعمار المسرحية.انطلقت ورقة السيابي بذكر عدد كبير من المفاهيم الكفيلة بشرح كتابات النصوص المسرحية التي قدمت في المهرجانات والتي تمتزج فيها تجربة الكاتب واختيار المخرج معا لتقديم هذا النص الجديد، ومن أبرز المفاهيم التي توقفت عندها الورقة مفهوما النص والمهرجان، كما سعت الورقة إلى الإجابة على بعض الاسئلة الموضوعية حول: هل هناك عناصر خارجية يمكنها التأثير في اختيار نصوص المهرجانات؟ أم أن كل نص يفرض أدوات إجرائية تناسبه، وتنبع من داخله؟ ما مدى استقلالية هذه النصوص عن النصوص المسرحية الخليجية، والعربية، العالمية؟ وهل استطاعت نصوص المهرجانات أن توجد تفاعلاً ضمن حقل دلالي يتماشى وطموحات المبدع في آن واحد؟ إلى أي حد استطاعت تلك النصوص المكتوبة باللغة العربية أو باللهجة المحلية، والمقدمة في المهرجانات أن تشكل هوية عمانية؟ كيف تفاعل النص المحلي بالوافد؟ أو كيف تفاعلت نصوص المهرجانات مع ثقافة الجمهور العماني وقضاياه الرئيسية؟ ونختم هذه الدراسة بعدد من الاستنتاجات والمقترحات المستقبلية التي يمكن أن تساهم في تسليط الضوء على نصوص المهرجانات المسرحية وما تحفل به من سياق للكلمة والدلالة في اختيار الفعل المسرحي.

أما ورقة "الفرجة التراثية في المسرح العماني قراءة نقدية لنماذج من المسرحيات العمانية" للباحثة عزة القصابية فتؤكد فيه على ما تحظى الفنون الشعبية العمانية باهتمام الجهات الراعية للتراث والموروث الشعبي الشفهي والموسيقي. انطلاقًا من كون السلطنة تزخر بتراث شعبي وتاريخي عريق، وهناك الكثير من الأغاني والرقصات الشعبية الفلكلورية التي تشكل ظواهر شعبية يمكن تقديمها كمسرح، يعكس ثقافة الشعب العماني وعاداته وتقاليده الأصيلة الموروثة عن الأجداد والتاريخ بما فيه من أحداث وملاحم بطولية. وهناك الكثير من الفنون العمانية التراثية التي تشكل فرجة شعبية معبرة عن الفرح والحزن وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى، ومن هذه الفنون الرزحة، والعازي والعيالة، والميدان، والمسبع، والباكت، والتغرود، والميدان، وكاسر، وهمبل...وغيرها من فنون البحر، والرعي، والقنص. والبعض من تلك الفنون تم استغلاله دراميا، بينما الآخر لا يزال في طي الكتمان.
وعن الطرق التي يمكن للكاتب المسرحي الاستفادة من عنصر التراث الشعبي والتاريخ عبرها، ترى القصابية أن هناك أكثر من طريقة يمكن أن يتبعها الكاتب المسرحي عند معالجته للتراث الشعبي والتاريخ، أولها: المحافظة على القصة التراثية أو التاريخية كما هي، وثانيها إضافة أحداث وشخصيات من وحي خيال المؤلف. والمتابع للمصادر التراثية الحكائية المتوفرة، سيجد هناك اجتهادات من الباحثين والمبدعين العمانيين لتدوين التراث القصصي الذي يرويه الأجداد وتتناقله الأجيال، مثل: كتاب (البصراويان والعماني) لعيسى الشعيلي وكتاب (حكايات شعبية ظفارية) للدكتور محمد المهري وقصص (سيرة الحجر: حكايات قروية ) لزهران القاسمي وغيرها من الكتب القصصية التراثية.

كما تم تقديم ورقة عمل "إشكالات الكتابة لمسرح الطفل في سلطنة عُمان" للدكتورة كاملة الهنائية وتشير الباحثة إلى أن الكتابة لمسرح الطفل تتطلب مهارات ومقدرة أدبية وفنية خاصة، وتتطلب أدوات وخبرات لا بد للكاتب أن يمتلكها لكي يستطيع عملياً الكتابة لمسرح الطفل، لما للكتابة المسرحية للطفل من تفرد وخصوصية، لذا نجد أن الكتّاب المسرحيين، بمن فيهم الكتّاب المحترفون، يترددون في خوض غمار تجربة الكتابة لمسرح الطفل.لذلك، وعلى الرغم من الأهمية التربوية والتثقيفية والنفسية الكبيرة لمسرح الأطفال، فإن مجال الكتابة لمسرح الطفل لا يزال محدوداً إذا ما قيس بفروع أدب وثقافة الطفل الأخرى كالقصة والشعر، ويواجه العديد من الإشكالات، ولذلك ظلت نسبة المسرحيات المكتوبة للأطفال حتى الآن تتراوح ما بين (1-2%) مما يكتب وينشر من أدب الأطفال على مستوى الوطن العربي، وإن اختلفت هذه النسبة من بلد عربي إلى بلد آخر.وعن وضع مسرح الطفل في عمان نجدها تقول:"إن مسرح الطفل في سلطنة عُمان مر بمراحل تاريخية مختلفة منذ ظهوره في عام 1972م، ومنذ ظهور هذا الشكل المسرحي كأحد الأوجه الثقافية والمسرحية في السلطنة واجه العديد من الظروف والإشكالات التي أعاقت تطوره من ضمنها إشكالات الكتابة لمسرح الطفل".ولمعرفة وتحليل الإشكالات التي تواجه واقع الكتابة لمسرح الطفل في سلطنة عُمان تناولت الهنائية في بداية ورقتها إرهاصات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل من خلال المقدمة التاريخية التي سلطت الضوء على تاريخ الكتابة لمسرح الطفل في سلطنة عمان، وأهم أسماء الكتّاب المسرحيين الذين كتبوا لمسرح الطفل، والموضوعات التي تم طرحها في نصوصهم المسرحية المقدمة للطفل، ومن ثم التطرق إلى أهم الإشكالات التي تواجه الكاتب المسرحي العماني عند كتابته نصاً مسرحياً موجهاً للطفل من خلال مناقشة خصائص مسرح الطفل التي يجب مراعاتها عند كتابة هذه النصوص، وذلك في محاولة للوصول إلى إجابات حول كيفية تطوير واقع الكتابة لمسرح الطفل في سلطنة عمان مستقبلاً، والتغلب على الصعوبات والإشكالات التي تواجه الكتّاب المسرحيين الذين يكتبون لمسرح الطفل.
أما ورقة الباحثة المغربية الدكتورة لطيفة بلخير فقد حملت عنوان "إشكاليات النص الأدبي على خشبة المسرح: "ثلاثة أعمال من المسرح العماني نموذجا" ركزت الورقة على ثلاث تجارب عمانية كتبت النص المسرحي وهذه التجارب هي: آمنة الربيع، هلال البادي، وعبدالكريم جواد، و عن الأدوار التي جسدتها هذه التجارب نجد الكاتبة تقول: رسم الكتاب الثلاثة ملامح جديدة في مسار المسرح العماني من خلال اختزال "آمنة الربيع" العوالم الشعرية في نص مسرحي بديل، ونهج أسلوب الازدواجية في الأدرمة، والاشتغال على مؤثثات الفضاء وثنائية الظهور والاختفاء، تيسيرا لسبل انتقال النص إلى الخشبة.
أما "هلال البادي" فقد سعى إلى قلب قواعد التخيل الأدبي وجعل القراءة متأرجحة بين سلطة خيال الكاتب وسلطة خيال الشخوص، علاوة على معالجة الكتابة وفق حدثين دراميين متقاطعين هما حدث المدينة، وحدث الكتابة اللذان بلورا تصوره المرتبط بعبور النص نحو الخشبة.بينما لجأ الكاتب "عبد الكريم جواد"
إلى التوظيف البناء للفانتازيا اللغوية، وللفضاء الإشكال. وتؤكد أن النصوص التي درستها وهي: "عابر أقل"، "ما حدث بعد ذلك"، " و"عائد من الزمن الآتي"، أكسبت الكتابة العمانية المسرحية نفسا جديدا برهن على متابعتهم لمستجدات المسرح عربيا ودوليا في زمن العولمة حيث بات لزاما أن يجابه المسرحي انشغالاته بأسلوب جديد، وبطروحات فكرية وجمالية جديدة، أمام جمهور متطلع للتغيير والتجديد.
إنها النصوص الإشكال المتسائلة بواسطة البعد الدرامي عن مأزق فساد الحقيقة، إذ يصبح الإنسان جوهر الفرجة المسرحية عنده ؛ لأنه قضية ولغز وكنه المعرفة الإنسانية.وفي ختام ورقتها تخلص الدكتورة لطيفة بلخير إلى أن هذه الأعمال المسرحية نسق من العلامات الرمزية لا تنكشف دلالاتها المضمونية إلا بتفكيك الإشارات اللغوية وغير اللغوية التي تسهم في تشكيل الانتقال من القول إلى الفعل. ومن ثم، فإن ثالوث اللغة /الشخصية/ الحدث قد شكل جوهر عملية عبور هذه النصوص إلى الخشبة، الأمر الذي خول لها أن تكون نقطة تحول أساسية في مسار الإبداع المسرحي المعاصر بالسلطنة ، رابطة بين قلق الوجود البشري، وبين قلق بلورة أفق كتابة مسرحية مغايرة.