تظل مسيرة التعليم في بلادنا علامة فارقة وحالة استثنائية في التاريخ المعاصر بالنظر إلى حجم الدور الذي لعبته النهضة المباركة منذ بزوغ فجرها في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970، وكذلك إلى النظرة العميقة إلى أهمية التعليم في تحقيق أهداف النهضة المباركة.
فالاهتمام بالتعليم يعد حجر الزاوية في كل خطة نهوض وبالتالي فإن المجتمعات الجاهلة ليس لها نصيب في الاستقرار أو النمو، وهذه الحقيقة كانت ماثلة في فكر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وهو يؤسس لحركة النهضة العمانية الحديثة، ومن ثم جعل التعليم في قمة أولوياته ليقينه أن الإنسان المتعلم أو المثقف يعرف هو بدوره أولوياته في الحياة، ويحسن اختيار الأفضل لنفسه ولأسرته ولوطنه، وها نحن قد وصلنا ـ ولله الحمد ـ إلى مستويات نعتز بها في مجال النهوض بالتعليم، فأصبح لدينا خريجون ومتخصصون في كافة التخصصات، لكن التطور العلمي والتقني على مستوى العالم وطموحنا يجعلان الارتكان إلى مستوى معين من التعليم أمرًا مستحيلًا، ومن ثم لابد من ملاحقة كافة البرامج التي ترتقي بحقل التعليم والعاملين فيه من تربويين ومعلمين وإداريين ومبرمجين وخبراء مناهج. وهو جهد يستمد تطوره واندفاعه أيضًا من خلال التنسيق مع خبرات الآخرين في عمل تكاملي وتعاوني يصب في خدمة المجتمع وقطاع التعليم على وجه الخصوص.
وأمام هذا القدر المتيقن، فإن التطلع والطموح أن يأخذ كل عام دراسي جديد تلك الاعتبارات على محمل الجد والاهتمام، انطلاقًا من فلسفة تأخذ في حسبانها أهمية أن يواكب التعليم مستجدات العصر، ويلبي حاجات سوق العمل ومتطلباته، عبر تخصصات علمية وتقنية وفنية ومهنية تشبع الحاجة؛ لذلك ـ ونحن نشاهد اليوم بدء العام الدراسي (2017ـ 2018) حيث أبناؤنا الطلاب انتظموا على مقاعد الدراسة ـ فإن الغبطة تسير بنا نحو رؤى وأهداف وبرامج وتخصصات وضعت المصلحة الوطنية العليا في موضعها الذي يجب أن تكون فيه، وجعلت من الارتقاء بالطالب والمعلم والمنهج هدفًا وطنيًّا أصيلًا، وتسخير كل ما من شأنه أن يقوم بدور مهم في دعم مسيرة التعليم في بلادنا عبر تضافر الجهود والمشورات من أجل تربية أفضل وتعليم أجود يرتقي بأبناء عُمان الماجدة، ويؤهلهم لاستيعاب مخرجات العصر، وكذلك التأهب لمواجهة تحديات العولمة والحداثة والتخصصات التي تستجد في حقل التعليم والتربية. وحيث من المهم التأكيد على ضرورة التنسيق مع البلدان الأخرى التي سبقت في مضمار التطور التربوي فإنه ليجدر بنا أن ننقل خبرات الآخرين بما يتلاءم مع إمكاناتنا الوطنية وبما يتناسب مع قيمنا وهويتنا الوطنية والقومية، فنحن في النهاية جزء من نسيج البشرية التي نعيش بينها بما نملك من تواصل حضاري لا يمكن فصله عن بعضه بعد أن كون تاريخًا إنسانيًّا وحضاريًّا متماسكًا.
كما أن التمسك بقيم الوطنية والانتماء والهوية والاعتزاز بذلك من قبل الجميع في البيئة المدرسية والجامعية وغيرها يعد مسألة مهمة ومسؤولية وطنية لدى القائمين على رسالة التعليم وأداء أمانتها، خاصة في ظل ما تشهده منطقتنا والعالم من صراعات وتجاذبات وحروب بات محركها الأكبر ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الحديثة التي غدت بدورها سلاحًا ذا حدين، ما يستوجب على المعنيين بدءًا من الأسرة وولي الأمر ثم المدرسة والمسجد والنادي ووسائل الإعلام تنبيه الناشئة وتوعيتهم وتوجيههم بشأن استخدام هذه التقنيات وعند ارتيادهم مواقع التواصل الاجتماعي.
ختامًا لا نملك سوى الدعاء بأن يكون هذا العام الدراسي (2017 ـ 2018) عام جد ومثابرة ونجاح وإجادة وإبداع، تنتقل فيه مسيرة التعليم إلى شأو لطالما طمح وسعى إليه قائد مسيرة نهضة التعليم في بلادنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي نسأل الله جل في علاه وفي هذه الأيام المباركات أن يمن عليه بالصحة والعافية والعمر المديد، وأن تتواصل على يديه الكريمتين ينابيع الخير متدفقة في كل ربوع عُمان، وكل عام وجلالته والحقل التربوي بألف ألف خير.