” لقد أصبح الإنسان تابعاً للتكنولوجيا وخاضعاً لها وأصبحت راحته وسعادته تدمر صحته إنها طاعون العصر الذي حمله التقدم التكنولوجي، وقد حذر مؤلّف كتاب "أعمته العلوم" ماثيو سيلفرستون من خطر التكنولوجيا على الصحة قائلاً إن "المستفيد الوحيد هو شركات الأدوية" وبذلك لابد من رفع الوعي الصحي بمختلف الأمراض التي تسببها التكنولوجيا ”

لا شك أن التكنولوجيا الحديثة أحدثت قفزة نوعية على صعيد التفاعل بين البشر، وعلى صعيد وفرة المعلومات والمعارف التي تقدمها لمستخدميها, وأصبحت جزءاً لا ينفصل عن الحياة اليومية, وكأنها فيروس مستوطن بداخل الأحشاء, لا يمكن التخلص منه أو العيش من دونه.
فلم تعد التكنولوجيا في العالم حكراً على فئة دون أخرى بعد أن أصبحت متاحة بين أيدي الجميع، كما لم تعد تقتصر على العمل وفي المجتمعات المتقدمة وإنما يمكن لأي شخصٍ مهما كان عمره أو مستواه الثقافي أو الاجتماعي استخدام هذه الأدوات التقنية في زمن أصبح من الصعب الاستغناء عنها.
وعلى الرغم من مساهمتها فى تطوير الحياة والإمداد بالمعلومات, واختصارها للوقت والمسافة، إلا أنها فتحت أبواب الجحيم على البشرية لتصبح مرض العصر الذى يتحكم فى العقول ويأسر مستخدميها داخل عالم افتراضي, ناهيك عن الأضرار الصحية والنفسية والجسدية والاجتماعية والثقافية والبيئية الوخيمة التى تسببت بها جراء تزايد الاقبال عليها وسوء استخدامها.
ورغم أهمية التكنولوجيا الحديثة في تداول المعلومات المهمة والتثقيف وفوائدها العديدة التي تعود بالنفع على البشر ناهيك عن التسهيلات التي أدخلتها في شتى نواحي الحياة، التي كان يصعب القيام بها من دونها بالإضافة الىدورها المهم في مختلف قطاعات ومناحي الحياة ومساهمتها الفعالة في تحقيق الرفاهية والحصول على الإحتياجات بكل سهولة ويسر، إلا أنها أوجدت العديد من المشاكل الصحية وفرضت تساؤلاً مثيراً يجدر الوقوف عنده حول تأثير التكنولوجيا على الصحة والبيئة ومدى الإنعكاسات السلبية على أسلوب الحياة.
إن الاستخدام المفرط للأدوات التكنولوجية تتسبب في أضرار صحية حيث تؤدي الى العديد من الأمراض المتعلقة بالسمنة والإكتئاب والتوتر وآلام الظهر والمفاصل والديسك في رقبات العنق واضطرابات النوم والاجهاد والصداع والأرق والتوتر العصبي وجفاف العين واضطراب الرؤية وضعف النظر, وفيروسات أو بكتيريا متجمعة على سطح تلك الأدوات تنتقل إلى الفم والعينين من خلال أصابع اليدين، بل تمتد تلك الأضرار في أن تتسبب موجاتها في اجهاد وظائف الدماغ والتقليل من تركيزه وخمول بعض وظائفه بالإضافة الى تلف خلايا المخ والتسبب في أورام وغيرها من الأمراض الجسمية أو النفسية.
حلول عديدة طرحتها الدراسات الطبية للتخفيف من أضرار التكنولوجيا الصحية, كاقتصار استخدام الأجهزة المحمولة على المحادثات الضرورية والقصيرة، واستبدالها بالهاتف الأرضي للمكالمات الطويلة، واستخدام السمّاعات الخارجية أثناء المكالمات الهاتفية، وخلع النظارات ذات الأطر المعدنية أثناء المكالمات لأن أدمغتهم معرضة بنسبة أكبر للاشعاعات. وعدم لصق الهاتف المحمول بأي عضو من أعضاء الجسم، للتقليل من حجم الاشعاعات الموجّهة إلى الجهاز العصبي المركزيّ في المخّ, وحتى لا تتعرض الأنسجة الرقيقة في الجسم لاختراق تلك الاشعاعات.
لقد أصبح الإنسان تابعاً للتكنولوجيا وخاضعاً لها وأصبحت راحته وسعادته تدمر صحته إنها طاعون العصر الذي حمله التقدم التكنولوجي، وقد حذر مؤلّف كتاب "أعمته العلوم" ماثيو سيلفرستون من خطر التكنولوجيا على الصحة قائلاً إن "المستفيد الوحيد هو شركات الأدوية" وبذلك لابد من رفع الوعي الصحي بمختلف الأمراض التي تسببها التكنولوجيا, وتنظيم حملات متعددة تركز على تأثيرها السلبي على الصحة والدعوة إلى الاستخدام المتوازن لها حفاظاً على ديمومة الصحة وعمر الإنسان الذي سيكون قصيراً نتيجة الأمراض المستفحلة التي تخترق أجساد العالم بسبب التضحية بالإنسان لتحيا الشركات المنتجة وهذا هو الانتحار بعينه يا إنسان.

سهيلة غلوم
كاتبة كويتية
[email protected]
انستجرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1