مع خيوط الصباح الأولى يبدأ النشاط لعام دراسي جديد ، فما من طالب علم إلا وترتسم على محياه إشراقة جميلة توحي لك بالحيوية والنشاط والجد والاجتهاد وحب العلم ، إنه المشهد الذي ينتظره من هو سعيد الحظ الذي يسعى سعي المثابر لنيل الدرجات العُلا من العلم ليرتشف رشفة من منابعه المتدفقة التي لا ينضب معينها لتعينه في بناء شخصيته ورفعة شأن أبناء مجتمعه وشموخ وطنه ، إنه طالب العلم الذي يسير ثابت الخُطى نحو المجد والعزة وتحصيل العلوم وتلقي المعارف والمهارات بين جنبات صروح العلم الشامخة بشموخ طلابها ومعلميها ومناهجها العلمية والتربوية ، هو المشهد الذي يعيدنا إلى ماضٍ جميل حيث طلاب العلم النجباء وقامات وهامات المعلمين الأوفياء ومناهج التدريس ذات الأهداف الراسخات ، إنه المشهد الذي تنبض لعشقه القلوب وتدمع له العيون فرحاً مستبشرة بعام جديد حافل بالعطاء بين أروقة فصول التعليم التي هُجرت لفترة وجيزة لقضاء إجازة كانت حافلة بالتعلّم والترفيه ، ولتبقى في تلك الصفوف طاولات ومقاعد العلم وسبورة لا زال بعض آثار الطبشور الأبيض والملون عالقة بها لتحكي قصة حياة طلاب العلم ومعلميهم .
محبرة العلم لا زالت ممتلئة بمداد العلوم القيّمة ليخط طلاب العلم منها بأقلام المعرفة أروع صياغاتهم في شتى المناهج التعليمية ، فهم يُكرسون جُلّ أوقاتهم لتلقي الدروس على يدي معلمين أكفاء حملوا رسالة التعليم على عاتقهم معاهدين الله وأنفسهم أن يحافظوا على أمانة العلم ، فهم من يغرسون في نفوس طلابهم حب العلم والتعلم ، وهم من يجعلونهم حملة للواء العلم من بعدهم ، وهم من ينشئونهم على المواطنة الصالحة الصادقة التي نُعّد عنواناً مشرفاً لنجاح التخطيط والبناء لمسيرة التعليم .
طابور الصباح وتحية العلم والنشيد الوطني والإذاعة المدرسية صورعالقة في أذهان كل من ارتوى من علوم الصروح التعليمية ، فهي افتتاحية كل يوم دراسي لها دلالاتها الخاصة ، فطابور الصباح يدل على النظام والوحدة والألفة والمحبة ما بين طلاب المدرسة ، ينتظمون في صفوف متقاربة كالبنيان المرصوص ، في حين ترسخ تحية العلم والنشيد الوطني دلالة عميقة أخرى من حيث اللحمة الوطنية وتعزيز الهوية العمانية وعلو شأن الوطن والحفاظ على مكتسباته وبقاء رايته خفاقة مرفرفة في شموخ وعزة ، بينما تجد في الإذاعة المدرسية قوة الشخصية لدى الطالب والجرأة على المواجهة واللباقة في الحوار وحسن الحديث ، فجميع هذه المفردات الرائعة باستطاعة الطالب اكتسابها في أقل من ربع ساعة قبل البدء في تلقي العلوم ؛ وهي كفيلة بأن تُعزز في نفسه الكثير من المبادئ الوطنية والإنسانية والاجتماعية وترسخ لديه مفاهيم الوحدة والوطنية والمثابرة .
تلقي شتى العلوم في الصفوف الدراسية وأنت على مقاعد الدراسة له وقعه الخاص في النفوس ، فتارة تفتح كتاباً كريما لتقرأ قرآناً عظيما وحديثاً شريفاً وتارة تبحر بين حروف اللغة العربية حيث النحو والصرف والمطالعة والنقد والبلاغة ؛ بينما تجد في علوم الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء فضاءً رحباً لدراسة العمليات الحسابية والكون والفضاء وعالم الإنسان والحيوان والكائنات والطبيعة الفطرية وغيرها ؛ في حين تسلك دروب المعرفة في علوم الاجتماعيات واللغات والفنون والرياضة والعبقريات وغيرها من علوم الحياة ، وهناك سؤال من معلم يجد له الجواب من طالب يحظى بالإشادة من معلمه والتصفيق له بحرارة من زملاءه الطلاب وليسعد بعدها بهدية في نهاية العام وتكريم على التفوق في الدراسة وفي كافة المجالات كغيره من الطلاب النجباء ؛ صورة لا زالت تتكرر في مؤسساتنا التعليمية من باب التحفيز والتشجيع على مواصلة الإجادة في التعليم .
فهنيئا للجميع من أسرة ومعلمين وطلاب ولكافة الأسرة التربوية بدء العام الدراسي الجديد الذي ندعو الله تعالى أن يجعله عاماً حافلاً بالنجاح والفلاح ونيل أعلى الدرجات والتقديرات لكل طالب علم ؛ فالعلم نور ينير السبل لمحبيه وركيزة أساسية من ركائز بناء الأوطان ، فلنعمل بجد وأمانة وإخلاص لنرتقي برسالة التعليم إلى أسمى المراتب والمكانة .

ـ رسالتي للمعلم ..

أيها المعلم القدوة ، أنت شعلة متوقدة من العطاء الإنساني يُعّول عليك المجتمع كثيراً في بناء الشخصية القويمة للطالب ، فرسالتك سامية وأمانتك ثقيلة وكل حرف تعلمه للطالب بمثابة النقش على الحجر لا يمكن أن يُمحى من جبين التاريخ مهما حدث، لكونه راسخ كرسوخ الجبال ، فصاحب الرسالة القويمة ينبغي أن يكون ملاذا لكل من هو بحاجة إليه ، فأنت أيها المعلم عنوان للعطاء الذي لا ينضب معينه ، فبارك الله مسعاك لخدمة العلم والمتعلمين ...

ـ رسالتي للطالب ..

أيها الطالب المثابر ، ثق بقدراتك وطور من مهاراتك وأبذل قصارى جهدك لتحقيق طموحاتك ، كن على يقين بأن من حولك من المحبين الناصحين يحبون لك الخير والنجاح والتفوق فساعدهم وامنح نفسك العزيمة لترسم الفرحة على محياهم ومحياك لتظفر بكل ما يجعلك ناجحا في حياتك ...

ـ رسالتي لأولياء الأمور ..

أيها الآباء والأمهات وكل ولي أمر مربي ومعلم لأبنائه ، كونوا أوفياء مع أبنائكم ، فلا تخذلوهم بل شجعوهم وإن أخفقوا في البداية فمنحوهم القوة ومدوا أيديكم لهم فهم ينتظرون منكم العون ، وابتسموا لهم فهم من يجدون في ابتسامتكم مستقبلهم الأجمل ، حاوروهم وأتيحوا لهم تبني الأفكار البناءة ؛ انصحوهم ولكن بلا صراخ ولا توبيخ بل بحسن معاملة وتدبير ، فهم فلذات الأكباد وأنتم تدركون من هم فلذات الأكباد ...


سعيد بن سيف الحبسي
كاتب وإعلامي عُماني