القاهرة-العمانية:
يعد متحف البريد في مصر أحد معالم البلاد وشاهدا على عراقتها باعتبارها من أقدم بلدان العالم التي شهدت ظهور خدمات البريد، إذ تفيد معلومات هيئة البريد المصرية أن تاريخ أول وثيقة عثر عليها وذكر فيها اسم البريد يعود إلى العام 2000 قبل الميلاد. وتأسست مؤسسة البريد المصري الحديثة عندما قام رجل إيطالي في الإسكندرية يدعى "كارلو ميراتى " بإنشاء إدارة بريدية لتصدير واستلام الخطابات المتبادلة مع البلدان الأجنبية، وكان يتولى تصدير وتوزيع الرسائل نظير أجر كما قام بنقل الرسائل بين القاهرة والإسكندرية تحت اسم "البوستة الأوروبية". وعندما أدرك الخديوي إسماعيل أهمية "البوستة الأوروبية" قام بشرائها من " كارلو ميراتى" بعد وفاة شريكه "تيتو كينى " في 29 أكتوبر 1864م ، وعرضت الحكومة المصرية على " كارلو ميراتى" وظيفة مدير عام البريد وفى 2 يناير1865 م نقلت ملكية "البوستة الأوروبية" إلى الحكومة المصرية ويعتبر هذا اليوم يوماً تاريخياً للبريد المصري وعيداً للبريد يحتفل به كل عام، وألحقت مصلحة البريد في البداية بوزارة الأشغال ثم نقلت تبعيتها بعد ذلك لعدة وزارات كان اخرها وزارة الاتصالات. ويقع متحف البريد في "ميدان العتبة"بالقاهرة، ويتكون من قاعتين وردهة طويلة ورواق، بمساحة تقدر بــ 543 مترًا مربعا. ويفتح المتحف أبوابه للزائرين من السبت إلى الخميس من كل أسبوع من الساعة الثامنة
صباحًا إلى الساعة الثالثة عصرًا، وتبلغ رسوم الدخول إليه 50 قرشا للطلبة، وجنيهين للزائر المصري أو الأجنبي. وتقول الدكتورة أماني محمد عبد العزيز أستاذة بقسم الوثائق والمعلومات بجامعة القاهرة وباحثة بالمجلس الدولي للأرشيف: "إن فكرة إنشاء متحف للبريد في مصر تعود إلى الملك فؤاد الأول حيث كان حريصا على تسجيل التاريخ وصيانة آثاره، وكان يأمل من مصلحة البريد المصري أن تقوم بإنشاء متحف يجمع بين جنباته كل ما يمت إلى أعمالها وتاريخها بصلة، ويكون عنوانا لتقدمها ورقيها". وتشير الدكتورة إلى أنه تحقيقا لهذه الفكرة شرعت مصلحة البريد في إنشاء متحفها فأعدت له جناحا في الطابق الأول من مبنى إدارتها العامة بميدان العتبة الخضراء بالقاهرة، وسجلت محتوياته بدليل طبع بالمطابع الأميرية عام 1934م باللغتين العربية والفرنسية، وتم تنسيقه وفقًا لمتاحف البريد الأوروبية، واجتلب له الأثاث بقدر اتساع المكان وفي حدود الاعتماد المالي الذي سمح به لهذا الغرض كما اهتمت المصلحة بافتتاح المتحف قبل انعقاد مؤتمر البريد العالمي العاشر بمدينة القاهرة في فبراير عام 1934 م حتى يستطيع مندوبو البلدان المشاركة من مشاهدته فيكون خير دعوة للبريد المصري.
وقد تم افتتاحه رسميا للجمهور في 2 يناير 1940 م بعد استكمال أدواته ومعروضاته وقد تم تجديده في 7 فبراير 1989 م. ويتضمن المتحف الكثير من المقتنيات المتعلقة بتاريخ البريد المصري، حيث ينقسم إلى عدة أقسام، منها القسم التاريخي الذي يضم النماذج الخاصة بتطور الكتابة والرسالة والأغلفة في مختلف العصور القديمة والحديثة كنماذج من بعض الرسائل والخطابات في عصور مختلفة كرسالة العصا ورأس الجندي، كما يضم وثائق كثيرة كعقد امتياز شركة البوستة الأوروبية وأول منشور لمصلحة البريد في عهدها الحكومي. أما قسم المؤتمرات فيضم صورا فوتوغرافية للدكتور ستيفن مؤسس اتحاد البريد العام، وصورا لأعضاء مؤتمرات البريد الدولي في برن من عام 1874 م حتى مؤتمر استوكهولم عام 1924 م، ومعاهدة البريد العامة والاتفاقيات الملحقة بها لكل مؤتمر.
ويشتمل قسم أدوات البريد بالمتحف على مجموعات متنوعة من الموازين والحقائب البريدية ومحافظ الطوابع والحوالات وضواغط الرصاص والأختام القديمة والحديثة وصناديق خطابات ميكانيكية وعادية، اما قسم الملابس، فيشتمل على أنواع مختلفة من الملابس لكبار الموظفين ولرؤساء الأقسام والموزعين وشارات مختلفة قماشية ونحاسية. ويحتوي قسم المباني بالمتحف على نماذج مصغرة لبعض المباني البريدية كمصلحة البريد بالقاهرة ومكتب بريد بورسعيد وبورفؤاد ونموذج لمكتب بريد قروي ونموذج مصغر لقلم توزيع لمراقبة بريد القاهرة، بينما يحوي قسم الخرائط والإحصاء خرائط ورسومات بيانية وإحصائية تظهر تطور أعمال المصلحة من مراسلات مسجلة وعادية وحوالات داخلية وخارجية وطرود. ويشتمل قسم النقل بالمتحف على نماذج متعددة لوسائل نقل البريد قديمة وحديثة من عربات خشبية وحديدية وسكة حديد وبواخر لنقل البريد، فيما يضم قسم الطوابع مجموعات من الطوابع المصرية والأجنبية وقوالب وألواح لصناعة الطوابع، كما يضم تصنيفا فريدا لمجموعات الطوابع لكل من البريد الأوروبي والبريد الأفريقي والبريد الآسيوي والبريد الأمريكي والبريد الأسترالي. ومن أهم أقسام المتحف قسم البريد الجوي الذي يشتمل على نماذج مختلفة من الحمام الزاجل ونماذج لبعض الطائرات مهداة من شركة الطرق الجوية الإمبراطورية وشركة خطوط الطيران الهولندية، ونموذج لأول خطاب ورد إلى الإسكندرية من لندن في 17 أغسطس عام 1929 م، وأول خطاب بالبريد الجوي أرسل إلى كراتشي من البريد المصري بالخط الجوي بين القطر المصري والهند.