[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
كان من اللافت توالي المواقف الغربية من بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، والتخلي عن لغة الشروط المسبقة والتسخين السياسي أمام المنصات الإعلامية وأمام الكاميرات، التي عادة تسبق أي مؤتمر يعقد لبحث الحل السياسي للأزمة السورية، ما يشي بأن الأزمة السورية باتت في أمتارها الأخيرة.
ومن بين أهم المواقف الغربية اليوم الموقفان الفرنسي والبريطاني، حين قال وزيرالخارجية الفرنسي، جان إيفلودريان، في مؤتمر صحفي بالعاصمة العراقية "بغداد" (السبت 26 أغسطس)،إن "الأولوية الحقيقية في سوريا حاليًّا هي الحرب ضد داعش". مضيفًا بقوله "ليس لدى باريس أي شرط مسبق لرحيل (بشار) الأسد عن سوريا".
إن الأولوية في سوريا هي الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي. أما ما يتعلق بالموقف البريطاني فقد لمحت صحيفة التايمز البريطانية إلى احتمالية قبول الدول الغربية بمشاركة الرئيس "بشارالأسد" بانتخابات يسمح له بالمشاركة بها، لافتةً إلى "تغيّرجذري" في موقف بريطانيا وحليفاتها من الدول الغربية تجاه القضيةالسورية، بعد تخليهم عن مطلبهم الذي تمسّكوا به مدة طويلة بتخلّي الرئيس السوري بشار الأسدعن السلطة. وكان بوريس جونسون وزيرالخارجية البريطاني، قدألمح لهذا التغيير في لقاء مع برنامج "توداي" لـ"راديو 4"،حيث قال: "دأبناعلى القول بضرورة تنحّيه (بشارالأسد) كشرط مسبق، ولكن نقول الآن إنه يجب أن يذهب في إطار مرحلة انتقالية،ومن حقه أن يخوض غمار انتخابات ديمقراطية". كما قالت"التايمز" في تقرير لها، ترجمته شبكة"BBC"(السبت 26 أغسطس) إن"الحلفاءالغربيين أبلغوا زعماء المعارضة أنه ليس أمامهم سوى قبول وجود الأسد في دمشق، وليس هناك مجال للتمسك بضرورة تنحيه قبل خوض مفاوضات حول مستقبل سوريا".
إن هذه المواقف المستجدة، كما هو معروف، لا تخرج عن تبعية الموقف الأميركي، لكن السؤال الذي يطرح ذاته هو: ما التحولات التي حدثت ودفعت الغرب إلى أن يغير مواقفه بهذه الصورة اللافتة؟
من الواضح أن هناك جملة تحولات فرضت نفسها وأجبرت الغرب على التخلي عن لغة الشروط المسبقة ونبرة التصعيد، والدفع بالرؤوس الحامية من الأتباع والعملاء إلى الواجهة كالببغاء لترديد ما يريده الغرب، ومن بين هذه التحولات:
أولًا: ارتدادات الإرهاب ورحلات العودة من وإلى والعكس، والذي ظل الغرب طوال أكثر من ست سنوات يغذيه ويوجد له البيئات الخصبة ليترعرع فيها، ويقدم الدعم اللوجستي اللازم للتنظيمات الإرهابية لتؤدي الدور المطلوب منها داخل سوريا والعراق ولبنان وليبيا وغيرها. فالهجمات الإرهابية التي شهدتها العواصم الأوروبية وبعض المدن الأميركية بدأت تقض مضاجع الحكومات الأوروبية والأميركية التي راهنت على الإرهاب وتنظيماته قبل أن تقض مضاجع شعوبها، وأدخلت الدول التي تشهد ألوانًا من الهجمات الإرهابية ـ المتفاوتة بين الطعن والدهس والتفجير واحتجاز الرهائن ـ في أزمة حقيقية، ما ترتب عليها إرهاق الخزائن والأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية؛ فعلى سبيل المثال أضحت مصادر دخل كالسياحة مهددة في هذه الدول. وعلى الرغم من التحذيرات التي حرصت سوريا وعلى لسان رئيسها ومسؤوليها على إطلاقها للغرب تحديدًا بأن هذا الإرهاب الذي أفلتته الحكومات الغربيةمن عقاله سيرتد عليها حتمًا، وأن من يضع العقارب والأفاعي في جيبهلا بد يومًا أن تلسعه وتلدغه، إلا أن الغرب كان يقابل التحذيرات بمزيد من الدعم للإرهاب والتصعيد السياسي والميداني.
ثانيًا: الإنجازات الميدانية المتوالية للجيش العربي السوري وحلفائه في الجغرافيا السورية في مدينة حلب واستعادتها، وفي حمص وحماة ودرعا والسيطرة على مدينة السخنة التي توصف بأنها أحد الخزانات الإرهابية لتنظيم "داعش" الإرهابي، والسيطرة المتدحرجة في صحراء البادية وبلوغ الحدود مع العراق والأردن، واستعادة المعابر كمعبر نصيب وغيره، وتجاوز ما وصفته الولايات المتحدة بـ"الخطوط الحمراء"، والبدء بالقضم التدريجي للمساحة المقدرة بحوالي خمسة وخمسين كيلومترًا عند معبر التنف مع الحدود الأردنية، حيث تدرب واشنطن ولندن ومن معهما تنظيمات إرهابية للدفع بها للسيطرة على تلك المنطقة والمعبر؛ أي أن الجيش العربي السوري وحلفاءه كل يوم يضيف مساحة جديدة إلى جملة ما استعاده من مساحة سوريا. وهذه الإنجازات الميدانية الواضحة واللافتة ما كان لها أن تحصل لولا صمود الشعب السوري ودعمه لجيشه الباسل أولًا، والذكاء العسكري الذي يدير المعارك ثانيًا، وحكمة القيادة وإدارة المواجهة السياسية باقتدار ثالثًا. وهو ما بنى قناعة لدى الغرب بأن كل ما ضُخ من أموال وسلاح وجلب إرهابيين وتكفيريين ومرتزقة وصُرف على تدريبهم وتسليحهم قد ذهب هباء تذروه الرياح أمام ذلك.
ثالثًا: الفشل الذريع للواجهات الديكورية التي أُتي بها تحت مسمى "معارضة"، بدليل عمليات الفك والتركيب المتلاحقة لوجوه هذه المعارضة من قبل صانعيها ومنتجيها وأسيادها، وأنها لا تملك مشروعًا وطنيًّا موحدًا يحافظ على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة فسيفساء نسيجها الاجتماعي، وعلى جيشها وعقيدته، بل نسفت كل محاولات المقاربة والتقريب لحقائق الأمور وطبيعة الأزمة والصراع، وراحت تنفذ ما يوعز إليها من أدوار فقط، علاوة على أنها لا تملك رصيدًا شعبيًّا حقيقيًّا، وأغلب هذه الوجوه التي تم تجميعها باسم "المعارضة" هي وجوه غريبة على الشعب السوري، وما ظلت تطرحه من مشاريع ورؤى تخريبية تدميرية لم يقبلها الشعب السوري. لذلك من الطبيعي أن تتكاثر من كل حدب وصوبالاندماجات والانشقاقات تحت مسميات وأصناف من التحالفات غير المسبوقة في سباق محموم مع الأحداث أو في محاولة للتأقلم مع الوضع الجديد الذي فرض شروطه السياسية والميدانية؛ لأنها في النهاية مجرد واجهة وديكور وذات دور وظيفي ببغائي.
وأمام هذه التحولات التي في جوهرها تصب لصالح الدولة السورية، لا تزال هناك خشية من أي محاولة للتنويم في العسل، فالغرب كما هو معروف أنه يقول شيئا ويريد غيره، فمواقفه الأخيرة يجب الحذر منها من أن تدخل في لعبة مساومات ومقايضات لا تصب في صالح سيادة سوريا واستقلالها، كمساومة روسيا الحليف القوي لسوريا ببقاء القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية على الأرض السورية مقابل التخلي عن شرط رحيل الرئيس السوري، وغير ذلك مما يتعلق بالسيادة والاستقلال.