إعداد: مبارك بن عبدالله العامري
■ شهر رمضان الفضيل شهر التقوى والبِر والإحسان والرحمة والمغفرة والرضوان، إلا أن الكثير من المسلمين يزداد إسرافهم وتبذيرهم في هذا الشهر بخلاف باقي شهور السنة، إذ يبالغون في شراء ما لذَّ وطاب من الأطعمة والأشربة والحلويات، وكأن رمضان موسم للأكل والتباهي، فيأكلون القليل منها ويتعرض ما يتبقى للإتلاف والرِمي في حاويات القمامة.. وذلك في الوقت الذي يعاني العديد من الأسر المسلمة من الجوع وضيق ذات اليد ولا تجد من يعطف عليها ويسد رمقها! لا يقتصر الإسراف في رمضان على الأسر الميسورة الحال فقط ، بل يشمل وللأسف الشديد غالبية الأسر من مختلف الطبقات والفئات غنيها وفقيرها خصوصًا في العزومات والولائم الرمضانية، كما امتد الإسراف أيضًا إلى الإفطار في بعض المساجد وذلك عندما لا يتم التنسيق مع إمام المسجد أو القائم على برنامج الإفطار، حيث يحضر كل شخص أفضل ما لديه من الأطعمة والتمر والعصائر، مما يفيض عن حاجة الذين يفطرون في المسجد، وقد يكون بعضها مما لا يسهل حمله أو نقله فيرمى ويُتلَف أن شهر الصيام والقيام والقرآن هو فرصة لتجنب الشهوات، إلا أننا قد درجنا على تحويل رمضان إلى شهر أكل ما لذّ وطاب، نستهلك خلاله أضعاف ما نستهلكه في الشهور الأخرى، فنبدأ بالاستعداد له من بدايات شهر شعبان، كما تتصاعد شراء الناس إلى ذروتها إلى نهاية شعبان تدفع الناس دفعًا للإسراف في شراء الطعام والشراب ويصبح رب الأسرة تحت ضغط نفسي عنيف.ومن المعلوم أن الاعتدال في أمر الطعام والشراب هو المقصد الذي ذهبت الآية الكريمة: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، ففي هذه الآية دعوة للإنسان إلى الطعام والشراب، وقال الله تعالى:(إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْونَ ٱلشَّيَـاطِينِ)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(كلوا واشربوا، وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة) وعن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، وأما منافع تقليل الطعام بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك وقال محمد بن واسع: من قلّ طعامه فهم وأفهم، وصفا ورقَّ، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد، قال عزوجل:(وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ) فالإسراف نفسه محظور، والاقتصاد نصف المعيشة. لقد أكثر بعض الناس من الإسراف في رمضان.
فمن صور الإسراف: الإكثار من الطعام فوق الحاجة ، فان من الناس من تعود كثرة المطعومات والمشروبات، فتراه في رمضان يملأ مائدته في الإفطار والسحور بكل ما لذ وطاب ثم تكون عرضة للإتلاف والرمي.
يا أيها الصائم: إياك إياك والإسراف، إن في المسلمين فقراء ومساكين ومحتاجين ففطر عباد الله بما زاد على حاجتك لتكون لك ذخرا عند الله عز وجل ، قال سبحانه عن عباده الصالحين:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) (الإنسان 8 ـ 10)، وقد صح عنه (عليه الصلاة والسلام) أنه قال:(يقول عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك ولم تطعمني قال وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا استطعمك فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ..) (رواه مسلم).
ومن صور الإسراف: الإسراف في النوم فوق القدر المطلوب، وخاصة في النهار، فان بعض الصائمين جعلوا من أيامهم غفلة وسباتا عميقا، والعجيب أن هؤلاء يسرفون في سهر لا طائل من ورائه، سهر ضائع في القيل والقال، والبعض يسهر في مزاولة أمور محرمة ومكروهة تغضب المولى تبارك وتعالى.
ومن صور الإسراف: الإسراف في الإعداد لعيد الفطر وتكليف النفس فوق طاقتها والتبذير في الإنفاق من لباس وهيئة ولعب ومباهج حتى إنك لترى بعض الفئات من الناس ينفقون الكثير من المبالغ بينما هم أبخل الناس في أبواب الخير وفي طرق البر، فيا من أنعم الله عليه بالمال ، في المجتمع يتيم وفي الناس مسكين، وفي جوارك فقير، ألا تطعم جائعا، ألا تكسو عاريا، ألا تبني مسجدا، ألا تواصل منقطعا، ألا تفك كربة مكروب.
ومن صور الإسراف عند بعض الصائمين: كثرة الزيارة من غير طائل ولا فائدة والإكثار من الخلطة بالناس لغير مصلحة، والاجتماع بالآخرين لغير نفع، فيذهب الزمن هدرا والعمر بددا والأيام ضياعا والأوقات لعبا ولسان الحال يقول: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا، كذلك كثرة اجتماعات الناس على غير منفعة ، وكثرة المجالس الفارغة.
ومن صور الإسراف: إدمان التسلية والترفيه في اللعب من كرة وتمارين رياضية، وتنزهات ونحوها على حساب وقت الجد والعبادة والذكر والتلاوة وتحصيل العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إن بعض الناس يدفع الوقت دفعا عجيبا وينفقه بيد التبذير وغدا سيعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور أي شيء فعل.
ولعل صور الإسراف عند كثير من الناس متعددة ـ قوم أسرفوا في المعاصي والذنوب ، فإسرافهم أخطر إسراف وأسوأ تبذير ـ وقوم أسرفوا في الوقت فنثروه شذر مذر وهم من أعظم الناس حسرة يوم العرض الأكبر، وقوم أسرفوا في الطعام والشراب واللباس فما زادهم إلا تعاسة وقلقا، وقوم أسرفوا في المباحات من لعب وتسليات وتنزهات فهم في الحقيقة مغبونون في أعمارهم.
ومن الخطوات التي يمكن باتباعها علاج ظاهرة الإسراف في رمضان: أولاً: علينا جميعًا أن نعي ونفهم جيدًا المراد من صيام رمضان، وهو تطهير للنفس والمال والمجتمع، كما أنه عبادة صحيحة وتدريب على الصبر والجهاد والتضحية والمشقة، وليس رمضان شهرًا لإقامة الولائم والحفلات والتنافس في الملذات والترفيهات.
ثانيًا: المحاسبة والمراقبة الذاتية قبل وأثناء الإنفاق والاستهلاك والتفكر والتدبر في النتائج المترتبة على الإسراف والتبذير والترف .. فمن شق عليه الحساب في الدنيا سهل عليه في الآخرة، وفي هذا الشأن يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيأوا للعرض الأكبر»، كما يجب على المسلم أن يتذكر الفقراء والمساكين والمجاهدين والوقوف أمام الله للمحاسبة الأخروية ليس في رمضان فحسب، بل في كل الأوقات، فالمحاسبة والمراقبة الذاتية الدائمة والمستمرة تجعل الفرد المسلم الصائم حازمًا مع نفسه يكبح هواها ويفطمها عن شهواتها ومطالبها، ويجعلها تسير في طريق الإسلام.
ثالثُا: الاقتداء بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان لاسيما من حيث الاقتصاد، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه، فإن كان فاعلًا لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه»، وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا ترف.
رابعاً: تجنب مصاحبة المسرفين والمترفين، وملازمة الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وفي هذا الخصوص يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، كما قال (صلى الله عليه وسلم): «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي» إذا طبق كل فرد في المجتمع الضوابط الإسلامية للنفقات والاستهلاك في رمضان، وإذا التزم بالطريق الإسلامي في علاج أمراض الإسراف والتبذير والترف ونحوها لأدى ذلك إلى آثار طيبه منها:
1 ـ الفوز برضا الله في الدنيا والآخرة وقبول الصوم والعبادات المختلفة التي يؤديها الفرد في رمضان.
2 ـ توفير على الأقل 50% من النفقات التي كانت تنفق على ما لا ينفع ويعارض أحيانًا شريعة الله.
3 ـ تجنب الأسرة الوقوع في حمل ثقل الديون وحمايتها من مصايد الشيطان والكسب الحرام.
ختامًا: علينا نحن معشر المسلمين الصائمين أن نسير في طريق الاقتصاد في النفقات وننأى بأنفسنا عن السير في طريق الإسراف والتبذير المحفوف بالشياطين والمفسدين، وأن ندرك أن الغاية من الطعام والشراب هي التقوِّي على طاعة الله والفوز برضاه في الدنيا والآخرة، وليس ملء البطون والتفاخر ونسيان إخواننا من الفقراء والمساكين الذين لهم حقوق كثيرة علينا. ■