[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
لم يصدر أي موقف رسمي من وزارة الثقافة أو رئاسة الجمهورية حتى الآن حيال ما قالته ابنة محفوظ، بينما أكد رئيس مصلحة سك العملة (الجهة الحكومية المسؤولة عن تصنيع قلائد النيل) أن القلادة مصنوعة من الذهب الخالص, واصفا كلام ابنة محفوظ بغير الصحيح, رافضا معاينة القلادة الموجودة حاليا بحجة أنه ربما تم تبديلها, متسائلا .. من يؤكد لنا أن هذه القلادة الموجودة في المتحف هي القلادة الأصلية؟

في الذكرى الحادية عشرة لرحيل الأديب المصري نجيب محفوظ, وبعد مرور تسعة وعشرين عاما من حصوله على جائزة نوبل للآداب في العام 1988م, فجرت ابنته أم كلثوم مفاجأة من العيار الثقيل؛ بإعلانها أن "قلادة النيل" التي منحها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لوالدها تكريما له على فوزه بنوبل "مغشوشة", ونفت فرضية أن تكون القلادة الأصلية سرقت أو بُدلت, مؤكدة أن والدتها شكت في القلادة بمجرد رؤيتها وهي تزين عنق والدها عقب عودته للمنزل بعد حفل التكريم, ولتقطع الشك باليقين توجهت إلى الصائغ الذي أكد لها أن القلادة ليست من الذهب، وإنما من الفضة المطلية بماء الذهب.
ظل "سر القلادة" مدفونا داخل جدران أسرة نجيب محفوظ, حتى قررت وزارة الثقافة المصرية مؤخرا إنشاء متحف باسمه, وقامت ابنته أم كلثوم بإهداء مقتنياته لتوضع في المتحف, وقالت ابنة محفوظ: "إن أمينة المتحف أبدت انزعاجها بمجرد رؤية القلادة وأكدت لها أنها غير أصلية وتختلف عن سائر قلادات النيل التي سبق لها الاطلاع عليها".
وقلادة النيل هي أرفع وسام في مصر وعمرها أكثر من مئة سنة منذ عهد أسرة محمد علي وصادر بها مرسومان ملكي ورئاسي يحددان شكلها ومواصفاتها, وينصان على أن تكون من الذهب الخالص بوزن 488جراما, ومحلاة بأحجار من الياقوت الأحمر والفيروز الأزرق, ومن أشهر الحاصلين عليها من زعماء العالم الملك عبدالعزيز آل سعود والملكة إليزابيث الثانية وجلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ ومن مصر نجيب محفوظ والدكتور محمد البرادعي والدكتور أحمد زويل عقب حصولهم على جائزة نوبل في الآداب والسلام والكيمياء على الترتيب.
وبررت ابنة محفوظ عدم إفشاء الأسرة سر القلادة المغشوشة طوال السنين الماضية, لطبيعة تكوين نجيب محفوظ الخجولة الزاهدة المترفعة وكون القلادة ذهبا أو فضة لا تفرق معه؛ حيث كان لا يكترث بالحديث في مثل هذه الأمور التي يمكن أن تسبب مشاكل للآخرين, لذلك لم يخبر أحدا حتى أصدقائه المقربين رغم رحيله بعد سبعة عشر عاما من هذه الواقعة, ونحت زوجة نجيب "عطية الله" نفس المنحى بعد وفاته, حتى جاءت ابنته الباقية على قيد الحياة بعد وفاة أختها فاطمة لتكشف هذا السر أمام الرأي العام.
أثار حديث ابنة محفوظ جدلا كبيرا في مصر واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن "القلادة المضروبة" التي منحها مبارك لنجيب محفوظ, وانقسم المصريون بين مؤيد ومعارض, منهم من وصف الواقعة بالجريمة التي تضاف لجرائم الفساد التي ارتكبت في عصر مبارك، وطالبوا بالتحقيق في ملابسات الواقعة، والوصول للص الذي استولى على القلادة الأصلية وأعطى محفوظ القلادة "المزيفة" وآخرون وجدوا أن خروج ابنة نجيب محفوظ في هذا التوقيت, لتقول مثل هذا الكلام جاء في إطار حملة منظمة لتشويه عصر مبارك الذي كان أفضل كثيرا ـ من وجهة نظرهم ـ من عصر سابقيه جمال عبدالناصر والسادات وعصر من جاء بعده "المجلس العسكري والإخوان"؛ حيث عانى الشعب المصري وما زال يعاني من ويلات الغلاء وغياب الأمن وعدم الاستقرار الذي وفره لهم حسني مبارك على مدار سنين حكمه.
ولم يصدر أي موقف رسمي من وزارة الثقافة أو رئاسة الجمهورية حتى الآن حيال ما قالته ابنة محفوظ، بينما أكد رئيس مصلحة سك العملة (الجهة الحكومية المسؤولة عن تصنيع قلائد النيل) أن القلادة مصنوعة من الذهب الخالص, واصفا كلام ابنة محفوظ بغير الصحيح, رافضا معاينة القلادة الموجودة حاليا بحجة أنه ربما تم تبديلها, متسائلا: من يؤكد لنا أن هذه القلادة الموجودة في المتحف هي القلادة الأصلية فنحن لا ندري شيئا عن ظروف وملابسات حفظها طوال الـ29 عاما الماضية.
واكبت هذه الأحداث الذكرى الحادية عشرة لوفاة نجيب محفوظ في 30 أغسطس 2006م, بعد حياة حافلة عمر خلالها لسن الخامسة والتسعين فهو من مواليد 11 ديسمبر 1911م, وهو أول عربي يمنح جائزة نوبل في الأدب, ويعتبر عميد فن الرواية العربية وله مئات المؤلفات الروائية على مدار أكثر من سبعين عاما من الكتابة أشهرها (الثلاثية "بين القصرين وقصر الشوق والسكرية"), وصدرت أول رواية له بعنوان "مصر القديمة" سنة 1932م, وصدرت آخر رواية له بعنوان أحلام فترة النقاهة عام 2004م.
وتعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال في أكتوبر 1995م, عندما تلقى طعنة في عنقه على يد شابين من الجماعات التكفيرية تنفيذا لفتوى من مفتي الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت الشيخ عمر عبدالرحمن الذي اتهم محفوظ بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا", ومكث محفوظ شهورا في المستشفى ليتعافى من أثر الحادث, زاره وقتها الداعية الإسلامي الشهير محمد الغزالي الذي كان أول من طالب بمنع نشر الرواية, كما زاره عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية وعضو مكتب الإرشاد السابق ليعلنا رفض العنف والإرهاب, وحزن محفوظ عندما أخبروه بنبأ إعدام الشابين المعتدين عليه, وأعلن أنه سامحهما, خصوصا بعدما علم بأنهما لم يقرآ الرواية وإنما نفذا حكم مفتي الجماعة.
ورواية "أولاد حارتنا" سببت مشاكل لنجيب محفوظ حيا وميتا, ففي حياته وافق نجيب على اقتراح جمال عبدالناصر بعدم طباعتها في مصر إلا إذا نالت موافقة الأزهر, وفعلا طبعت الرواية في لبنان عام 1962م وحظر دخولها لمصر, ووصلت نسخ قليلة منها مهربة للأسواق المصرية, وبعد مماته تسببت "أولاد حارتنا" أيضا في وصف أسرته (زوجته وابنتيه) بالداعشيات من قبل أحد الصحفيين الذي لم يرق له رفض زوجة محفوظ نقل رفاته إلى المتحف الذي خصصته وزارة الثقافة له, حرصا على حرمة الموتى، بالإضافة لارتداء ابنتيه الحجاب, وإصرارهما على أن سبب منح محفوظ جائزة نوبل هي "الثلاثية" وليس "أولاد حارتنا" كما يروج البعض, مما اعتبره الصحفي تطرفا ودعوشة وتملقا غير مقبول للجماعات المتطرفة من قبل أسرة الأديب العالمي.