[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
قد تبدو حوادث التحرش واغتصاب الأطفال خفيفة الوقع على الأذن في حال تكون جغرافيتها مناطق الصراعات والنزاعات العسكرية والاضطرابات، رغم ما ينبغي أن تقابل به من الرفض والاستهجان والمعالجات التي يصعب أن تكون جذرية في مواقع الحروب، إلا أنها تشكل صدمة قوية، وتسبب شروخا نفسية واشمئزازا يستدعي استنهاض القيم الأخلاقية عندما تقع تلك الأحداث في مجتمعات مستقرة وذات نظم قانونية تساعد على استمرارية عمليات الضبط الاجتماعي فيها.
واللافت، بل الداعي إلى تدخل الاجتماعيين ما شهدته المنطقة العربية في الشهور القليلة الماضية من تواتر وتكرار الكثير من حوادث التحرش بالفتيات والأطفال صغار السن بالقدر الذي يثير القلق من أن تمثل تلك الأحداث النشاز ظاهرة اجتماعية مثيرة للتوجس والحذر بنفس مستوى إثارتها للاشمئزاز.
فلم تكن حادثة التحرش (الجماعي) التي تعرضت لها فتاة بحافلة نقل ركاب بالمغرب نهاية الأسبوع الماضي استثناءً، كما لم تكن عملية تنفيذ الحكم بالإعدام رميا بالرصاص بالعاصمة اليمنية صنعاء في نفس الأسبوع على مغتصب وقاتل طفلة يمنية تبلغ من العمر ثلاث سنوات حدثا حصريا لليمن، مثلما لم تكن واقعة طفلة البامبرز في مارس الماضي التي اغتصب فيها شاب عاطل طفلة لم يتعدَّ عمرها العامين في محافظة الدقهلية بمصر، لم تكن جريمة خاصة بمصر فحسب، كما أن ما أثير من تحذيرات بالإعلام التونسي والسوداني من خطورة تعدد حالات اغتصاب الأطفال في تلك البلدان لم يكن ذا خصوصية بتلك الجغرافية، فضلا عن أن دول الخليج العربية لم تخلُ من القلق والتحذير من هذه الكارثة، حيث أصبحت القضية في الواقع قضية مجتمع ورأي عام (عربي) دون أن تكون محصورة في جغرافية محددة، فهي قضية رأي عام عربي تستدعي التوعية ومخاطبة مفاصل المشكلة بشفافية تامة ودون أي حساسية أو تكتم أو خوف من الفضيحة، لأن التستر يفاقم المشكلة ويخلق لها غطاء يساعد على تكريسها وانتشارها ويزيد من خطورتها.
وبالأخذ بهذه النماذج التي قد تعتبر مجرد أمثلة كونها وجدت طريقها إلى الإعلام وتفاعل معها الشارع العربي كل في جغرافيته وكل حسب معاصرته للحدث، فإن حوادث الاغتصاب تبدو أقرب إلى الفزاعة التي ينبغي التعاطي معها كقضية مجتمعية، بل عامل تهديد للبناء القيمي للمجتمعات العربية التي عرفت على مدى التاريخ بأنها مجتمعات الفضيلة والعفاف والرحمة بالصغار من الأطفال، واللطف بالقوارير، بل بالتضحية والاستعداد لخوض غمار الموت لافتداء من يستنجدن بالرجال من النساء.
وعليه، ورغم غلبة الطابع الاجتماعي لهذه القضية التي نأمل أن لا تصل إلى تصنيف الظاهرة في المجتمعات في المنطقة العربية بمشارقها ومغاربها، إلا أن معالجتها من جذورها تستدعي تضافرا بين الاجتماعيين الذين ينبغي عليهم دراسة الأسباب، والعمل على تفعيل أدوات الضبط الاجتماعي عبر الحرص على غرس القيم النبيلة والمحافظة على استمرارية الفضيلة في المجتمعات، وبين متخذي القرار ليعملوا على سد الثغرات في مختلف القطاعات، والتربويين ليسعوا جادين وبحذر لإدخال ما هو ضروري من توعية جنسية في المناهج الدراسية العربية، وكذلك تعزيز وتقوية الواعظ الديني الذي يمكنه أن يكون سدا منيعا في وجه الانحراف الأخلاقي، والقانونيين الذين يمكنهم تشجيع الردع الاجتماعي عبر أن تكون عقوبة الجناة أمام أعين المجتمع، وقبلهم جميعا الأسرة أي البيت الذي يقع عليه كاهل رعاية الأطفال وحمايتهم وتعزيز تربيتهم الأخلاقية حتى لا يكونوا ضحايا للاغتصاب، وكذلك حتى لا يكونوا مرتكبين لهذه الجرائم مستقبلا في حال التغافل عن تنشئتهم تنشئة اجتماعية سليمة.
وبذلك يظل الحل الجذري لهذه القضية المقلقة كامنا في التكامل والتضافر بين كافة قطاعات المجتمعات، وليت الأمر وجد طريقه للمزيد من التناول في المؤسسات البحثية والأكاديمية والتربوية على مستوى المنطقة العربية.