يعد ميناء صحار أحد أهم الموانئ الرئيسية التي تعول عليها السلطنة في سياسة التنويع الاقتصادي، وقد حرصت منذ أمد بعيد على ضخ المليارات في بنيته الأساسية، بهدف أن يكون انطلاقة صناعية وتجارية تضخ المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية في الاقتصاد الوطني، خاصة مع تحويل الأنشطة التجارية لميناء السلطان قابوس قبيل تحويله لميناء سياحي على طراز عالمي، ويأتي ميناء صحار بالإضافة إلى ميناءي الدقم وصلالة منطلقًا لقطاع لوجستي بمواصفات عالمية، تستفيد من الموقع الاستراتيجي للسلطنة الواصل بين الشرق والغرب، ومن الوضع الجيوسياسي، والعلاقات الطيبة التي تربط السلطنة بكافة بلدان المعمورة، وتفتح الآفاق لقطاعات اقتصادية حيوية أخرى مثل السياحة والصناعة والزراعة والثروة السمكية، والتعدين، لتنطلق نحو أبعاد أخرى تشكل عتقًا من سياسة الاعتماد على النفط، وتحفظ ميراث الأجيال القادمة من مقدرات النهضة المباركة.
إن ميناء صحار في ظل ما يشهده من تطورات في مختلف المجالات فإنه يعتبر في المرحلة الحالية نقطة تحول مهمة نحو جعل السلطنة مركزًا لوجستيًّا إقليميًّا وبيئة جاذبة للاستثمار، وذلك بفضل الجهود التي يبذلها القائمون على الميناء والتي تصب في هذا الاتجاه، حيث يسعى القائمون عليه ووزارة النقل والاتصالات على تكامل ربط المرافق والخدمات اللوجستية المختلفة، وتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لرفع التنافسية، منسجمًا مع مستجدات أسواق المنطقة ومقابلة لمتطلبات خطوط الملاحة الجديدة، مع تسارع وتيرة التطور في خدماته اللوجستية.
إن الزيارة التي قام بها معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات لميناء صحار قد أوضحت حجم الجهد الذي يبذل لتطوير الميناء خاصة خدمة التخليص الجمركي المسبق الجاري تطبيقها تجريبيًّا والتي تعمل على تمكين جميع المتعاملين بالشحن والمشغلين بالموانئ من سرعة تبادل المعلومات التفصيلية للبضائع قبل وصولها، ما يتيح التخطيط لحركتها ويرفع كفاءة التخليص من خلال تخفيض الوقت والتكلفة، والتي تسعى إلى تسهيل الإجراءات التجارية، بالإضافة إلى تطبيقات أخرى قادمة ستنطلق من ميناء صحار ليتم تعميم نجاحها على الموانئ والمنافذ الحدودية؛ منها اتفاقية تقديم الخدمة بين الجهات الحكومية المختصة والإدارة العامة للجمارك للتمكين من إنهاء إجراءات التخليص على مدار الساعة وربطها بفترة إنجاز محددة لضمان جودة الأداء.
ولعل لغة الأرقام تثبت حجم الجهد المبذول للنهوض بميناء صحار، فقد عملت محطة الحاويات بميناء صحار على مناولة ٢٢٦ ألف حاوية نمطية خلال الأشهر الثلاثة الماضية بزيادة قدرها حوالي 86٪‏ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو رقم يوضح مدى الاستفادة من تلك المحطة والمرافق الأخرى التي استثمرت فيها السلطنة العائدات النفطية على مدار عقود، حيث عملت الحكومة على تعزيز قدرات الميناء من البنية الأساسية للأرصفة والتقنيات، حيث تم تنفيذ محطة جديدة للحاويات بمعدات مناولة وخدمات أرضية تستوعب أضخم سفن الشحن، ومنطقة مخصصة للتخزين المبرد والتصنيع الغذائي بتكلفة بلغت 170 مليون دولار أميركي استجابة لمؤشرات نمو السكان وقطاعات السياحة وتجارة التجزئة بدول المنطقة التي تستخدم الموانئ البحرية لاستيراد 70% من مواد الأغذية والتخطيط لإجراء توسعة لتشغيل محطة مناولة المواد السائبة لاستيعاب 10 ملايين طن، ليبلغ إجمالي الاستثمارات بالميناء والمنطقة الحرة حتى الآن 26 مليار دولار أميركي. وقد عمل الميناء على تجاوز التحديات الناتجة عن إنخفاض أسعار النفط بفتح خطوط ملاحة عالمية جديدة، واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية في مختلف القطاعات كالصناعات الخفيفة والثقيلة والخدمات اللوجستية المساندة، وتعزيز خدمات الربط التقني وتسهيلات الحركة بين كل من المنطقة الصناعية والمنطقة الحرة ومطار صحار القادر على استيعاب 50 طنًّا من الشحن الجوي.
كما تشير نتائج النصف الأول من عام 2017 لميناء صحار إلى زيادة مطردة في الحركة الملاحية والشحن، وقد حقق حجم حركة الحاويات خلال الربع الثاني من 2017 نموًّا بنسبة 11% عن نفس الربع من العام الماضي، وفي ذات الفترة ارتفعت أيضًا حركة مناولة الحاويات المبردة التي تحمل واردات المنتجات الزراعية والحيوانية بنسبة 10% تقريبًا، مقارنة بالربع الثاني من عام 2016. ويقدر حجم مناولة الحاويات الحالي بحوالي 3 أضعاف عما كان عليه قبل خمس سنوات فقط وذلك بفضل الخطوط الملاحية الجديدة والرحلات المباشرة إلى أسواق العالم، إضافة إلى الاستثمارات المتواصلة في الميناء والمنطقة الحرة، إن الأرقام تؤكد أن العمل في ميناء صحار قد أتى أُكله وستكون بجانب موانئ السلطنة اليد التي ستأخذ الاقتصاد الوطني نحو التنوع.