[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
لم تطبق أميركا عدالة ولا تحترم حقوق إنسان، كان قرار إعدام صدام حسين سياسيا وليس تطبيقا لقانون، بل كان لتركيع كل العرب نتيجة قتله وإن اختلفت حوله الآراء وتضاربت المواقف فقد رآه البعض جلادا وقاتلا ومتهورا، بينما رآه البعض زعيما فذا حافظ على وطنه، وكان رمزا للمقاتل الذي لم يساوم على وحدة العراق ولا قراره ولا سيادته، ساومه الأميركان على كرامته..


تتجلى الطاعة في أسمى صورها، ويتجسد الإذعان في أبهى مراتبه، عندما يأمر الله تعالى النبي إبراهيم بذبح ولده البكر إسماعيل وقد رزق به على كبر، وتكون الاستجابة المطلقة من الأب وابنه لأوامر المولى عز وجل ليبدل الله هذا الابتلاء العظيم بكبش أعظم لتسن للمسلمين طقوس الأفدية والأضحية، ويضاف إليهم عيد مجيد يذكرهم بالطاعة والامتثال لمقام خالقهم الكريم.
وفي كل عام يحتفل جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى والوقوف بجبل عرفات وأداء فريضة الحج، ولكن في صبيحة الـ30 من ديسمبر من العام 2006 عندما كانت تردد تكبيرات صلاة عيد الأضحى، وسط لسعات برد قارس في أجواء العاصمة العراقية بغداد، تقطع محطة التلفزيون الرسمية إرسالها وتعلن على الملأ نبأ إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، وعندما كان الحجيج يواصلون أداء شعائر الحج مرددين (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك)، وفي الوقت الذي يحتفل فيه أكثر من مليار ونصف مسلم، ويتأهب معظمهم لنحر الأضحية اقتداء بالخليل إبراهيم الذي فدى الله ولده إسماعيل بذبح عظيم، وامتثالا لأوامر المولى عز وجل، إذا بشاشات العالم قاطبة تذيع على الهواء مباشرة من العاصمة بغداد لحظات إعدام صدام حسين بعد أن أدانته المحكمة الجنائية العراقية بالتورط في قضية الدجيل الشهيرة.
وتمر الأحداث حيث وصلت قوات التحالف إلى مقر جهاز المخابرات العامة، وسلمته إلى القوات العراقية مقيد اليدين ممسكا بالمصحف الشريف في يده وقد ظهر صدام ضعيفا بجسد هزيل، بعدها اقتيد إلى غرفة المقصلة بعد أن رفض رفضا قاطعا وضع كيس أسود على وجهه ووسط المدعين العامين ومندوبي القوات العراقية، ردد صدام حسين الشهادتين ولم ينطق شيئا آخر ورافقه شرطيان إلى المشنقة، ليوثق حول رقبته حبل الموت وفي ثوان تقبض روحه، ويتدلى جسده ويفارق الحياة في ثبات وشجاعة أذلت قاتليه.
ومن السخرية أن تدين الولايات المتحدة الأميركية بلد حقوق الإنسان والديمقراطيات العريقة، وتحاكم وتنفذ حكم الإعدام على حاكم دولة عربية ذات سيادة، بل اختاروا لجريمتهم النكراء توقيتا غريبا لم يسبق له مثيل ولا تقره الشرائع السماوية ولا القوانين الوضعية، ضاربين بحرمة هذا الشهر عرض الحائط، وطعنوا في مقتل كرامة وكبرياء ذوي الدماء الحرة من العرب، بل أهانوا مشاعر كافة المسلمين بنحر هذا الزعيم العربي المسلم، كما ينحرون الخراف والإبل، والمعنى واضح والرسالة كاشفة، وطالما الأعياد قادمة سينحر المسلمون خرافهم وقادتهم بأيديهم.
لم تطبق أميركا عدالة ولا تحترم حقوق إنسان، كان قرار إعدام صدام حسين سياسيا وليس تطبيقا لقانون، بل كان لتركيع كل العرب نتيجة قتله وإن اختلفت حوله الآراء وتضاربت المواقف فقد رآه البعض جلادا وقاتلا ومتهورا، بينما رآه البعض زعيما فذا حافظ على وطنه، وكان رمزا للمقاتل الذي لم يساوم على وحدة العراق ولا قراره ولا سيادته، ساومه الأميركان على كرامته، وطلب منه رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي أثناء فترة محاكمته أن يظهر في التلفاز ويناشد المقاومة العراقية أن تتوقف فرد عليهم (انسحبوا فورا .. أعيدوا الحياة إلى مئات الآلاف من الشهداء، أعيدوا أموالنا المسروقة وآثارنا المنهوبة)، قالوا مستعدين للتشاور معك وسنقدم لك المال والحماية ولم شمل كل أسرتك ـ كما يفعلون مع كل الخونة ـ على شرط أن يطلب من رجاله إلقاء السلاح، وأن يقر بأن أسلحة الدمار الشامل قد تم تهريبها إلى سوريا ذلك لإعطاء المبرر لأميركا لمهاجمة الأراضي السورية، والتخلص من نظامها الحاكم لكنه رفض قائلا لهم (لا حياة لي بلا كرامة أعدموني كما شئتم).
عندما أرادت أميركا تغيير خريطة إقليم الشرق الأوسط بدأت محطتها بالعراق، وطبقا لسياسة "اقتل المربوط يرتعب السائب"، بدأت بصدام لتكمل فيما بعد فرط عقد الأنظمة العربية الحاكمة وتدمر دولهم... نحن نعيش مذلة الابتلاء العظيم مع سمو المناسبة العظيمة وبين حقارة اللحظة المعاشة الآن، فلم نعد ندري ولا نفهم هل سنذبح أضاحينا أم ننتظر نحن الذبح والنحر كبهائمنا؟ هل سنفدي ونضحي أم يفدى ويضحى بنا؟ إننا نعيش زمن البلاء والابتلاء.