[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
تتفاخر الشعوب بعمقها التاريخي والحضاري، وتذكر صفحات التاريخ لكل أمة الأمجاد التي تتحدث عن بطولة قادتها وملوكها وزعمائها، لكن في الأغلب تتجاهل تلك الكتب الوثائق التي تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان، لدرجة أن قارئ الكتب التي تمجد الامبراطوريات وتعظم من الحضارات تخرج بانطباع خالص البياض غير مشوب بشيء على الإطلاق، لكن ما يروى ويتم تناقله شفاها يتحدث عن فظائع من الانتهاكات، لكن ولأن الحاكم هو المنتصر دائما في معاركه ضد الشعب ولأن المؤرخين يسطرون الصفحات التي تنتصر للمنتصرين فإن الوجه الآخر من الحقائق يتم ردمها وعدم الإتيان عليها حتى تنساها الأمم والشعوب.
لهذا فإن حقوق الإنسان والحديث عنها ومناقشاتها لم تحصل على الإطلاق لو لم تكن هناك انتهاكات تصل حد الفظاعات، لأن ما هو طبيعي لا يثير الآخرين، وأن خلاف ذلك يدفع للتعرض له والحديث عنه.
هناك من يؤرخ للحديث عن حقوق الإنسان بعد حقبة الحرب العالمية الثانية منتصف القرن العشرين بسبب الفظاعات التي حصلت قبل الحرب وأثناءها، والمخاوف التي برزت من فظاعات وانتقام وتداعيات لكل ما قد يحصل لاحقا، إلا أن البروفيسور تشارلز بيتر يذهب أبعد من ذلك، ويرى أن تاريخ الممارسة الحديثة لحقوق الإنسان قد بدأت فعليا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، ورغم دراسته لهذه القضية في العالم الأوروبي أكثر من غيره، فإن بقية أصقاع الأرض ليست استثناء، سواء بالممارسات أو الانتهاكات التي حصلت بمستويات متفاوتة هنا وهناك.
إن معاهدة وستفاليا للسلم في العام 1648 والتي سبقت الإعلان العالمي بأربعمئة عام لم تأتِ من فراغ، وأنها سعت من خلال بنودها للتأسيس للمنظومة الحديثة للدول الأوروبية وتحديدا تلك التي حدّت من الحقوق السياسية للإمارات الألمانية من خلال ضمان جمعي للتسامح الديني، بعد ذلك أقر الكونجرس الألماني مبدأ الحرية الدينية في العام 1878.
انعكست الصراعات الدينية والحروب التي شهدتها أوروبا في العصور الوسطى وحجم الدماء التي سفكت في الكثير من المدن والأحياء على قضية حقوق الإنسان، إذ إن الخلاف الذي يحصل بين مجموعة وأخرى غالبا ما يتطور لحروب وصراعات يدفع ثمنها الإنسان من حياته وحريته وممتلكاته.
إن الحكومات قد تظهر احتراما كبيرا في خطب قادتها وفي أدبياتها السياسية لحقوق الإنسان، لكن ما يؤسف له عندما يتعارض ذلك مع مصالحها فإن مثل تلك الطروحات والخطب تنزوي بعيدا ثم تدخل في أقبية معتمة بعيدة عن الأنظار، مثلا نجد الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت وفي خطابه عن حالة الاتحاد في العام 1941، يتحدث عن حقوق الإنسان بطريقة سرعان ما تلاشت بجميع مبادئها بعد انخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، يؤكد روزفلت على الحريات الأربع (التعبير والعبادة والتحرر من العوز ومن الخوف).
لكن سرعان ما اختلفت الأحوال لمجرد دخول الولايات المتحدة الحرب ثم إنهائها لتلك الحرب بجريمة بشعة ضد الشعب الياباني في العام 1945.