بغض النظر عن حقيقة وجود تنسيق من عدمه بين دمشق والمقاومة اللبنانية وبغداد لنقل إرهابيي تنظيم "داعش" من الحدود السورية ـ اللبنانية إلى منطقة البوكمال على الحدود العراقية، إلا أن تأزيم الاتفاق وتعقيده، يبدو وكأن هناك طرفًا ثالثًا غير منظور يتخفى خلف ظواهر الأحداث ليسيِّر المواكب في الاتجاه الذي يريد، والاتجاه واضح، وأوضح من الذي يحركه، فهو اتجاه يسعى المتلطون خلفه نحو إفشال الإنجاز الذي تحقق في معركة الجرود التي قادها بكل اقتدار وبسالة الجيشان السوري واللبناني والمقاومة اللبنانية؛ لأنه كلما اقترب السوريون واللبنانيون من مساحة التفاؤل بتطهير أرض بلادهم من الإرهاب التكفيري بصورة كاملة أو حتى مجرد تطهير أجزاء منها، وجدنا ذلك الطرف الثالث ينسف هذه المحاولات، ويضرب كل ما من شأنه أن يقود إلى التفاؤل والأمل المنشودين.
ويبدو أمر التحالف الستيني العتيد الذي تقوده الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا شيئًا عجبًا من خلال جملة التناقضات في مواقفه حيال اتفاق القلمون وطبيعة العلاقة القائمة بينه وبين تنظيم "داعش" ومحاولة إدامة وجوده في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان. فقد حاول التحالف الستيني عرقلة نجاح اتفاق القلمون بخروج إرهابيي "داعش" من الحدود اللبنانية ـ السورية إلى البوكمال مع الحدود العراقية، حيث تقطعت السبل بقافلة تضم 17 حافلة تقل نحو 300 عنصر مسلحين تسليحًا خفيفًا و300 مدني في صحراء شرق سوريا منذ يوم الثلاثاء، مع استخدام التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضربات جوية لمنع القافلة من دخول أراضٍ خاضعة لسيطرة التنظيم وتحديدا دير الزور. ما استدعى تغيير مسار القافلة للمرة الثانية. وكان الإرهابيون المسافرون على متن الحافلات قد سلموا جيبهم الذي احتلوه والممتد عبر حدود سوريا مع لبنان يوم الاثنين الماضي في إطار اتفاق هدنة أتاح لهم الانضمام إلى قياداتهم على الجانب الآخر من سوريا.
إن تأزيم هذا الاتفاق ومحاولة دق إسفين بين سوريا والمقاومة اللبنانية وبين العراق من قبل التحالف الأميركي وأتباعه وعملائه في المنطقة، من الواضح جدًّا أن هذا التحالف إنما أراد أن يستغل هذا الاتفاق وتوجيهه إلى الوجهة التي يريدها، محققًا به أهدافًا عدة ومحاولة ضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك من حيث محاولة سرقة الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني والمقاومة اللبنانية والجيش العربي السوري في معركة الجرود في سوريا ولبنان بإنهاء وجود الإرهاب القاعدي المتمثل بذراعيه "النصرة وداعش"، وتخريب فرحة هذا الانتصار وتعميق الآلام والأحزان التي أصابت اللبنانيين بعدما علموا بمصير الجنود العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى تنظيمي "النصرة وداعش"، ومحاولة قلب الصورة الحقيقية لدى المتابعين ليس في سوريا ولبنان والعراق، وإنما في العالم أجمع بأن المقاومة اللبنانية ودمشق لا يحاربون الإرهاب، وأن الذي يحارب الإرهاب وحده هو التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة بدليل أنه استخدم القوة ضد قافلة تنظيم "داعش" الإرهابي الذي فتحت له دمشق مسارًا نحو منطقة البوكمال العراقية ودير الزور.
والمثير، أن هذا التأزيم المتعمد، والدعاية الكاذبة اللذين أرادهما التحالف الستيني، يأتيان في الوقت الذي تتوارد فيه الأنباء عن قيام هذا التحالف بنقل قيادات وعناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي من دير الزور إلى جهات داخل سوريا، وكذلك قيام هذا التحالف بنقل قيادات وعناصر داعشية من تلعفر العراقية إلى إقليم كردستان العراق وبواسطة أكراد، كما تقول الأنباء، هذا فضلًا عن دفعات السلاح التي تصل إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، وبالتالي فإن تأزيم اتفاق القلمون وتحويله إلى أزمة وفرقة بين الحلفاء السوريين واللبنانيين والعراقيين الذي يحاربون الإرهاب حقا ليس هناك مستفيد منه سوى طرف واحد وهو عدو سوريا ولبنان والعراق والمنطقة بأسرها.