[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” يمكن تعريف الاستقرار السياسي بالرغم من كثرة التعريفات المتداولة بأنه:( عملية التغيير التدريجي والمنضبط التي تزيد من شرعية وكفاءة النظام السياسي ) كما يعرف إجرائيا على أنه: ( قدرة مؤسسات النظام السياسي على الاستجابة للمطالب المقدمة إليه والنابعة من البيئة الداخلية والخارجية للنظام).”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراقبة مؤشرات ومتطلبات الاستقرار السياسي داخل الدولة بشكل دوري ودائم, ومتابعة كل المتغيرات والتحولات ذات الصلة والارتباط بهذا الجانب, والتي تستجد يوميا في مختلف المجالات والتوجهات ويمكن ان تؤثر في استقرار المنظومة الامنية ككل, والاستقرار السياسي على وجه الخصوص مهم للغاية. سواء كان على المستوى الرسمي او الجماهيري. ليس فقط من اجل تحقيق اهداف مجموعة المصالح الامنية الرسمية في الداخل الوطني والتي هي في غاية الاهمية بكل تأكيد بالنسبة للمؤسسات الامنية. بل يتجاوز ذلك الى تحقيق الامن الخارجي انطلاقا من استقرار الداخل الوطني. وهو جانب في غاية الاهمية كذلك نظرا لارتفاع سقف المخاطر والتهديدات العابرة للحدود الوطنية والتي اصبحت تهدد منظومة الامن والاستقرار الداخلي, كما انه ومن جهة اخرى مطلب مهم للغاية لتحقيق استقرار وشرعية النظام الحاكم نفسه.
فليس من المتصور ان تنعم الحكومات بالأمن والاستقرار والهدوء بينما تتجاهل مؤسساتها الامنية والسياسية اهمية ودور جانب الاستقرار السياسي في توطيد النظام والامن داخل الدولة. فعلى النقيض من مفهوم الاستقرار السياسي نجد مفهوما عدم الاستقرار السياسي. والذي يمكن تعريفه بانه: (حالة من التغير السريع غير المحكوم وغير المنضبط, والتي تتسم بتزايد العنف السياسي من أجل خدمة أغراض سياسية مشبوهة. وهذا ما يؤدي إلى تناقص في الشرعية, وانخفاض في قدرات وأداء النظام ). حيث يستلزم الاستقرار السياسي حيازة النظام والسلطة السياسية على الشرعية السياسية ( فالحكومة التي تتمتع بشرعية عالية تتصف بفاعلية كبيرة في صناعة السياسات وتنفيذها، فالاستحواذ الشرعى على القيادة السياسية يكون مقيد بنفس مستوى ذلك الاستحواذ ولن يكون التوزيع غير عادل للسلطة مبررا إلا عن طريق اكتمال الواجبات المفروضة على الحكومة).
كما انه ومن جانب اخر يتم التركيز على جانب الاستقرار السياسي لدوره الرئيسي في ابراز حيوية النظام الحاكم ومدى تطوره وجديته في الاهتمام بالجوانب غير الامنية والسياسية كتحقيق المصالح الاجتماعية والثقافية والاقتصادية داخل الدولة, كون الاستقرار السياسي لا يقتصر دوره على الجانب السياسي او الامني البحت, بل يمتد الى بقية الجوانب الحياتية سالفة الذكر. بالإضافة الى امكانية النظام ومؤسساته الامنية والسياسية على مواكبة المتغيرات الداخلية والخارجية ومدى قدرتها على الاستجابة لمتطلبات التغيير والتحديث بشكل مستمر ودائم في هياكل بناء الدولة والمجتمع. بالتالي هو( محصلة لأداء النظام ، في مجالات الشرعية السياسية والعدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، وقدرة مؤسسات النظام السياسي على الاستجابة للمتغيرات المحيطة بالبيئة المحلية ، والبيئة الخارجية ، من خلال التغيير التدريجي ، والمنظم، الذي يساهم في حفظ النظام من اهتزاز شرعيته، وتدني فعاليته).
على ضوء ذلك يمكن تعريف الاستقرار السياسي بالرغم من كثرة التعريفات المتداولة بانه:( عملية التغيير التدريجي والمنضبط التي تزيد من شرعية وكفاءة النظام السياسي ) كما يعرف إجرائيا على أنه: ( قدرة مؤسسات النظام السياسي على الاستجابة للمطالب المقدمة إليه والنابعة من البيئة الداخلية والخارجية للنظام). وتحقيق ذلك دون استخدام وسائل القوة والعنف والتهديد سوى في اضيق الحالات والحدود التي تتطلبها المصلحة العامة, وتحت رقابة الجهات التشريعية والقضائية في الدولة, يضاف الى ذلك قدرته ( على التعامل مع الأزمات التي تواجهه بنجاح، وإدارة الصراعات القائمة داخل المجتمع بشكل متوازن تحافظ على النظام وتمكنه من السيطرة على الأزمات، والحد من العنف السياسي، مما يزيد من كفاءة وشرعية النظام ).
فالاستقرار السياسي كما يصفه محمد محفوظ في مقاله - في معنى الاستقرار السياسي- المنشور في جريدة الرياض العدد 13819 الثلاثاء 27 ربيع الأول 1427هـ الموافق 25 أبريل 2006م ( ليس وليد القوة العسكرية والأمنية، وإنما هو وليد تدابير سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية .فالنظام السياسي المتبع في الدولة يحدد مدى الاستقرار السياسي في هذه الدولة من عدمه). فكلما كان النظام السياسي قادر على تحقيق التوازن ما بين المتطلبات الجماهيرية والشعبية في مختلف المجالات والامكانيات الرسمية او الحكومية كلما زاد من فرص تحقيق الاستقرار السياسي في البيئة الوطنية , وفي الجانب الاخر , يمكن التأكيد على ان فشل او ضعف تعامل النظام مع هذه الغاية بلا شك سيؤدي الى اضعاف النظام السياسي نفسه وتراجع الثقة فيه وفي شرعيته مع الوقت .
اذا حقيقة ولب الاستقرار السياسي يكمن في سيادة السلام والعدل والقانون في الدولة , وفي غياب اشكال العنف والقطيعة مع النظام السياسي , وفي وجود الثقة بين ابناء الوطن والحكومة القائمة على ادارة شؤون حياتهم اليومية ومتطلباتهم المعيشية من جهة, وفي مدى مقدرة مؤسسات الدولة على تحقيق الاصلاحات والمطالب بأساليب سياسية مدنية سواء فيما يتعلق بالشأن القائم او المستقبلي القادم , والتكيف مع المتغيرات الحاصلة في البيئة الداخلية والخارجية من جهة اخرى . ويؤكد ماكس فيبر على أن(النظام السياسي يكون شرعيا عند الحد الذي يشعر فيه مواطنيه بان النظام السياسي صالح ويستحق التأييد والطاعة).
لذا نجد ان الاهتمام بجانب الاستقرار السياسي في الدولة يجب ان يكون هدف من الاهداف الوطنية العليا التي يجب رعايتها والتركيز عليها خلال السنوات القادمة , وذلك من خلال دعم مؤشرات الاستقرار وتدعيم معاييره البنائية والتكوينية. وكذلك من خلال تعزيز متطلباته التي يمكن من خلالها تقوية المنظومة الامنية سواء الرسمية منها او الجماهيرية من جهة .او من خلال السعي لتعزيز جانب شرعية النظام السياسي من جهة اخرى, خصوصا مع ارتفاع سقف المهددات والاخطار السياسية والامنية النابعة من الخارج والتي بلا شك يمكن ان تؤثر سلبا وبشكل خطير على البيئة السياسية والامنية الداخلية.

محمد بن سعيد الفطيسي باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية [email protected] تويتر - MSHD999@