إن ما يجري في الضفة الغربية وفي مدينة الخليل خاصة من حملات دهم واعتقال يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وما يصبه من حمم على قطاع غزة بصورة متوالية، يعد بداية لعدوان واسع جديد يعده المحتلون الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني، لينتزعوا به ما فشلوا في انتزاعه عبر المفاوضات العبثية.
ولذلك فإن خنق مدن الضفة الغربية وقراها بالحصار والدهم والاعتقال ليتعدى الأمر إلى إعادة اعتقال أولئك الأسرى المفرج عنهم في صفقة الجندي الصهيوني المحتل جلعاد شاليط، وبالتزامن مع غارات عدوانية للطيران الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، هو مقدمة يريد العدو الصهيوني من خلالها توجيه ضربة قاصمة للسلطة الفلسطينية وضربة لاتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس بذريعة البحث عن ثلاثة مستوطنين لم يعرف مصيرهم بعد، حيث يتحدث الجانب الإسرائيلي المحتل عن اختطاف للمستوطنين الثلاثة متهمًا به الفلسطينيين وتحديدًا حركة حماس، معطيًا لنفسه مبررًا لتحويل الضفة الغربية إلى ثكنة عسكرية، في حين لم يصدر شيء عن الفلسطينيين يؤكد حدوث ما يتهمهم به عدوهم بتدبير عملية الاختطاف.
وفي تطورات الأحداث يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى توسيع دائرتي نار إرهابه واعتقالاته وعمليات التهجير القسري، الأمر الذي يثير شكوكًا كثيرة حول ظروف اختفاء المستوطنين الثلاثة، وما إذا كانت عملية الاختطاف قد حصلت أم أن الاحتلال دبر العملية؟
وبغض النظر عن الحقيقة المغيبة، إلا أن المحتلين الإسرائيليين عبروا في أكثر من موقف رفضهم لاتفاق المصالحة بين فتح وحماس واستخدموا العديد من وسائل التهديد لإفشاله، لكنها لم تُجْدِ نفعًا، وبالتالي من الواضح أنهم يسعون جاهدين إلى هذا الاتجاه وإعادة الوضع الفلسطيني إلى مربع الانقسام والتراشق والمناكفات والمشاحنات، واستثماره في التهام ما تبقى من الحق الفلسطيني بصورة أسرع، كما يبدو في الأفق أن هدف الاحتلال أيضًا هو إعادة احتلال مدن وقرى فلسطينية من بينها مدينة الخليل. لذا فإن نجاح كيان الاحتلال الإسرائيلي في تمزيق اتفاق المصالحة بين الضفة وغزة هو نكبة فلسطينية جديدة تذكر بالنكبة الكبرى عام 1948م حين اضطر الفلسطينيون إلى ترك ديارهم واللجوء إلى دول الجوار هربًا من الإرهاب الإسرائيلي المستشري لتبدأ حينها رحلة غالبية الفلسطينيين نحو الشتات في واحدة من أكبر المآسي والجرائم الإنسانية في العصر الحديث. كما أن نجاح المحتل الإسرائيلي ـ لا سمح الله ـ في ذلك سيضر بكل الجهود القائمة لرأب الصدع وبلسمة جراحات الانقسام وعذاباته التي يريد كيان الاحتلال أن ينكأها من أجل الاستفراد بالفلسطينيين بداية بسلطتهم ثم بفصائلهم فصيلًا فصيلًا، لينجز بذلك مشروعه التصفوي.
والمؤسف أن حركتي فتح وحماس لم تعطيا الأمر ـ كما يبدو ـ أهميته بتأمين اتفاق المصالحة الذي وقعتاه وتعملا على تحصينه، حيث كان لافتًا التراشق بين الحركتين على خلفية دفاع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن التنسيق الأمني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وإدانته اختطاف المستوطنين الثلاثة. ومن المؤكد أن المحتلين الإسرائيليين وهم يتابعون هذا التراشق سيبعث فيهم الارتياح وسيعطيهم الدافع لتكثيف وسائلهم وأساليبهم نحو تحقيق ما يهدفون إليه. ولذلك فإن نجاح المحتلين وفشلهم مرتبط بنجاح فتح وحماس في حماية اتفاق المصالحة وجعلها صامدة في وجه عدو الشعب الفلسطيني.