[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/07/yy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]
” إن ظاهرة تعاطي المخدرات كغيرها من الظواهر الاجتماعية في أي مجتمع لا يجوز فصلها عن المجمل كالظروف المحيطة بها في داخل هذا المجتمع أو خارجه فهي لا تنفصل عن الظروف الاقتصاديـة والسياسية التي تسود هذا المجتمع الأمر الذي يحتم على من يتناول مثل هذه الظاهرة أن يتناول بشيء من التحليل للخصائص الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش فيها متعاطي المخدرات”
ـــــــــــــــ
استكمالا للمقالات السابقة والتي بدأنا فيها الحديث عن أمر غاية في الخطورة وأوضحناه أن الإدمان أصبح هو أحد أهم الأسلحة الفتاكة للنيل من الشعوب والأوطان ولذا علينا أن نتصدى له بكل ما أوتينا من قوة وحتى نجنب شعوبنا وأوطاننا الدمار المحقق الذي قد يحدث جراء سقوط العنصر البشري في فخ الإدمان وعلى أن يكون هذا بنشر الوعي وأيضا الضرب بيد من حديد لكل من يثبت تورطه في استهداف العنصر البشري في بلادنا لأنه يستهدف بهذا الأمن القومي لأن العنصر البشري يعد أحد أهم الركائز التي تبنى بها وعليها البلدان كما أنه ينبغي عرض الحقائق التي تخص هذا الأمر بكل صراحة لأن في بعض الأحيان تكون مصارحة المريض بحالته الصحية ومهما كانت متدهورة أمرا مهما وضروريا وذلك لأن يعي أهمية العلاج أو التدخل الجراحي ويلتزم بكل ما هو في شأنه مساعدته للتماثل للشفاء وألا سيكون الطبيب والأدوية وحتى الجراحة في اتجاه والمريض بعدم وعيه ومعرفته بحقيقة مرضه في اتجاه أخر وبالتأكيد ستكون النتيجة ليست هي المرجوة لا من الطبيب ولا حتى من المريض أيضا .
فالإدمان على المخدرات آفة اجتماعية خطيرة رافقت البشرية منذ القدم وتطوَّرت بتطورها وأصبحت من إحدى المشكلات المعاصرة التي تمثل قمة المعاناة والمأساة التي وصلت إليها المجتمعات الإنسانية فاجتاحت بلدانا نامية ومتطورة وانتشرت بين زمر وجماعات متباينة ثم بدأت بالانتقال بين إقليم وآخر زراعة وتصنيعًا وتعاطيًا وإدمانًا وما النداءات العالمية التي تتعالى والاتفاقيات التي تُبرَم والمؤتمرات الدولية التي تُعقَد والبحوث والدراسات الاجتماعية التي تُجرى بصفة دورية إلا دلائل واضحة على حدة المشكلة وشموليتها وما يزيد من خطورتها كونها تصيب الفئة الفعالة في المجتمع وهي فئة الشباب ناهيك عن آثارها السلبية على الفرد المدمن وعلى المجتمع وبقدر تزايد درجة تعقيد المشكلات المرتبطة بالإدمان على المخدرات وصعوبتها يزداد تعدد المشكلات المصاحبة لها وتباينها فمن أوضح الأدلة على تعقد مشكلات الإدمان تلك النسبة المشتركة من انتشار جملة من الاضطرابات الصحية والنفسية والاجتماعية منها فظاهرة الإدمان تعد ضمن ميدان الأعراض التي تنبئ بانتمائها إلى الأزمة الاجتماعية والثقافية والتي تعبر عن نفسها من خلال العواقب المترتبة عنها من قبيل تفكك العلاقات الاجتماعية ومشكلات الصحة الجسمية .
ومع تحول الاتجاهات إزاء مشكلة تعاطي المخدرات فقد شهدت مسميات جديدة للمدمن والإدمان على المخدرات ومن أهم مظاهر هذا التغيير دخول أنماط علاجية جديدة لمعالجة هذه الظاهرة وتقديم المساعدة لهذا الفرد بدل تعريضه للعقاب وما زال حتى الآن ينظر إلى المدمن باعتباره فردًا يحتاج إلى مداخلة علاجية كبديل لأساليب العقاب هذه المداخلة التي ستزيد من فرص عودته للحياة السوية.
إن المدمن على المخدرات شخص منحرف معرفيًّا يعاني من الأفكار الخاطئة والانحرافات المعرفية ومنه اتضح أن علاج الإدمان على المخدرات يحتاج إلى استراتيجية علاجية تعتمد أساسًا على تصحيح الأفكار الخاطئة حول الإدمان وتعليمه طرق التفكير العقلاني والسليمة وزيادة التبصر بالمشكلات وبالتالي اكتساب القدرة على مواجهتها.
وعليه كان ينبغي علينا أن نجيب على التساؤلات التالية: كيف تتعامل الأسرة مع مدمن المخدرات؟ وما هي الطرق المثلى في التعامل مع المدمن واحتوائه ومساعدته؟ وما سبل إيجاد أماكن متخصصة سرية آمنة لانقاذ المدمن وإعادة تأهيله؟
وعلى إثر هذه التساؤلات فإننا أردنا أن نبدأ بمعرفة ما هو الإدمان من خلال تعريفه وتقديم أبعاده ومراحله ثم أنواعه وأقسامه وأعراضه ثم معرفة أسبابه وأهم المشاكل التي يسببها والناتجة عنه وما هي أبرز آثاره وأضرارها وبعدها استنتجنا مفهوم إدمان المخدرات وما هي خصائصه وأسبابه وآثاره السلبية ثم دخلنا في صلب الموضوع ألا وهو تعامل الأسرة مع مدمن المخدرات وأردنا أن نستدرج أولاً دور الوالدين في إبعاد أبنائهم عن المخدرات وذلك من خلال مبدأ الوقاية خير من العلاج وكيف تتعرف الأسرة على ابنها المدمن وكذا مدى معاناة الأم بسبب ابنها المدمن وطرق اكتشاف نوع المخدر ومتى يكون التحليل؟
ثم ما هو دور الأسرة في الوقوف بجانب ابنها المدمن وذلك من خلال متابعة طرق علاجه وطريقة تعاملها مع ابنها المدمن المنتكس بعد تنويمه في مستشفى لعلاج الإدمان أو متعافى ملتحق ببرنامج الرعاية المستمرة ؟ ثم تحدثنا عن إعادة تأهيل المدمن من المخدرات وفي حالة التعافي وأنواع علاجه في المراكز المختصة .
إن ظاهرة تعاطي المخدرات كغيرها من الظواهر الاجتماعية في أي مجتمع لا يجوز فصلها عن المجمل كالظروف المحيطة بها في داخل هذا المجتمع أو خارجه فهي لا تنفصل عن الظروف الاقتصاديـة والسياسية التي تسود هذا المجتمع الأمر الذي يحتم على من يتناول مثل هذه الظاهرة أن يتناول بشيء من التحليل للخصائص الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش فيها متعاطي المخدرات ومن ثم تحليل ودراسة الأسباب الاجتماعية العامة المؤدية إلى هذه الظاهرة وانتشارها بين صفوف من هم في سن الشباب ما بين14سنة وحتى الأربعين.
كما يجب البحث عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على قطاع الشباب في المجتمع بالشكل الذي يؤدي إلى انتشار تعاطي المخدرات بينهم.
ولا رجاء ولامستقبل لشباب يدمن المخدرات والخوف كل الخوف من مجتمع تروج فيـه المخدرات ذلك لأن الأفراد الذين يتعاطون المخدرات يتطور بهم الحال إلى الإدمان والمرض والجنون وبزيادة إقبال الشباب على تعاطي المواد المخدرة لم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد حالات فردية يمكن التعامل معها من خلال المنظور الفردي سواء بالعلاج الطبي، أو الجنائي بل تحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة لذلك وجب على المجتمع وعلى العلماء المختصين في أمراض النفس أن يُولوا المسؤولية الكاملة إلى الأسرة لأنها نواة المجتمع والأساس في تربية النشء الصاعد وبالتالي نَوَد أن نتحدث وبصراحة عن دور الأسرة في احتواء المدمن ومساعدته وتوجيهه نحو الدرب القويم وكيفية التعامل معه بالطرق السليمة التي تنسيه عذاب المرض الذي يعانيه.
ويكون ذلك باستخدام الخطوات التالية:
أولا : عند مرحلة إقناع المريض بالعلاج:
• إقناع المدمن بأن إدمانه ما هو إلا مرض ناتج عن المفاهيم السيئة التي احتلَّت عقله وأنه يستطيع بإرادته التخلص منه.
• إن وجود مدمن نشط في الأسرة يتعاطى المخدرات ينبغي على الأسرة أن توقف كل مظاهر الدعم المادي والمعنوي للمريض حتى لا يستمر في تماديه.
إن المدمن النشط يستغل تلك الإمكانيات في الاتجاه نحو مزيد من التعاطي لذا ينبغي على الأسرة عدم التستر على المريض.
• يجب على أسرة المدمن النشط أن تعلم أن الإدمان مرض يمكن علاجه والسيطرة عليه منه.
• ينبغي عدم الخوف من المريض.
إن المريض المدمن في مأزق لا يستطيع الخروج منه وحده وهو يحتاج إلى وقفة جادة من الأسرة وبرنامج علاجي منظم.
إذا تعذر على الأسرة إحضار المريض للمستشفى للعلاج أو تعذر إقناعه بالعلاج يمكن للأسرة أن تطلب المساعدة من الجهات الأمنية المختصة بمكافحة المخدرات وسوف تجد منها العون والمساعدة الإيجابية مع المحافظة على سرية التدخل وحفظ واحترام خصوصيات الأسرة إن هدف الجميع هو حماية الأسرة وعلاج المريض أيًّا كان موقفك من إدمانه وقبول ما كنت تتعامل في حياتك أو لا.
• عدم تجنب المدمن واعتزاله خاصة المقربين منه.
• المواجهة بكل هدوء وحذر حتى يستجيب للعلاج ولا يرفضه.

• لا يجب التعامل معه على أنه مجرم ارتكب جريمة لا تغتفر.
• التعامل النفسي الجيد مع المدمن مهارة قد لا يجيدها إلا المتخصصون.
• عدم استخدام العنف مع المدمن.
• عدم اليأس مع محاولات العلاج من الإدمان.
• إعادة بناء الحياة الخاصة بك حتى تتمكن من أن تهييء الحياة والجو المناسبين للمدمن.
• خطأ فادح اعتقاد أن المدمن عضو فاسد ينبغي استئصاله من جسد المجتمع.
• احتواء الشخص المدمن واللجوء إلى المتخصصين شيء مهم جدًّا للتخلص من الإدمان.
وسوف نستكمل سرد مجموعة من المقالات للتعامل مع كافة عناصر الإدمان علنا نستطيع المساهمة ولو بشيء بسيط في التصدي لهذا الخطر الذي يستهدف الشعوب والأوطان .
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية .

د. صلاح الديب
رئيس المركز العربي للاستشارات وإدارة الأزمات وخبير إدارة الأزمات في مصر والوطن العربي
[email protected]